شهدت تونس خلال الأيام الماضية، احتجاجات شعبية في عدد من الولايات والمدن، بعيداً عن جدل وصراعات الأحزاب السياسية، اذ تصدر التظاهرات مجموعة من الشباب يطالبون بتغيرات اقتصادية واجتماعية رداً على سياسة التهميش التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة بعد ثورة الربيع التونسي.
الاحتجاجات التي تركزت في الاحياء الشعبية، ورافقتها أعمال شغب وتخريب وعمليات كر وفر بين قوات الأمن ومجموعة من الشبان الذين، قابلها رئيس مجلس شورى حركة النهضة “عبد الكريم الهاروني” بدعوة أنصار حزبه للنزول إلى الشارع والتصدي إلى المحتجين وقمعهم”.
واتهمت منظمات حقوقية تونسية، سلطات الأمن بشن حملات اعتقال عشوائية شملت ناشطين تونسيين على خلفية مشاركتهم بالمظاهرات، مشيرةً إلى أن “بعض الناشطين تم اعتقالهم على خلفية نشرهم تغريدات داعمة للحراك على مواقع التواصل الاجتماعي”.
النهضة تهدد..
إلى جانب ذلك، أكد رئيس مجلس شورى حركة النهضة “الهاروني”: أنه “وجه الدعوة للمناضلين والمناضلات لحماية دولتهم وإعانة شعبهم وألا يتركوا الغاضبين يخربون ما بناه الشعب التونسي ودولتهم الشرعية”، موضحاً أن “دعاة الانفجار” و”دعاة الثورة الثانية” و”دعاة ثورة الجياع”، لم ينجحوا في ذلك، على اعتبار أن هناك مؤسسات شرعية قادرة على الحوار.
وأعاد تحريض رئيس مجلس الشورى “الهاروني” إلى الواجهة، الأحداث التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة في العام 2012، عندما زجت النهضة بميليشياتها لإجهاض مظاهرات واحتجاجات مناهضة للحكومة دعت إلى تنظيمها منظمات غير حكومية.
بدورها، رفضت النقابة العامة للحرس الوطني أمس الخميس، تصريحات قيادي حركة النهضة، “عبد الكريم الهاروني و”محمد القوماني”، بشأن مساندة القوات الأمنية في فرض القانون”، مشددة على أن الدولة “هي المسؤولة عن حفظ النظام العام وإنشاء القوات المنظمة وكل حزب يدعو إلى خلاف ذلك يؤسس لميليشيا ويمهّد للفوضى”.
وأشار الكاتب العام لنقابة الحرس “سامي القناوي”، إلى أن “هذا الموقف موقفٌ مبدئي لوزارة الداخلية ولا يمكن لأي شخص أو مجموعة أو حزب تولي حماية الممتلكات أو القيام بدور القوات الحاملة للسلاح، وهذا مرفوض تماما”. موضحاً أن “وحدات الحرس ستتعامل بصرامة مع أي مجموعات تخرج ليلا وتخرق حظر التجوال تحت أي لواء”.
بينما طالب عدد من نواب البرلمان التونسي، قبل أيامٍ، بمساءلة رئيس الحكومة، “هشام المشيشي”، بشأن أحداث الشغب والاحتجاجات التي شهدتها البلاد، مشيرين إلى أن “المشيشي” يعتبر وزيرا للداخلية بالنيابة أو ممثلا للحكومة التونسية، حسبما نقلت وسائل إعلام تونسية.
وعلى إثر هذه الاحتجاجات، أعلنت وزارة الداخلية التونسية، أنها أوقفت 630 شخصا أغلبهم من القُصّر، اذ حذر الرئيس التونسي قيس سعيد، الشباب في بلاده من “المتاجرين بفقرهم وبؤسهم، لبث الفوضى، ثم تجاهل الضحايا منهم”.
صراعات ذاتية..
وفي سياق متصل، حمل المنتدى الوطني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان له مسؤولية ما يقع من احتجاجات وأزمات اقتصادية إلى الطبقة السياسية التي تقاعست في مواجهة الفساد وكرست سياسة الإفلات من العقاب وعدم المساواة أمام القانون وقفزت على مسار العدالة الانتقالية وانخرطت في صراعات سياسوية وذاتية وفئوية”.
كما أشار المنتدى إلى ان “التعبيرات الغاضبة وخروج مجموعة من التونسيين الى الشارع هي ترجمة، لما تعرضت ومازالت تتعرض له هذه الفئات الواسعة من عنف وعقاب جماعي ووصم واستمرار لسياسات الإقصاء والتفقير والتجويع”.
ودعم الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمات حقوقية أخرى، الاحتجاجات السلمية في مواجهة “سياسات التهميش والإفقار والتجويع”، متهمة الدولة بتبديد آمال الثورة.
وندد المنتدى برفض الدولة الاعتراف الفعلي بحقوق كل الأفراد ومبدأ تساويهم أمام القانون، مؤكدة أن “مبدأ المساواة امام القانون في تونس شكلي ولا يكترث لحقوق التونسيين الاقتصادية والاجتماعية”.
إلا أن تصريحات المسؤولين التونسيين لم تساهم في التخفيف من غضب المتظاهرين، اذ شهد البرلمان التونسي يوم الأربعاء حادثة غريبة بانسحاب وزير الدفاع التونسي “إبراهيم البلتاجي”، من الجلسة العامة في البرلمان بخصوص الوضع الأمني في البلاد، التي تشهد احتجاجات شعبية منذ أيام.
وأفادت وسائل إعلام تونسية أن عددا من النواب عبروا عن امتعاضهم من بعض العبارات الواردة في كلمة وزير الدفاع “إبراهيم البلتاجي” خلال الجلسة العامة، وبالأخص تلك التي اتهمت محتجين من مناطق الداخل بالمشاركة في احتجاجات الساحل، وأن الاحتجاجات “أحداث الشغب والنهب، والاضطرابات الليلية التي وقعت هي أعمال إجرامية “.
حرب أهلية..
وفي المقابل، وصف سياسيون ومراقبون تصريح حركة النهضة، بـ”الخطير” لما تضمّنه من تلويح باللجوء إلى العنف في مواجهة المحتجين الذين رفعوا شعارات مناوئة للنهضة خلال المظاهرات، وتحريضا على حرب أهلية.
بدوره، أكد الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي “محسن النابتي”، أن “حركة النهضة، أعلنت الحرب الأهلية على خلفية دعوته لأنصار حركته بالتصدي لما أسماها أعمال التخريب والشغب في البلاد”، معتبرا أن هذه الدعوة هي “أسلوب ميليشياوي”.
ولفت “النابتي” في تدوينة عبر صفحته بفيسبوك، أن “قبول الأجهزة الأمنية العمل جنبا إلى جنب مع ميليشيات حزبية، يعني الدخول رسميا لدولة الميليشيات والحرب الأهلية”، داعيا رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى الرد على هذا التصريح.
وطالبت شخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية الجهات الرسمية، بالتحرك السريع لإعلان رفض هذه التصريحات التي تتنافى مع القانون والدستور وتهدد وحدة المؤسسات.
بينما، اعتبر حزب “التيار الديمقراطي” المعارض “التصريحات الإعلامية لقيادات حركة النهضة التي أكدت عزمها على المشاركة في فرض الأمن عبر منخرطيها، تعديا صارخا على الدستور وحق الدولة في احتكار مهمة حفظ الأمن”. موضحاً أن “صدور التصريحات المتزامن من قياديين بارزين في حزب حاكم مؤشر على خطة ممنهجة لوضع مليشيات حزبية في مواجهة المحتجين، ومواصلة سياسة العنف السياسي التي شاهدنا نتائجها الكارثية على وحدة الدولة والسلم الأهلي في 9 إبريل 2012”.
ودعت “حركة الشعب” الجهات القضائية التحرك وتحمل المسؤولية القانونية والدستورية في حماية الامن العام والنظام الجمهوري ووضع حد لوجود مجموعات منظمة تابعة لحزب سياسي تهدد الامن العام والسلم الاجتماعي والقيام باجراءات قضائية ضد رئيس شورى النهضة وحزبه، مطالبة حركة الشعب القوات الامنية بوضع حد لما سماها البيان عصابات حزب حركة النهضة.
استمرار الاحتجاجات..
وتواصلت الاحتجاجات اليوم الجمعة، اذ عمد عدد من سكان حي “العوينة” في منطقة الساحل التونسي، إلى اغلاق الطريق الرئيسية، عبر إشعال النيران في الإطارات المطاطية، للمطالبة بإطلاق سراح موقوف عقب التحركات الأخيرة التي شهدتها المنطقة، بعد وفاة والده أمس الخميس.
وندد أهالي الحي بعمليات الاعتقال التي وصفوها بالعشوائية والتي طالت عددًا من التونسيين الذين لم يشاركوا في الأحداث الأخيرة.
كما، أعلنت أحزاب ماركسية تونسية، انخراطها المطلق في الاحتجاجات والنضالات التي تشهدها البلاد، اذ وقع نحو 12 تنظيما ماركسيا على بيان مشترك منهم “حزب الكادحين” و”حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد”(نائب واحد/217) و”حزب الوطد الاشتراكي” و”حركة الراية العمالية” و”الماركسيون الثوريون”
ودعت التنظيمات الماركسية عموم الشعب إلى ” مواصلة الاحتجاج بمختلف الوسائل المتاحة حتى رحيل المنظومة برمته”. محذرة من “عمليات الاختراق والاحتواء والإفشال التي يحاول الائتلاف الحاكم القيام بها عبر التشويه والاختراق والصد.”
التنظيمات الماركسية طالبت “اصطفاف جميع القوى الوطنية والثورية مع جماهير شعبنا المنتفضة من المفقرين والمهمشين صفا واحدا، بينما أكدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، أن “السلطات التونسية أوقفت أكثر من ألف تونسي، نصفهم على الأقل من الأطفال (تحت 18 عاما)، على خلفية الاحتجاجات الأخيرة”.