رغم حملات المقاطعة والاستهجان الشعبيين في المملكة الأردنية، من قرار حكومة “بشر الخصاونة” الجديدة، بإجراء الانتخابات البرلمانية والتي أقيمت فعلا في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، تشهد الأردن تداعيات تفشي فيروس كورونا المستفحل، إذ ينتشر كالنار في الهشيم في بلد يعاني أزمات اقتصادية وصحية، أدى تفاقمها إلى حل مجلس النواب واستقالة الحكومة الأردنية السابقة برئاسة “عمر الرزاز”.
مصادر طبية خاصة أكدت لمرصد “مينا”، أنه “بعيدا عن الإحصائيات الرسمية المعلن عنها، يصنف الأردن اليوم كأكبر بؤرة لتفشي فايروس كورونا في العالم، إذا ما قسناها كنسبة وتناسب مع عدد السكان، البالغ قرابة 11 مليون نسمة في اخر أرقام لعام 2020، مع المهاجرين المتواجدين هناك”.
وهو ما كشف عنه بالفعل عضو لجنة المركز الوطني للسيطرة على الأوبئة والأمراض السارية في الأردن “عزمي محافظة”، خلال تصريحات صحفية الإثنين الفائت، لافتاً إلى أن” إجمالي الإصابات في الأردن حاليا أكثر من مليون إصابة بالفيروس، أغلبها غير مكتشف”، مشيرا الى أن الأعداد المسجلة يوميا “لا تمثل العدد الحقيقي على أرض الواقع”.
وأوضح “محافظة”، أن “كل إصابة مسجلة بالفيروس يقابلها من 10 إلى 30 إصابة غير مكتشفة”، معتبرا أن الأردن وصل لأقصى مراحل انتشار الفيروس حيث تجاوز المستوى الرابع للتفشي.
وكان آخر الأرقام المفاجئة أمس الأربعاء، إذا تم اكتشاف قرابة 1900 إصابة بالفايروس من أصل 2500 عامل في مصنع بمدينة العقبة الساحلية جنوب غربي الأردن.
الإصرار على الانتخابات..
حُّل مجلس النواب الأردني بقرار ملكي في 27 سبتمبر/ أيلول الفائت، وهو ما ينص حكما حسب الاستحقاق الدستوري، على استقالة الحكومة المتواجدة حينها خلال أسبوع، والتي كان يترأسها “عمر الرزاز”، على ألا يتولى الحكومة التي تليها.
وأدى أعضاء الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة “بشر الخصاونة” في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، اليمين الدستوري أمام الملك عبد الله الثاني في قصر رغدان بعمان، في غياب وزيرين يخضعان للحجر الصحي حينها، وفق ما أفاد بيان الديوان الملكي، وضمت تشكيلة حكومة “الخصاونة” 31 وزيرا بينهم ثلاث نساء، وثمانية وزراء من حكومة سلفه “عمر الرزاز”.
القرار الملكي بحل مجلس النواب أكد أن الانتخابات ستقام في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، ومسار الدولة يسير باتجاه إتمام الانتخابات النيابية.
وأطلقت مجموعات من الناشطين قبل الانتخابات حملات مقاطعة، وحذر الكثير من مسؤولي الصحة من إجرائها، إلا ان حكومة” الخصاونة” أصرت حينها على إقامة الانتخابات في وقتها، مع فرض حظر شامل بعدها لمدة 3 أيام، إضافة إلى إعلان سلسلة قيود جديدة، من بينها تمديد ساعات الحظر الليلي في البلاد، وإنشاء 3 مستشفيات ميدانية لمرضى كورونا.
إلى جانب ذلك، انقسم الشارع الأردني قبل الانتخابات إلى قسمين، أحدهم طالب بإتمامها في ظل الوضع السياسي الصعب في المنطقة، وآخر طالب بتأجيلها حتى تتم السيطرة على فايروس كورونا، الذي بدأ بحصد كوادر طبية أردنية حينها، حسب مصادر لمينا.
كارثة وبائية..
حملات المقاطعة والتحذيرات آتت أكلها نوعا ما، إذ كشفت الهيئة المستقلة للانتخابات الأردنية، أنّ نسبة التصويت بلغت 29.88 بالمئة، وهي نسبة قليلة مقابل أكثر من 35 في المئة قبل أربع سنوات في 2016، لكن الاستهتار بقرار الحجر الصحي والحظر الشامل بعد الانتخابات، أطاح بالبلد الذي ضرب فيه المثل أوائل العام الحالي في السيطرة على وباء كورونا، الذي انتشر وقتها في العالم أجمع.
وبعد اعلان نتائج الانتخابات انتشرت مقاطع فيديو لتجمعات واحتفالات رافقها إطلاق نار وأعمال شغب في كافة محافظات الأردن التسعة عشر، مما اضطر الحكومة الأردنية إلى تفعيل أمر الدفاع رقم 20، القاضي بمنع التجمعات في المناسبات واستخدام إجراءات وأدوات الوقاية والسلامة العامة، كذلك أعلنت مديرية الأمن العام تكليف فرق خاصة للسيطرة على التجمعات ومخالفة المتورطين في مقاطع الفيديو، بعد رصدها.
وقدم وزير الداخلية الأردني، “توفيق الحلالمة”، استقالته من منصبه، بعد نحو شهر من تعيينه، وذلك على خلفية الانتهاكات التي شهدها حظر التجول المفروض.
كذلك لوح مدير أمن المنطقة الشمالية الأردنية، العميد “سالم الشماسين”، بأن عناصره ستتخذ كافة الإجراءات الممكنة لفرض الأمن والقضاء على المظاهر الخارجة عن القانون، بما فيها استخدام الرصاص الحي، لافتاً إلى اعتقال المئات شاركوا بتلك المظاهر.
ومع الانتشار الكبير لوباء كورونا شهدت الأردن سخطا شعبيا قبل أيام على أسعار المستشفيات الخاصة، وعدم قدرة المستشفيات الحكومية على استيعاب الوضع الوبائي، مما رئيس الوزراء الأردني “بشر الخصاونة” الإثنين ، إلى إصدار قرار الدفاع رقم 23، والذي يفويض وزير الصحة بوضع اليد على أي مستشفى كلياً أو جزئياً ومحتوياته وتكليف إدارته والعاملين فيه بالاستمرار بتشغيله لاستقبال حالات كورونا، وتكلف وزارة الصحة بوضع تسعيرة علاج كورونا على نفقتهم في المستشفيات الخاصة.
الملك الأردني “عبد الله الثاني” وجه أمس الحكومة الأردنية لجعل المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، المرجعية لإدارة أزمة كورونا، مشددا على ضرورة فرض سيادة القانون من أجل حماية المواطنين، وأن صحتهم أولوية بالنسبة له.
اقتصاد منهار..
تزامناً مع ذلك، أفادت مصادر لمرصد “مينا” أن الاقتصاد الأردني في طريقه إلى انهيار تام، وغلاء أسعار المواد الغذائية وصل إلى أكثر من النصف، وأن الكثير من الأردنيين ميسوري الحال لم يعد بمقدورهم تأمين احتياجاتهم الخاصة.
وكانت نقابة أصحاب محطات المحروقات وتوزيع الغاز في الأردن، قد كشفت عن ارتفاع كبير في حجم الطلب على أسطوانات الغاز في البلاد خلال الأيام الأخيرة بعد الانتخابات، لافتةً إلى أن نسبة الزيادة وصلت إلى نحو 300 بالمئة عن المعدل الطبيعي.
إضافة إلى تراجع واردات المشتقات النفطية وفق بيانات الحكومة الأردنية، التي وصلت إلى 50 بالمئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.
وأوضحت البيانات أن قيمة انخفاض عائدات المشتقات النفطية بلغت خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني وحتى مطلع آب من العام 2020، وصل إلى 1.17 مليار دولار أمريكي، مشيرةً إلى أن الأردن شهد تراجع كبير في معدلات استهلاك الوقود ومشتقات النفط في البلاد، كواحدة من نتائج انتشار وباء كورونا المستجد، كوفيد 19.
يذكر أن الأردن يستورد ما نسبته 95 بالمئة من حاجاته النفطية من الخارج، نظراً لانخفاض معدل إنتاجه النفطي، مقارنة بمعدلات الاستهلاك.
هاشتاغ “قاطعوا الانتخابات لأجل حياتكم” الذي تصدر ترند مواقع التواصل الأردني قبل الانتخابات، طرح وما زال يطرح تساؤلا على جميع الأردنيين، ما التوجه الأجدى في ظل كارثة فيروس كورونا الصحية التي تضرب البلاد؟َ