تشهد العلاقات بين روسيا وحليفها الميداني الأبرز في الجنوب السوري، “اللواء الثامن” التابع للفيلق الخامس، توتراً وصل إلى حد إقدام موسكو على قطع رواتب عناصر اللواء، وسط توقعات باتخاذ السلطات الروسية إجراءات تصعيدية أخرى.
وبينما تؤكد مصادر محلية من درعا إيقاف الدعم المالي الروسي للواء الثامن، تتضارب الأنباء حول السبب الذي يقف خلف ذلك، وسط تأكيدات على وجود توتر بين الطرفين، على خلفية امتناع عناصر اللواء عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية الصورية التي أجراها النظام في مناطق سيطرته مؤخراً، بعد رفض قائد الفيلق “أحمد عودة” وضع صناديق الاقتراع في مدينة بصرى الشام حسبما تقول مصادر محلية.
من جهة ثانية، ترجع مصادر مطلعة توقف الدعم الروسي إلى رفض اللواء الثامن إرسال دفعة جديدة من عناصره إلى البادية السورية، كما تشير المصادر إلى احتمالية تصاعد التوتر خلال الفترة المقبلة، ما أثار جدلا حول مستقبل اللواء.
رفض المطالب الروسية
يؤكد الصحفي “مهران الباير”، أن أصل الخلاف بين روسيا واللواء الثامن، يعود إلى شهر رمضان الماضي، حيث طلب الروس من قائد اللواء ، “أحمد العودة”، إرسال 300 عنصر إلى البادية السورية للمشاركة في عمليات التمشيط ضد مسلحين في البادية السورية، وبالفعل، أُرسِلوا، لكنهم سرعان ما عادوا بعد 13 يوماً فقط، حيث قالت قيادة اللواء إنهم “أنجزوا مهمتهم”.
“الباير” اعرب عن اعتقاده بأن “شيئاً ما قد حدث خلال وجودهم في البادية لم يتضح حتى الآن، دفع قيادة اللواء إلى سحب عناصرها بقيادة العقيد “نسيب أبو عرة”، القائد العسكري في اللواء، وحسبما ينقل “الباير” عن مصدر من داخل اللواء، فإن “سبب الخلاف أن الروس طلبوا إرسال المزيد من العناصر، وأن يبقوا هناك ويقيموا معسكرات في البادية، الأمر الذي رفضته قيادة اللواء، واعتبرت أن مهمة عناصر اللواء كانت تقتصر على التمشيط فقط، وهو ما حصل”.
يشار إلى أن عناصر اللواء البالغ عددهم نحو 1600 عنصر، يتلقون رواتب شهرية من روسيا تقدر بـ200 دولار كمتوسط لكل منهم.
وكانت روسيا، قد عمدت بعد رعايتها لاتفاق التسوية بين النظام السوري وفصائل المعارضة في درعا، صيف العام 2018، إلى تطويع المقاتلين الذين رفضوا التوجه إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، في اللواء الثامن وأتبعته لـ”الفيلق الخامس” الذي يتولى حماية مصالح موسكو وقوات الشرطة العسكرية الروسية في سوريا.
ما بعد إيقاف الدعم
بالرغم من تأكيده أن الروس لم يدفعوا رواتب عناصر اللواء الثامن، يرى “الباير” أن “الأمر لا يعني قطيعة تامة بين الطرفين، مشيرا إلى أن روسيا تحتاج إلى قوة محلية في الجنوب السوري تعتمد عليها، ولكنها ربما تضغط بموضوع الرواتب للتأثير بقيادة اللواء”.
كما يشير “الباير” إلى أن مستقبل العلاقة بين الطرفين “غير واضح حتى الآن، ومن غير المعلوم ما إن كانت روسيا تسعى إلى تغيير قيادة اللواء، وتحديداً قائده “أحمد العودة”، أو تتجه إلى حل اللواء برمته، أو قد يتوصل الطرفان إلى اتفاق جديد.
ويتوقع “الباير” أن تحاول روسيا الحفاظ على مصالحها من خلال عزل “العودة” من قيادة اللواء، بسبب طموحاته للتمدد في الجنوب السوري، وصداماته المتكررة مع قوات النظام، فضلاً عن اتصالاته الخارجية التي لم تتوقف حتى بعد اتفاقية التسوية، حيث يعتقد أنه يتلقى أيضاً تمويلاً من مصادر أخرى خارجية غير روسيا.
في هذا السياق، يكشف قيادي في اللواء الثامن رفض الكشف عن اسمه، أن اتفاق الروس مع “العودة” على مشاركة “اللواء الثامن” في معارك البادية، كان مقابل إخراج المعتقلين من المحافظة، والعمل على إيقاف عمليات الاعتقال، وتحسين الوضع الأمني والمعيشي لأهالي المحافظة”.
وبسؤاله إن كان إيقاف الرواتب يؤسس لقطيعة دائمة مع روسيا، اعتبر القيادي أن العلاقات الحالية مع الروس تعتمد على مدى الشفافية، وقدرتهم على إخراج المعتقلين، مشيرا إلى أن الروس لم يضعوا العودة بالخطوة اللاحقة لوقف الرواتب.
وأضاف، “لا نعلم إلى أين يمكن للأمور أن تصل في الوقت الحالي، ولن يشكل إيقاف الرواتب وسيلة ضغط حقيقية إلى حين الحصول على الحقوق المستحقة كإخراج المعتقلين وبقية بنود الاتفاق.
كما يشير القيادي إلى أنه سبق ظهور الخلاف الأخير، مؤشرات دللت على ذلك، منها استمرار خروج المظاهرات ضد نظام أسد في درعا، وكذلك رفض المشاركة في “مسرحية الانتخابات” الأخيرة، وتحديداً في مدينة “بصرى الشام” مركز “اللواء الثامن” معتبرا أن كل هذه المؤشرات تنبئ بتصاعد التوتر أكثر بين الطرفين وربما يفضي إلى قطيعة أو استبدال العودة، خاصة أن الجانب الروسي لم يفي بوعوده و يخرج جميع معتقلي المحافظة.
ميليشيات إيران أكبر المستفيدين
يرى الباحث في الشأن السوري “أسامة عوير”، أن التوتر الحالي بين “اللواء الثامن” وروسيا يصبّ في مصلحة إيران ومليشياتها في الجنوب السوري، بالإضافة إلى “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام، التي سعت خلال الفترة الماضية إلى قطع الطريق على تمدد “اللواء الثامن” في ريف درعا الغربي، ليظل محصوراً في ريفها الشرقي، ونشطت الفرقة، في المقابل، في الريف الغربي في تجنيد شبان المنطقة لمصلحتها ومنحهم بطاقات أمنية يستطيعون التحرك بواسطتها والاحتفاظ بسلاحهم.
كما يصب التوتر في مصلحة إيران، التي تخطط لزيادة نفوذها في المنطقة المحاذية للأردن والقريبة من الجولان بحسب “عوير”، الذي يعتقد أن القطيعة بين روسيا واللواء الثامن ستفتح الباب أمام ميليشيات إيران في الجنوب لتجنيد أكبر عدد من الشبان من خلال الامتيازات التي تقدمها لمقاتليها وسط غياب أي رادع.
يشار إلى أنه انتشر على تطبيق “واتس أب” بين أهالي درعا، أواخر شهر نيسان/أبريل الماضي، تسجيل صوتي قدم فيه قيادي من درعا عرضاً يتضمن التحاق من وُضِعت اشارات حجز على أملاكهم بصفوف الميليشيات الموالية لـ”الحرس الثوري” الايراني، مقابل تسوية اوضاعهم الامنية، ورفع اشارات الحجز عن أملاكهم.
وحسب مصادر متطابقة، فان عرض الانتساب قدمه القيادي المرتبط بـ”حزب الله” اللبناني و”الحرس الثوري” الإيراني وسيم العمر المسالمة، وهو من أبناء مدينة بصرى الشام.
وأضاف المسالمة أن كل عناصر وقادة المجموعات الإيرانية لديهم القوة والحق في الحفاظ على ممتلكاتهم وعدم المساس بها من اي جهة كانت، وتعطى هذه الميزات للمنتسبين الجدد لتلك الميليشيات من دون النظر إلى تاريخ المنتسب سواء كان من المعارضين أو من المدنيين الذين لم يسبق لهم الانضمام إلى الفصائل المسلحة.
الجدير بالذكر أن درعا تعيش على وقع فلتان أمني، منذ صيف العام 2018، وسط اتهامات لأجهزة النظام والمليشيات الإيرانية باستهداف كل من يعارض بسط سيطرة النظام الكاملة على المنطقة، ولا يتيح اتفاق التسوية لقوات النظام التواجد في كل المناطق.