بعد نحو 38 يوماً على اندلاع الأزمة مع دول الخليج بسبب تصريحاته حول حرب اليمن، والتي سحبت على إثرها عدد من الدول الخليجية سفراءها من لبنان، حسم وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي قراره، واختار الاستقالة، في خطوة تهدف إلى فسح المجال أمام جهود الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” لإقناع الرياض بعودة العلاقات مع بيروت خلال زيارته إلى السعودية.
خطوة “قرداحي”، التي جاءت بناءً على تمنّي رئيس الوزراء “نجيب ميقاتي” الذي التقاه يوم الأربعاء، وتحدث له عن وجود ضمانات فرنسية بالتدخل على خطّ الأزمة، طرحت أسئلة حول تأثير تلك الاستقالة في حل الأزمة، وما إن كانت ستعود العلاقات بين الخليج ولبنان إلى سابق عهدها السابق.
استقالة بعد تعنت..
في كلمة متلفزة توجه بها للبنانيين اليوم الجمعة، قال “قرداحي”: “قرّرت أن أتخلّى عن منصبي الوزاري لأنّ لبنان أهمّ منّي ولا أقبل أن أُستخدم كسبب لأذية اللبنانيين في دول الخليج، فمصلحة بلدي وأحبائي فوق مصلحتي الشخصية”.
وحول دوافع استقالته التي سبق وأن رفض تقديمها أوضح الوزير أن “فرنسا ترغب في استقالتي قبل زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى السعودية. وحرصا مني على استغلال هذه الفرصة الواعدة دعوتكم لأقول إن لبنان أهم من جورج قرداحي ومصلحة اللبنانيين أهم من مركزي”.
وكان قرداحي صرح في وقت سابق بنيته الاستقالة عقب اجتماعه برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قائلا “لقد حان وقت الاستقالة، وأنا مقتنع بأنني اتخذت القرار الصحيح في التوقيت الصحيح، ولذلك أشعر براحة داخلية”.
مصادر لبنانية مطلعة كشفت أن الاستقالة هي “تتويج لاتصالات داخلية وأخرى عابرة للحدود، شارك فيها ماكرون ومستشاره باتريك دوريل”.
وانقسمت الأوساط اللبنانية، حول تأثير استقالة قرداحي على قرار السعودية في إعادة العلاقات مع لبنان، حيث يرى البعض أن المسألة تتجاوز تصريحات الوزير المسيئة، إلى وجود موقف سعودي صارم من استمرار هيمنة “حزب الله” المدعوم من إيران على السلطة في هذا البلد، فيما يقول آخرون إن الازمة استجدت نتيجة التصريحات متوقعين أن تمثل الاستقالة بوابة لانفراج أسوأ أزمات بلدهم مع السعودية.
إطار صحيح
المحلل السياسي “خلدون أبو الخير”، يرى أن “استقالة وزير الإعلام توضع بالإطار الصحيح، الذي أشار إليه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بأن نزع فتيل الأزمة يكون من خلالها فقط، مشيرا إلى أن أحد أهم العوامل الإيجابية هو دخول الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” على خط الأزمة، ما سيساعد بحسب “أبو الخير” في تخفيف منسوب التوتر وتحسين شروط إعادة العلاقات للمنحى الصحيح، الذي يجب أن تكون فيها”.
ويضيف “أبو الخير” أن “المؤشر الأساسي لحل الأزمة سيكون من خلال ما سينتج عن زيارة الرئيس الفرنسي لدول الخليج العربي، وهي خطوة إيجابية وجب استتباعها بخطوات تكون من خلال تخفيض منسوب التوتر أولاً وإعادة ربط العلاقات بالشكل الصحيح مع البلدان العربية وبالتالي تصحيح المسار وإعادتها للنمط الطبيعي الذي من المفترض أن تأخذه”، معتبرا أن “السياسة الرسمية اللبنانية لخبطت الأمور في موضوع العلاقات مع الدول العربية عبر الانغماس بالسياسة الإيرانية والسكوت عما تفعله في الدول العربية”.
وبدأ ماكرون جولته التي تستغرق يومين من الإمارات على أن يزور بعدها قطر التي زارها ميشال عون مؤخرا والسعودية.
المشكلة في حزب الله
بدورها، تستبعد الباحثة في الشأن اللبناني، “إليسيا عبود” أن تؤدي استقالة “قرداحي” إلى انفراجة في الأزمة مع دول الخليج، خاصة السعودية، طالما أن الوضع السياسي في لبنان على حاله.
وترى “عبود” أن “المشكلة بين لبنان والخليج تتخطى بهلوانات قرداحي وتعكس مأساة أكبر لا استقالته قادرة على حلها، ولا بيروت نفسها قادرة على مواجهتها. المشكلة هي في توسع حزب الله الإقليمي من العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى خلايا في البحرين والكويت وغيرهم”، مؤكدة أنه “من الصعب، بل المستحيل على أي حكومة لبنانية مدعومة من حزب الله ان تكون لها علاقات طبيعية مع دول خليجية في وقت يسعى حزب الله الى الامتداد في هذه الدول”.
وفي تعليقها على مبادرة الرئيس الفرنسي، تؤكد “عبود” أن ماكرون لم يقدم للبنانيين أي ضمانات بان استقالة الوزير قرداحي سوف تجعل الرياض تغير مواقفها من لبنان، لذلك فان سقف ما يمكن ان تقدم عليه الرياض حاليا هو الحوار بشكل غير مباشر مع لبنان، ولن يتواصل السفير السعودي في بيروت او أي مسؤول سعودي مع الحكومة اللبنانية بشكل مباشر.
يشار إلى أن أكثر من مسؤول سعودي، كان أشار في السابق إلى أن أزمة العلاقة مع لبنان لا تتعلق حصراً بتصريحات وزير الإعلام، إنما تتخطاها لما تصفه الرياض ب”هيمنة حزب الله على القرار السياسي اللبناني، وهو ما يشير الى استمرار الازمة بعد استقالة الوزير.
وسبق وأن صرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود الشهر الماضي بأنه لا جدوى من التعامل مع لبنان في ظل استمرار “هيمنة وكلاء إيران”، في إشارة إلى حزب الله.
كما أوضح أن “هناك أزمة في لبنان بهيمنة وكلاء إيران على المشهد، وهذا هو ما يقلقنا وما يجعل التعامل مع لبنان ليس بجدوى للمملكة ولا أعتقد لدول الخليج”، مضيفا “لا أود اختزال الموضوع في تصريحات شخص معين فالإشكالية أكبر من ذلك. الإشكالية في لبنان هي استمرار هيمنة حزب الله على النظام السياسي”.
في هذا الصدد ترى “عبود” أن تغيير الموقف السعودي حيال لبنان قد يرتبط بنتائج الانتخابات البرلمانية التي ستجرى هذا العام، ووفق ذلك ترتب السعودية مع شركائها ولا سيما الإدارة الامريكية، نسق التحالفات الانتخابية، وتجميع القوى السياسية والتجمعات المدنية، مع حملة إعلامية ضد حزب الله وحلفائه، وخاصة التيار الوطني الحر، لخوض الانتخابات والحصول على اغلبية برلمانية، تشكل ثقلا في عملية انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، ومن ثم توازنات الحكومة ما بعد الانتخابات، لضمان انحسار نفوذ حزب الله، ورفع الغطاء السياسي عنه في الداخل اللبناني.
يذكر ان قرداحي ثاني وزير في لبنان يستقيل، بسبب تصريحات تعتبرها السعودية “مسيئة” بحقها، وكان سبقه إلى خطوة شبيهة لكن “سريعة”، وزير الخارجية “شربل وهبة” في حكومة حسان دياب في مايو/أيار الماضي، ما ساهم يومها بتهدئة الأجواء بعض الشيء في علاقة تُعدّ فاترة جداً بين البلدين منذ سنوات لأسباب متصلة بـ”حزب الله”، الذي تصنّفه المملكة منظمة إرهابية، وتتهمه بتصدير آفة المخدرات إلى أراضيها، وكذلك توفير الدعم والتدريب للحوثيين في اليمن، والعمل لخدمة الأجندة الإيرانية، وبأنه الحاكم في لبنان.
اختيار البديل يُوضح المشهد
تتحدث أوساط في بيروت عن اختيار شخصية بديلة لـ “قرداحي”، لتولي حقيبة الاعلام، وان هذا الاختيار تم قبل أيام ووقع على شخصية قانونية مقربة من زعيم تيار المردة هي المحامي “وضاح الشاعر”، لكن مصادر محلية تقول إنه في الوقت الراهن فان وزير التربية “عباس الحلبي” سيتولى الحقيبة بالوكالة، الى حين الإعلان عن اسم الوزير البديل.
ويقول الصحفي “نجم عيتاني” إن “تيار المردة” برئاسة “سليمان فرنجية”، الذي أعطى موافقة ضمنية على استقالة قرداحي، باختيار البديل، مع العلم أنه كان رفض في بداية الأزمة تسمية أي شخصية في حال قدم وزير الإعلام المحسوب عليه استقالته، وسيتولى وزير التربية عباس الحلبي الوزارة بالوكالة، إلى حين اختيار البديل.
كما يؤكد، أنّ الاسم البديل جاهز ومحضَّر منذ فترة، إلى حين إعلان قرداحي استقالته.
وحول توقيت استقالة “قرداحي”، يعتقد “عيتاني” أن “التوقيت حتماً يخبئ تفاهمات حصلت خلف الكواليس، تضمّنت كل المسائل الخلافية، خاصة ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، وانتخابات المغتربين، والطعن الذي تقدّم به تكتل لبنان القوي برئاسة جبران باسيل حول التعديلات التي طرأت على القانون الانتخابي”، بعد الاعتراض الذي أبداه “التيار الوطني الحر” على تقديم موعد الانتخابات النيابية من مايو/أيار 2022، إلى مارس/آذار.
ويضيف أنّ “ضغط ماكرون لوحده لا يحل الأزمة اللبنانية، حيث إنّ عودة مجلس الوزراء للانعقاد لطالما ارتبطت بملف التحقيق بقضية انفجار المرفأ”.
يشار إلى أن مجلس الوزراء اللبناني لم يجتمع منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول، حيث يقاطع الجلسات الوزراء المحسوبون على “حزب الله” و”حركة أمل” وفريقهما، للمطالبة بكف يد المحقق العدلي في واقعة انفجار مرفأ بيروت، طارق البيطار، احتجاجاً على استدعاء وزراء ومسؤولين محسوبين عليها إلى التحقيق.