مع بدء مشاورات رئيس الحكومة المكلف “مصطفى أديب” لتشكيل الحكومة اللبنانية، ظهرت مواقف الساسة اللبنانيين بين متفائل بنجاح المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان ومتشائم من تجربة جديدة لم تتميز عن سابقاتها إلا بتوقيتها، اذ طفت على السطح خلافات تركز محورها، في إصرار الثنائي الشيعي المتمثل بحركة “أمل” و “حزب الله” على تسمية عدد من الوزراء من بينهم وزير المالية، بينما رفض “أديب” ذلك الامر الذي عزز التوقعات بفشل المهمة وسقوط المبادرة الفرنسية.
رغم التوقعات بفشل مهمة “أديب” أو اعتذاره عن الاستمرار بمهمة تشكيل الحكومة، فقد واجه إعلان اعتذاره ردود فعل متباينة بين الأوساط السياسة اللبنانية، كما طرحت أسئلة حول مصير مبادرة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، بينما اعتبر بعض الساسة اعتذار “أديب” فشلا من شأنه أن يبقى لبنان في حالة توتر، وصفه آخرون بالقرار الشجاع لأول مسؤول لبناني يستقيل عندما لا يتمكن من أن يترجم قناعاته.
فشل صارخ..
رئيس الوزراء اللبناني الأسبق “سعد الحريري” اعتبر إعلان “أديب” نموذجا صارخا عن الفشل في إدارة الشأن العام اللبناني.
وقال الحريري: “مرة جديدة، يقدم أهل السياسة في لبنان لأصدقائنا في العالم نموذجا صارخا عن الفشل في إدارة الشأن العام ومقاربة المصلحة الوطنية” موضحا أن “الإصرار على إبقاء لبنان رهينة أجندات خارجية بات أمرا يفوق طاقتنا على تدوير الزوايا وتقديم التضحيات”.
“الحريري” أكد أن اعتذار “أديب” مؤشرا على سقوط المبادرة الفرنسية التي وصفها بالاستثنائية ومن الصعب تكرارها قائلا: “أولئك الذين يصفقون اليوم لسقوط مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نقول لهم إنكم ستعضون أصابعكم ندما لخسارة صديق من أنبل الأصدقاء ولهدر فرصة استثنائية سيكون من الصعب أن تتكرر لوقف الانهيار الاقتصادي ووضع البلاد على سكة الإصلاح المطلوب”.
ضياع الفرصة..
رؤساء الحكومة السابقون “نجيب ميقاتي” و”فؤاد السنيورة” و”تمام سلام”، كان لهم موقف مماثل لموقف الحريري كما اعتبروا ان اعتذار أديب يعني ضياع الفرصة التي أتيحت للبنان.
وأكد الثلاثة في بيان مشترك تناقلته وسائل إعلام محلية، وقوفهم “إلى جانب أديب في اعتذاره عن الاستمرار في مهمته التي جرى الإطاحة بها”، وآملين “أن يصغي الجميع للضرورات والاحتياجات الوطنية، وأن يدركوا مخاطر التصدع والانهيار بدون حكومة قادرة وفاعلة وغير حزبية”.
وجاء في البيان الثلاثي: “مع تكليف أديب تشكيل الحكومة الجديدة، لاحت فرصة إنقاذ لبنان بتأليف حكومة تبدأ بالعمل على استعادة الثقة ووقف الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي الحاصل”، لكن من المؤسف أن يصار إلى الالتفاف على هذه الفرصة التي أتيحت للبنان ومن ثم الى إجهاض جميع تلك الجهود”.
البيان أوضح أن “الأطراف المسيطرة على السلطة لا تزال في حالة إنكار شديد ورفض لإدراك حجم المخاطر الرهيبة التي أصبح يتعرض لها لبنان. وبالتالي هي امتنعت عن تسهيل مهمة، ومساعي الرئيس المكلف مما أدى إلى إفشالها”.
بدوره، اعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع” أن “اعتذار الرئيس المكلف أكد المؤكد، بأنه لا يمكن التفكير بأي إنقاذ إلا بحكومة مستقلة فعلا”، مشيرا الى أن تسمية الوزراء من قبل أفرقاء المجموعة الحاكمة الحالية قد أثبت فشله وأدى بالبلاد إلى ما أدى إليه”.
جعجع أضاف أنه “لا يمكن التفكير من الآن فصاعدا بتشكيل أي حكومة إلا انطلاقا من الأسس التي اعتذر الرئيس أديب بسببها”. مشدد على أن “أديب”، أول مسؤول لبناني يستقيل عندما لا يتمكن من أن يترجم قناعاته”.
مافيا السلاح والفساد..
وغرد عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب “عماد واكيم”، عبر “تويتر” قائلا: “لا، هذا ليس استهتارا بل إجراما كامل المواصفات بحق الشعب، إغراق الرئيس المكلف بالشروط و التلطي خلف الطوائف نهج أوصلنا إلى ما نحن فيه وما زلتم مستمرون غير آبهين بالبلد والشعب، صغار لا أمل فيكم، الشعب هو مصدر السلطات ولن تتمكنوا من خنقه، تحية احترام إلى الرئيس المكلف المعتذر”.
الوزير السابق اللواء “أشرف ريفي” سار في نفس اتجاه واكيم، وذكر عبر حسابه في “تويتر”: “مصطفى أديب الذي صارع مافيا السلاح والفساد لشهر، خرج مرفوع الرأس ولم يشارك في خداع اللبنانيين تحت عنوان حكومة تجريب المجرب. شاهد على مأساة لبنان بهذه المنظومة ومؤسس لنهج كرامة ومؤسسات. كل التحية لك يا ابن طرابلس البار ويا ابن هذا الوطن الذي يشبهك وأمثالك”.
وأضاف: “أديب أعطى المثال أن لبنان غني بالقامات والخامات. الويل الويل لكل من يسهم في التساهل واستمرار منظومة السلاح والفساد. لا سقف بعد اليوم في لبنان تحت السقف الذي تشبث به مصطفى أديب”.
الثنائي الشيعي…
رغم أن معظم الساسة اللبنانيون اعتبروا أن اعتذار رئيس الحكومة المكلف مؤشر على سقوط المبادرة الفرنسية إلا أن رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل، نبيه بري قال إن حركته متمسكة بالمبادرة الفرنسية .
وكانت جهود “أديب” لتشكيل الحكومة قد اصطدمت بشكل مباشر بتمسك الثنائي الشيعي، أمل – حزب الله، بالحصول على وزارة المالية مقابل المشاركة في الحكومة والتصويت لها ضمن جلسة منح الثقة.
إلى جانب ذلك، كشف “أديب” في تصريحات صحافية له، عقب الاعتذار، أن ما شهدته الساحة اللبنانية خلال جهود تشكيل الحكومة اوصله إلى قناعة بأن التوافق لم يعد موجودا بين الفرق اللبنانية، مشدداً على ضرورة أن تستمر مبادرة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” كونها تعبر عن نية صادقة من فرنسا تجاه لبنان، على حد قوله.
وشكلت وزارة المالية عقدة رئيسية في تشكيل الحكومة الجديدة، اذ يصر ثنائي حركة أمل – حزب الله، على أن تكون حقيبة المالية لهما، كشرط للمشاركة في الحكومة والتصويت لها، وكان رئيس تيار المستقبل سعد الحريري قد أعلن موافقته على تسمية وزير مالية مستقل من الطائفة الشيعية يختاره أديب لكن لم يقابل إعلان الحريري أي رد صريح من قبل الثنائي الشيعي.
مصادر بالنيابة عن الثنائي ذكرت: “لن يأخذوا وزارة المالية منّا ولو انتظروا 100 سنة، كما لا يمكن لنا أن نلغي أنفسنا ونسمح لهم بتسمية وزرائنا، واذا كان هناك مَن تراخى في هذه المسألة فهذا شأنه وربما له حساباته، أمّا بالنسبة إلينا فلا مجال للتراجع او التنازل عن أيّ من هذين المطلبين مهما كلف الأمر”.
وأشارت المصادر إلى “انّ أداءهم معنا ( في إشارة الى القوى السياسية اللبنانية الأخرى)، جعلنا نخشى من انّ المسألة أبعد من وزارة مال وأبعد من مصادرة حق بتسمية وزراء، نتمنى الّا يكون خلف الاكمة ما خلفها، والّا يكون هناك عقل سوداوي يفكر بمغامرات كمثل المغامرات التي قاموا بها وفشلت بل ارتدّت عليهم”، حسب ما نقلت وسائل إعلام محلية.
يذكر أن الرئيس اللبناني، “ميشال عون” أصدر كتاب تكليف باسم “اديب” بعد ترشيحه من نادي رؤساء الحكومات السابقين، كمرشح توافقي بينهم، وذلك بعد أسابيع من كارثة انفجار مرفئ بيروت في آب الماضي، والذي أجبر حكومة “حسان دياب” على الاستقالة.
ويمر لبنان بواحدة من أعقد أزماته السياسية والاقتصادية في تاريخه، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 50 في المئة، والبطالة إلى 35 في المئة، وسط تحذيرات من وصول مؤشرات الجوع إلى مليون شخص مع نهاية العام الحالي، وه الأزمة التي تفاقمت بشكل كبير بعد كارثة انفجار مرفئ بيروت في آب الماضي.