مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية المقبلة، يتصاعد الحديث حول ما يمكن أن تقدمه تلك الانتخابات لتحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية، وسط حالة من القلق على مستقبل البلاد، بعد التطورات الأخيرة في أفغانستان وعودة سيطرة طالبان على السلطة هناك.
يشار إلى أنه من المقرر إجراء الانتخابات القادمة في تشرين الأول القادم، في ظل وجود بعض الأطراف التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات، في مقدمتها التيار الصدري.
العودة إلى الوراء
يقول المحلل السياسي، “حسام يوسف”: “ما تعيشه المنطقة عموماً من عمليات سحب الجيش الأمريكي من العراق وأفغانستان وعودة طالبان إلى السيطرة مجدداً على الحكم في كابول بعد 20 عاماً، ينذر بأن التاريخ قد يعود إلى الوراء، وبالتالي فإن الانتخابات العراقية المقبلة قد تكون جزء من تلك العودة”، موضحاً أن سياسة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بدأت تتكشف ملامحها، وأنها تقوم على أساس إعادة عقارب الساعة إلى الخلف كحل لبعض المشكلات التي تعاني منها المنطقة ككل.
كما يشير “يوسف” إلى أن الانتخابات المقبلة قد تفرز إعادة تشكيل النظام من جديد بطريقة تساعد على عودة العراق أرضاً محرمة على الإيرانيين، موضحاً: “الانتخابات القادمة قد تحمل صعود التيارات المعادية لإيران، بما في ذلك شخصيات كانت في السابق محسوبة على حزب البعث الحاكم، الذي يعتبر ألد خصوم إيران، وبالتالي فإن البعث قد يعود إلى حكم العراق مجدداً ولو من خلف ستار جديد، كحلٍ لوقف التدخل الإيراني في البلاد، بدلاً من أن تستمر الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه الضربات العسكرية للميليشيات”.
في ذات السياق، يلفت “يوسف” إلى أن مسألة عقد تفاهمات أمريكية مع رجالات حزب البعث العراقي تعتبر أقل تعقيداً من تفاهمات واشنطن مع حركة طالبان، على اعتبار أن حزب البعث هو حزب سياسي بعيد عن الخلفيات الدينية، مشيراً إلى أن حزب البعث في ظل الظروف الراهنة قد يكون بالفعل أفضل خيار للأمريكيين لمواجهة الرئيس الإيراني الجديد، “إبراهيم رئيسي”، الذي يعتبر من غلاة المتشددين في النظام الإيراني.
إلى جانب ذلك، يشدد “يوسف” على ألا شيء مستبعد في كواليس السياسة، وأن المنطق السياسي لا يقوم على أساس العدو الأبدي أو الحليف الأبدي، منوهاً إلى أن فكرة عودة رجالات محسوبين على حزب البعث قد تلقى قبولاً لدى الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية لا سيما بالنسبة لروسيا وبعض دول المنطقة، التي ترفض التدخلات الإيرانية في العراق.
أولى الملاح.. بين اغتيال سليماني ونظام رئاسي مفترض
يذهب الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “فلاح السامرائي” في نظرته إلى تطورات الأوضاع في العراق، إلى إمكانية عودة نظام الحكم الرئاسي مجدداً إلى العراق، وهو النظام الذي كان معمولاً به قبل العام 2003، لافتاً إلى أنه في حال إقرار تلك الخطوة فإنه يمكن القول بأنها أولى ملامح عودة العراق إلى حقبة ما قبل 2003.
يشار إلى أن مصادر عراقية سبق لها وأن كشفت عن مناقشة بعض القوى السياسية فكرة تغيير طبيعة نظام الحكم والوصول إلى اتفاق بين القوى التي تستعدّ لخوض الانتخابات للدفع بمشروع تعديل الدستور والتحوّل إلى النظام الرئاسي مجدداً.
في ذات السياق، يلفت “السامرائي” إلى أن الكثير من الأمور تغيرت في المشهد العراقي لا سيما بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، “قاسم سليماني”، وتحديداً فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني وتصدع الجبهة المدعومة إيرانياً، مشيراً إلى أن حادثة الاغتيال تلك ربما كانت أولى خطوات إعادة العراق إلى ما كان عليه، وبناءاً على ذلك فإن الانتخابات المقبلة ربما تكون الخطوة الثانية وقد تحمل معها الكثير من المتغيرات.
أما عن إمكانية أن يتكرر سيناريو أفغانستان في العراق من خلال سيطرة الميليشيات على البلاد، فيستبعد “السامرائي” وقوع ذلك، موضحاً: “هناك فوارق كبيرة بين طالبان والميليشيات العراقية، أولها حالة التشرذم التي تعاني منها الأخيرة، بالإضافة إلى أن الدولة العراقية القائمة أقوى بكثير من الدولة الأفغانية، إلى جانب أن طالبان أكثر قبولاً لدى المجتمع الدولي من الميليشيات العراقية، بدليل الاجتماعات التي عقدت بين واشنطن وطالبان في الدوحة قبل عام”.
كما يلفت “السامرائي” إلى أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تقوم على الحد من نفوذ إيران وميليشياتها، ولولا ذلك لما قتل “سليماني”، مشدداً على أن عملية تصفية الأخير لم ترتبط فقط بكونها عقاباً على دوره في الهجمات ضد المصالح الأمريكية في العراق، بقدر ارتباطها بتهيئة الظروف لواقع جديد ستعيشه المنطقة ككل، والذي قد يبدأ من العراق.
على الجانب الآخر
رغم الحديث عن تغييرات محتملة قد تفضي إليها الانتخابات المقبلة، إلا أن الكاتب والصحافي، “عبد اللطيف الجهول”، يرى أن الانتخابات المقبلة هي مجرد صورة لصراعات طائفية ومذهبية مقسمة على أجزاء العراق الانتخابية المعروفة، مضيفاً في مقال له في جريدة العرب: “المحور الشيعي انشطر إلى عدة أجزاء، إضافة إلى المحور السني الذي يعاني التقسيم من الأساس، ليصبح أكثر انقساما من ذي قبل، يضاف إليهما المحور الكردي الذي ولد منقسما وظل يعاني من الانقسام، وإن كان أكثر استقرارا من المحورين الآخرين”.
كما يعتبر “الجهول” أن العراق يبدو مقبل على مرحلة قد تشهد تراجع قدرات وتأثير الأحزاب والكتل السياسية على تشكيل تحالفات على أسس طائفية محضة، لافتاً إلى ان المشهد الانتخابي العراقي بالكيفية السابقة يواجه العديد من التحديات النابعة من الأزمات المتنوعة، وهي حالة عدم الاستقرار السياسي المستمرة والدائمة والنابعة من ترسخ الطائفية السياسية، وما نتج عنها من محاصصة يتم على أساسها تقاسم السلطة.
ويلفت “الجهول” إلى أن ما أسماه بـ “حراك تشرين” أخذ طريقين لنفسه، الأول هو أحزاب مقاطعة مثل البيت الوطني و”نازل آخذ حقي”، والثاني أحزاب مشاركة مثل حركة امتداد وتيار المد الوطني، ودخل بعضها في تحالفات كبيرة بهدف الحصول على مقعد يضمن لها التواجد ولكن تواجدها إن تحقق سيكون خجولا ولن يغير شيئا من المعادلة، وذلك في إشارة إلى ان الوضع السياسي المتشرذم في العراق قد يؤثر على ما يمكن أن تقدمه الانتخابات.