زيارة مخيبة لأمال الأكراد، أنهاها وزير الخارجية الروسي، “سيرجي لافروف” إلى دمشق، حيث التقى بوزير خارجية النظام، “وليد المعلم”، الذي اختصر نتيجة المناقشات الخاصة بالقضية الكردية، بعبارة: “لن نقبل بأي شيء يتعارض مع الدستور”، في إشارة إلى عدم وجود أي توجه لمنح الأكراد أي نوع من أنواع الاستقلال الذاتي.
وكان الوزير الروسي قد أجرى، الاثنين، زيارة إلى العاصمة السورية دمشق لعدة ساعات التقى خلالها عدداً من مسؤولي النظام السوري، وسط أنباء عن تناول اللقاءات للعديد من الملفات بينها العملية السياسية وضرورة تقديم النظام المزيد من التسهيلات.
قضية جانبية والروس غير جديين
تعليقاً على الحيز الذي أخذته القضية الكردية في محادثات “لافروف-المعلم”، يؤكد مصدر خاص بمرصد مينا، أن القضية كانت جانبية جداً ولم يستمر الحديث فيها مطولاً، مقارنة ببقية الملفات التي تناولها المسؤولان الدبلوماسيان، لافتاً إلى أن التركيز الأكبر انحصر في مسألة شكل الحل السياسي في سوريا والأمور التي يتوجب على النظام القيام بها ضمن المفاوضات القائمة حالياَ.
إلى جانب ذلك، يضيف المصدر: “لنكن أكثر دقة فإن لافروف جاء إلى سوريا ليملي على النظام ما يجب فعله وليس لمناقشته، فالجميع يعرف أنه منذ عام 2015، القرارات باتت تصدر من موسكو وتطبق في قصر المهاجرين”، مشيراً إلى أن الروس غير متحمسين لأي دور كردي خارج عن المألوف في القضية السورية، وأن تصريحات “المعلم” هي تجسيد للنظرة الروسية.
في السياق ذاته، يشير الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “عماد عبد الغني”، إلى أنه يتوجب على الأكراد التفكير بمستقبلهم بواقعية أكبر، بعيداً عن الوعود والأحلام، معتبراً أن الواقع يؤكد بأن لا قوة دولية أو إقليمية ستسعى لمنح الأكراد سياسياً وعسكرياً دور أكبر من ما كان عليه الأمر قبل اندلاع الثورة السورية 2011، نظراً لتشابك تلك القضية مع العديد من القضايا الأخرى وعلى رأسها شبكة المصالح الدولية في المنطقة، التي تتعارض مع فكرة قيام دولة كردية أياً كان شكلها.
وكان النشاط الكردي في المنطقة حتى 2010، يقوم على المستوى السياسي على حكومة كردستان العراق، ذات الحكم شبه الذاتي، وبعض الأحزاب السياسية في كل من سوريا وتركيا، أما على المستوى العسكري فكان يتمثل بتنظيم حزب العمال الكردستاني، الذي كان يتولى القيام ببعض العمليات المتفرقة ضد الجيش التركي.
تركيا.. كلمة السر
الحديث عن القضية الكردية عموماً، وليس فقط في سوريا، لا يمكن أن يكتمل بحسب رأي المحلل “فؤاد سيروان” إلا من خلال تركيا، التي تعتبر العائق الأكبر أمام أي تقدم قد يحققه الأكراد سواء في سوريا أو العراق، كون أنقرة ترى في ذلك التقدم تهديداً للأمن القومي التركي، لافتاً إلى أنه من الغباء السياسي تصديق فكرة أن تضحي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي بالعلاقات مع تركيا، لدعم مطالب الأكراد أو طموحاتهم، خاصة وأنهم “أي الأكراد” لم يعودوا يملكوا أي أوراق ضمن اللعبة الدولية، بعد الانتهاء من القضاء على تنظيم داعش.
وترتبط تركيا، أقوى ثاني عضو في حلف شمال الأطلسي، “ناتو”، بعلاقات تحالف كبيرة مع الولايات المتحدة، خاصة مع استضافتها لقاعدة إنجرليك، التي تعتبر أكبر قواعد التحالف، كما تجمعها علاقات قوية مع روسيا، عمادها خطوط الغاز الروسي الواصل إلى أوروبا، في حين تمسك تركيا بعدة أوراق ضغط ضد الاتحاد الأتحاد الأوروبي، في مقدمتها ورقة اللاجئين وحقول الغاز شرق المتوسط.
في السياق ذاته، يعتبر “سيروان” أن أي وجود كردي في الحل السياسي في سوريا، أياً كانت الجهة الراعية له، فإنه لن يخرج عن سقف المشاركة السياسية في حكومة دمشق، بعيداً عن تشكيل أي كيانات أو كانتونات ذات طابع عرقي في الشمال، لافتاً إلى أن التفكير الأكثر فائدة بالنسبة للأكراد هو الانخراط أكثر في المعارضة السورية والابتعاد عن فكرة التمثيل العرقي، كونها قد تعمق معاناتهم وتزيد تعقيدات قضيتهم.
ورقة مؤقتة وانتهت
على الرغم من تحقيق الفصائل الكردية مكاسب كبيرة على الأرض من خلال السيطرة العسكرية على الكثير من المناطق في سوريا وتشكيل ما يعرف بالإدارة الذاتية، إلا أنها مكاسب آنية وقتية، لن تستمر طويلاً، وفقاً للباحث في الشؤون السورية، “محمد عوض”، لافتاً إلى أنها مكاسب سعت بعض الأطراف الدولية لمنحها للأكراد مقابل الزج بهم في معارك مع تنظيم داعش في سوريا والعراق، وأن الحل السياسي السوري سيمحو بشكله النهائي كل تلك المكاسب ويفرض واقعاً جديداً لا يتناسب مع ما يسعى إليه الأكراد.
وكانت بعض التقديرات قد أشارت في وقتٍ سابق، إلى سقوط نحو 9 آلاف مقاتل كردي بين قتيل وجريح، خلال المعارك ضد تنظيم داعش.
إلى جانب ذلك، يعتبر “عوض” أن الوقت قد حان تماماً ليصارح الساسة الأكراد أبناء الشعب الكردي بحقيقة الواقع، وعدم الاستمرار في لإطلاق الشعارات، التي تزيد من معاناة الكرد وتورطهم في حروب بالوكالة، مشيراً إلى أن موسكو تحديداً كانت من بين القوى الدولية، التي استخدمت الأكراد للضغط على تركيا، عام 2014، على خلفية إسقاط تركيا للطائرة الروسية في سماء سوريا.
وكانت موسكو قد أعلنت بعد أيامٍ من وقوع حادة الطائرة الروسية، عن افتتاح مكتب تمثيل دبلوماسي للأحزاب الكردية في شمال سوريا، لتعيد إغلاقه بعد أسابيع قليلة، تزامناً مع زيارة أجراها الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان” إلى روسيا.