في ظل كفاح العراقيين لمدة عام كامل ضد الفساد والفقر والبطالة، تطفو على السطح أزمة مخلفات الحروب كقضية تهدد حياة الملايين منهم، مع اتساع المساحة المزروعة بالألغام ومخلفات الحروب والعمليات العسكرية، التي شهدتها البلاد خلال العقدين الأخيرين.
وبحسب الإحصائيات شبه الرسمية المتوفرة، فإن العراق يصنف بين أكثر مناطق العالم المهددة بانفجار الألغام والقنابل العقودية غير المتفجرة، بالإضافة إلى اليمن وسوريا وليبيا.
ضحايا في تزايد ومليارات الأمتار الملوثة
الحديث عن ضحايا تلك الألغام خلال السنوات الماضية، يشير بحسب الخبير الأمني، “محسن الربيعي” إلى تزايد متواصل في تعداد الضحايا، لافتاً إلى أن الألغام قتلت خلال العام الماضي نحو 24 شخصاً، في حين أن الشهرين الأولين من العام الحالي فقط، شهدا مقتل 18 عراقياً بالألغام.
إلى جانب ذلك، يوضح “الربيعي” في حديث مع مرصد مينا، إلى أن رعاة الأعنام يعتبرون الشريحة الأكثر تضرراً من تلك القضية، على اعتبار أن مناطق رعيهم غالباً ما تكون قريبة من مناطق انتشار الألغام، مشدداً على ضرورة أن تولي الحكومة أهمية أكبر في قضية تنظيف المناطق العراقية.
في السياق ذاته، يكشف برنامج الأمم المتحدة لأزالة الألغام في العراق، عن وجود أكثر من 3 مليارات متر مربعة من مناطق العراق، تعاني من تلوث بالألغام ومخلفات الحروب، لا سيما القنابل العنقودية، حيث يشير الخبير ضمن فريق البرنامج الأممي، “بير لودهاس” إلى أن معدلات الألغام والمقذوفات غير المنفجرة، تزايدت بشكل كبير خلال تواجد تنظيم داعش والحرب عليه.
مخلفات الحرب الإيرانية.. 29 ألف قتيل و1.6 مليون مهدد
بالرغم من مرور نحو 40 عاماً على اندلاعها، إلا أن ألغام الحرب الإيرانية، لا تزال حاضرة وبقوة على الساحة العراقية، لا سيما في مدينة البصرة، التي تصنف كأكثر المدن العراقية تلوثاً بتلك الألغام، وفقاً لما يقوله الباحث الإستراتيجي، “زياد الركابي”، لافتاً إلى أن ما يصل إلى 8 آلاف منطقة عراقية تعاني من خطر انفجار تلك الألغام، خاصةً وأنها حتى اليوم لم تشهد أي عمليات تمشيط أو تنظيف، على حد قوله.
إلى جانب ذلك، يشير “الركابي” إلى أن الإحصائيات الأممية وتقديرات الجهات المختصة، تؤكد أن خطر الألغام يهدد اليوم ما لا يقل عن 1.6 مليون عراقي، يقطنون المنطقة، مشيراً إلى تسجيل مئات الوفيات والإصابات والإعاقات الدائمة على جانبي الحدود، خلال السنوات الماضية، بسبب مخلفات الحرب العراقية – الإيرانية، التي استمرت حتى عام 1988
وكانت الحرب بين العراق وإيران قد اندلعت عام 1980، واستمر 8 سنوات، خلفت ورائها أكثر من مليون قتيل بين الدولتين، وخسائر مادية وصلت إلى 350 مليار دولار.
في السياق ذاته، يكشف “الركابي” أن مخلفات تلك الحرب قتلت منذ نهايتها وحتى العام 2020، نحو 29 ألف عراقي، يضاف لهم نحو 60 ألف مصاب، بينهم من تعرض لفقدان أحد الأطراف أو عانى من مضاعفات صحية خطيرة، مشدداً على أن قضية الألغام يجب أن تكون من ضمن أولويات الحكومة الحالية.
كردستان وأكثر المناطق تضرراً
حقيقة الأزمة، التي تشكلها مخلفات الحروب، ومدى عمقها، تكشف عنها إحصائيات منظمة رفع الألغام العراقية، التي تشير إلى أن العراق يحوي ما لا يقل عن 25 مليون لغم أرضي ونحو 3 ملايين قنبلة غير منفجرة.
كما توضح إحصائيات المنظمة أن 10 ملايين لغم منها، تنتشر في منطقة إقليم كردستان العراق، في حين يؤكد مختصون في مجالات إزالة الألغام أن البلاد لم تشهد أي عمليات تنظيف منذ عام 2014، تزامناً مع انتشار تنظيم داعش وإطلاق الحرب برعاية من التحالف الدولي للقضاء عليه.
في السياق ذاته، يحذر أحد المختصين في مجال كنس الألغام، فضل عدم ذكر هويته، من إمكانية وجود ألغام مجهولة، تحديداً في مناطق سيطرة تنظيم داعش السابقة وسط العراق، لافتاً إلى أن التنظيم كان في بعض الأحيان يتبع أسلوب تلغيم بعض المناطق لمنع الجيش من التقدم باتجاهها، وأن بعض تلك الألغام لا تتوفر خرائط لها، ما يجعل من المستحيل الوصول إليها.