هيئة التحرير
مع توافد الزيارات السياسية اللبنانية إلى “بكركي”، وعقد لقاءات مغلقة مع الكاردينال الماروني، “بشارة الراعي”، بعد تصريحات الأخير المنتقدة للرئيس اللبناني، “ميشال عون”، يؤكد مصدر لبناني مطلع، أن تحركاً في الساحة المسيحية بدأ ضد الرئيس، كاشفاً عن وجود امتعاض كامل داخل الشارع المسيحي من تحالف “عون – نصر الله”، والذي تحول فعلياً إلى تبعية للمعسكر الإيراني، على حد قول المصدر.
وكان الراعي قد استقبل خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، كلاً من الرئيس الأسبق، “أمين الجميل” ورئيس الحكومة اللبنانية السابق، “سعد الدين الحريري”، المعروفين بمعارضتهما لحزب الله ولرئيس الجمهورية “ميشال عون”.
واستبق “الراعي” زيارات “الجميل” و”الحريري” بدعوة الرئيس اللبناني، إلى التحرك لتحرير القرار الوطني والحكومي وفك الحصار عنه.
قلق وتخوفات وتشريع لسطوة حزب الله
سياسات “عون” وصهره، رئيس التيار الوطني الحر، “جبران باسيل”، وفقاً لما يؤكد المصدر، خلقت تخوفات لدى الشارع المسيحي من تحول التيار الحر من ممثل للمسيحيين في لبنان إلى أداة تشريع لسيطرة حزب الله على الدولة وقرارتها وعلى مؤسستي الرئاسة ورئاسة الحكومة، لافتاً إلى أن ضعف “عون” أمام سطوة حزب الله ظهرت جلياً، بعجزه عن تنفيذ قرار إغلاق المعابر غير الشرعية، التي يديرها حزب الله بين سوريا ولبنان.
وكانت لجنة تابعة لرئاسة الجمهورية، قد أقرت بضرورة إغلاق المعابر غير الشرعية، على اعتبار أنها أحد شروط صندوق النقد الدولي لمنح لبنان قرضاً مالياً، بالإضافة إلى كون حزب الله متهم باستخدام تلك المعابر لتهريب المحروقات والعملة الصعبة إلى النظام السوري، ما خلق الأزمة الاقتصادية في لبنان وأفقده القطع الأجنبي، وهو ما يرفضه الحزب على لسان أمينه العام، مؤكداً أن المعابر لن تغلق.
كما يلفت المصدر إلى أن التيار الوطني الحر حاول خلال الفترة الماضية، خلق نوع من التوازن في علاقاته على الساحة اللبنانية، عبر تصريحات عدد من مسؤوليه، التي دعوا خلالها حزب الله لنزع سلاحه وتفضيل مصلحة لبنان على المصلحة الخاصة، مؤكداً أن تلك المحاولات باءت بالفشل وعجز التيار عن خلق تلك الصورة والابتعاد خطوة عن المشروع الإيراني، والدليل تجسد في تصريحات “الراعي” على حد وصفه.
ويرتبط التيار الوطني الحر، بورقة تفاهم مع حزب الله، وقعها كل من رئيس التيار آنذاك، “ميشال عون” والأمين العام لحزب الله، “حسن نصر الله”، عام 2008، والتي يعتبرها محللون سياسيون بأنها الأرضية، التي أسست لتحالفات الطرفين فيما بعد.
سعي للعزل وتبديل وجه لبنان
النظرة المسيحية لسياسات “ميشال عون” وصهره “جبران باسيل” تظهر بشكل صريح وفقاً للمصدر، من خلال تصريحات شريكهم الحكومي، رئيس تيار المردة، “سليمان فرنجية”، التي اتهم خلالها “العهد العوني” بالعمل على الإضرار بالمصالح المسيحية والسعي لتوريث كرسي الرئاسة من “عون” “لباسيل”، والسيطرة على كامل التعيينات الحكومية الخاصة بالمسيحيين.
هنا يلفت المصدر، إلى أن بعض الكتل السياسية المسيحية القوية في المعارضة، مثل القوات اللبنانية والكتائب، قد تحاول توظيف موقف الكنيسة المارونية، لخلق المزيد من المعارضة المسيحية في الشارع باتجاه عزل “عون”، قبل انتهاء فترته الرئاسية عام 2023، مشيراً إلى أن الهدف من تحقيق تلك الخطوة هو منع “باسيل” من الوصول إلى الكرسي.
ويمتلك التيار العوني أغلبية نيابية مسيحية بمعدل 25 مقعداً نيابياً، في حين تسيطر المعارضة المسيحية ممثلة في القوات اللبنانية وحزب الكتائب على 18 مقعداً نيابياً.
من جهته، يرى الصحافي اللبناني، “شارل جبور” أن البطرك “الراعي” يدرك أنّ رئيس الجمهورية لن يأخذ باقتراحه، ولكنه تقصّد توجيه رسالة بالغة الأهمية بأنّ الأزمة اللبنانية، التي وصلت إلى حد انهيار كل شيء، لم تعد تحتمل الترقيع وأنصاف الحلول، لأنّ استمرار هذه السياسة يعني هذه المرة زوال لبنان، وبالتالي حان الوقت للاتفاق على الأساسيات لا الكماليات.
تحرك الكنيسة الأخير في لبنان، يعني أنها وصلت إلى قناعة بأن البلاد تنزلق من السيئ إلى الأسوأ، وانّ الأزمة تخطّت الخلاف على مواقع ونفوذ وسلطة، يقول “جبور”، لافتاً إلى أن الأزمة فعلياً وصلت إلى حد تغيير وجه لبنان وتدمير كل مرتكزاته وميزاته التفاضلية، وانّ الخلافات بين مكوناته السيادية حالت وتحول دون الاتفاق على برنامج عمل وطني.
وكان اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، قد وزع الرئاسات الثلاث على كل من الشيعة، الذين حصلوا على رئاسة البرلمان والسنة، الذين حصلوا على رئاسة الحكومة والمسيحية، الذين حصلوا على رئاسة الجمهورية.
وجه إيران المسيحي في لبنان
بالحديث عن انطباعات الشارع المسيحي ووجه لبنان واتفاق الطائف، يؤكد المصدر أن “ميشال عون” بات يمثل للكثير من التيارات المسيحية اللبنانية وجه إيران المسيحي، في انقلابٍ تاريخيٍ هو الأول من نوعه في طبيعة العلاقات بين المكونات المسيحية اللبنانية وإيران، موضحاً: “علاقات المسيحيين مع ما يسمى بمحور المقاومة كانت دائماً تمر عبر النظام السوري، فالتيار المسيحي الموالي لذلك المعسكر كان يرتبط بعلاقات قوية جداً مع النظام السوري وليس مع إيران، أمثال سليمان فرنجية والياس الهراوي وإيميل لحود، أما التحالفات المباشرة مع إيران فلم تأتي إلا في زمن عون”.
كما يكشف المصدر عن وجود حالة قلق من تزايد الانخراط العوني بالمعسكر الإيراني، مع تنامي طموحات زعيم التيار الوطني الحر، “جبران باسيل” بوراثة “عون” في كرسي الرئاسة، لافتاً إلى أن الصراع على السلطة خلال انتخابات 2023 قد يكون محتدم بين “سليمان فرنجية” المتسلح بدعم روسي، وبين “باسيل”، المتسلح بدعم إيران ومن حزب الله، لخوض غمار الانتخابات.
وكانت مصادر لبنانية قد كشفت عن زيارة أجراها “فرنجية” إلى موسكو قبل أشهر، حصل خلالها على تأكيد روسي بدعم ملف ترشحه لرئاسة الجمهورية في مواجهة “باسيل”.
تطابق تصريحات المصدر الخاص بمرصد مينا مع الواقع اللبناني وقناعة المسيحيين بتغير وجه بلدهم، يعبر عنه رئيس حزب الكتائب اللبنانية، “سامي الجميل”، الذي يرى أن حزب الله ومن خلفه إيران أصبح المسيطر على كافة مفاصل الحكم في البلاد، في إشارة إلى تجميد دور المسيحيين والسنة، متهماً إياه صراحةً بالزج بالبلاد في صراعات إقليمية رغما عن إرادة الدولة، الأمر الذي أضر بعلاقات لبنان مع المجتمعين العربي والغربي، على حد وصفه.
وسبق للمصدر الخاص بالمرصد، أن أكد في وقت سابق، بأن المسيحية في الكنيسة والشارع اقتنعوا بأنهم يدفعون ثمن الارتباط بمشروع طائفي لا يمت لهم بصلة، مشدداً على أن خطاب المقاومة والممانعة لا يقابل بكثير من التصديق والموثوقية لدى المسيحيين كما هو حاله لدى الشارع الشيعي، المرتبط طائفياً بالحزب.