نفى أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، الأربعاء، أن تكون لبلاده أي علاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين، مؤكدا أن الدوحة تتعامل مع الدول والحكومات وليس مع الأحزاب السياسية.
جاء ذلك خلال حوار مع صحيفة “لوبوان” الفرنسية، حيث قال ردا على سؤال بشأن الانتقادات التي تواجهها دولة قطر بشكل متكرر حول علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين: “هذه العلاقة غير موجودة، وليس هناك أي أعضاء نشطاء من جماعة الإخوان المسلمين أو أي جماعات متصلة بها على الأراضي القطرية”.
وأضاف “نحن دولة منفتحة، ويمر عليها عدد كبير من الأشخاص من أصحاب الآراء والأفكار المختلفة، لكننا دولة ولسنا حزبا، ونتعامل مع الدول وحكوماتها الشرعية، وليس مع المنظمات السياسية”.
وتزامنت هذه التصريحات مع تواجد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في الدوحة، منذ الثلاثاء، في زيارة هي الأولى منذ توليه منصبه في 2014، واعتبرها مراقبون “خطوة هامة في طريق تكريس المصالحة بين البلدين” بعد قطيعة استمرت ثلاث سنوات.
وأثارت تصريحات الشيخ تميم حول جماعة الإخوان الكثير من الجدل في أوساط المتابعين للسياسات القطرية، حيث اعتبر مراقبون أنّ أمير قطر يحاول التبرؤ من علاقة بلاده الوطيدة بالجماعة.
تنصّل ولكن!
وقال مصدر مطلع فضل عدم الكشف عن اسمه إنّه يمكن فهم التصريح في سياق محاولات قطر التماهي مع المتغيرات الإقليمية والاصطفافات السياسية التي شهدتها المنطقة وتوّجت بالمصالحة الخليجية والتقارب التركي- الخليجي والتركي -المصري.
واعتبر المصدر خلال حديث مع مرصد مينا أنّ نفي هذه العلاقة برمّتها هو “تدليس ومجافاة للواقع”، مستدلاً على ذلك بعدة مؤشرات و “حقائق”، أبرزها “استمرار علاقة قطر بتيار الإسلام السياسي في المنطقة وخاصة أذرع الجماعة في عدد من الدول”، في إشارة إلى علاقة الدوحة برئيس الحكومة الموازية في ليبيا فتحي باشاغا المحسوب على تيار الإخوان المسلمين، إضافة إلى علاقة قطر بكل من حركة حماس الفلسطينية وحزب الإصلاح اليمني وحركة النهضة التونسية.
كما بيّن المصدر أنّ وجود مقر الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قطر هو أحد أهم المؤشرات على استمرار احتضان الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي. على اعتبار أنّ الإتحاد جنّد نفسه للدفاع عن نهج الجماعة وأجنداتها، وهو ما أدخله في صدام مع الإفتاء والأزهر في جمهورية مصر العربية، ثم تالياً مع هيئة كبار العلماء في السعودية.
ورغم نفي أمير قطر تواجد قيادات من الجماعة على أرضه، إلا أن الإمارة تستضيف في الواقع الكثير منهم، مثل القيادي في إخوان سوريا مجد مكي، والداعية المعروف محمد الحسن الددو رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا الذي جرى حله قبل عامين لارتباطه بالإخوان، وأستاذ تاريخ الأديان بكلية قطر للدراسات الإسلامية، محمد مختار الشنقيطي.
يضاف إلى ذلك اتخاذ العديد مما يوصف إعلامياً بـ “الكتائب الإلكترونية للإخوان” من قطر مقراً لها، وفق المصدر الذي اعتبر أنّ نشطاء الجماعة وإن كانوا قد خففوا من حدّة الانتقادات لمصر وغيرها من الدول المناهضة لجماعة الإخوان على شبكة الجزيرة، لكنهم موجودون على شبكة التلفزيون العربي الذي انتقل مقره مؤخرا من لندن إلى الدوحة، وغيرها من المنابر الإعلامية
طبيعة علاقة قطر بالإخوان
وتعود بدايات ظهور قادة الإخوان في الدوحة إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث سافر يوسف القرضاوي إلى هناك في بداية الستينيات، وتقلد عدة مناصب، منها مدير المعهد الديني الثانوي، وعميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، ثم أصبح يقدم منذ عام 1996 برنامج “الشريعة والحياة” على قناة الجزيرة.
ومن ضمن الشخصيات الإخوانية البارزة التي ساهمت في وضع لبنات العلاقة القطرية-الإخوانية أيضاً كان “عبدالبادي صقر” الذي وصل قطر عام 1954 ليصبح مديراً تعليمياً، ثم بعد ذلك مديراً للمكتبة الوطنية القطرية، وخلال إدارته تدفق الكثير من المدرسين من جماعة الإخوان للدوحة، وتمكنوا من فرض أيديولوجيتهم “الإسلامية” على نظام التعليم القطري.
وتشير دراسة سابقة حملت عنوان “قطر وجماعة الإخوان”، المنشورة في دورية Survival، والتي تصدر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في لندن، إلى أنه منذ خمسينيات القرن الماضي، تسيطر على بعض قيادات الدولة القطرية أجندة دينية، وهو ما يعد أحد أسباب تدفق العلماء المسلمين إلى الدوحة، بالطبع إلى جانب حاجة المؤسسات القطرية الناشئة إلى موظفين متعلمين. ويرى معد الدراسة ديفيد روبرتس أن “الإخوان يشكلون جزءاً مهماً من “الواجهة” للأسرة الحاكمة في قطر، فالعلاقة بين الطرفين قائمة على “علاقات نفعية متبادلة”.
ويعدد “روبرتس” المزايا من وراء دعم قطر علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، ومنها أن مثل هذا التوجه سمح للدوحة بتطوير أنظمتها البيروقراطية، مع ملاحظة أن القادة القطريين كانوا هم “الطرف الأقوى” في علاقتهم مع الإخوان، وأتاح لهم هذا الوضع فرض القيود على أنشطة الجماعة إلى أكبر درجة ممكنة، خاصةً في ظل قناعة الحكومة القطرية بأن تنظيم الإخوان لا يشكل خطراً على الدوحة.
من جانب آخر كان من فوائد استضافة قطر قادة الإخوان من وجهة نظر “روبرتس”، تعزيز المكانة القطرية ومد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، حيث إن قطر دولة صغيرة الحجم جغرافياً وبشرياً؛ ومن ثم فهي تسعى إلى استثمار الإخوان كورقة لصالحها في الأدوار الإقليمية واحتواء نفوذ الدول المنافسة لها. وهكذا أصبحت الدوحة بمنزلة “المتحدث الرئيسي” باسم جماعة الإخوان التي جذبتها “سياسة الباب المفتوح open-door policy” التي اتبعتها قطر، وهو ما ظهر خلال “الثورات العربية”.
اللافت أنه ورغم أنّ قطر تعد أبرز داعمي جماعة الإخوان المسلمين، لكن مع ذلك لا يوجد فرع قطري لهذا التيار، في مفارقة تثير العديد من الأسئلة حول غياب الجماعة عن فضاء يدعمهم ويرعاهم، حيث كان الفرع المحلي بقيادة جاسم بن سلطان قد أعلن عن حلّ نفسه في أواخر التسعينات.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.