لم تنته خلافات السودان وأثيوبيا حول سد النهضة، حتى تجددت أزمة الحدود بينهما، بعد أن شن الجيش السوداني عملية عسكرية واسعة على الحدود مع أثيوبيا استعاد فيها السيطرة على كامل المناطق الحدودية، بعد 25 عاماً من إخلائها.
يشار إلى أن مصادر تاريخية سودانية قد أرجعت أزمة الحدود بين البلدين إلى نحو 120 عاماً ماضية، سادتها عدة مناوشات سياسية محدودة بين الجانبين، دون أن تتحول إلى مواجهات عسكرية أو حروب بينهما.
القصة من البداية.. والبريطانيون في الواجهة
يرجع الباحث في العلاقات الإفريقية، “سوار الدين النوبي” أصل الخلافات بين الجارين، إلى العام 1902، وترسيم سلطات الاستعمار البريطاني للحدود بينهما، بشكلٍ أدى إلى اندلاع خلافات لاحقة حول تبعية بعض المناطق الحدودية، لافتاً إلى أنه مع جلاء بريطانيا عن السودان 1956، وقيام الأنظمة الحاكمة محلياً، بدأ الخلاف الحدودي بالنمو والطفو على سطح العلاقات بينهما، دون أن يقود إلى أزمة علاقات أو مواجهات مباشرة.
كما يشير “النوبي” إلى أن تلك الخلافات على المستوى الرسمي، تراجعت بكشل كبير في سبعينيات القرن الماضي، وتحديداً خلال فترة حكم الرئيس السوداني، “جعفر النميري”، من خلال ترسيم الحدود بشكل فعلي مع إثيوبيا، التي كانت حينها خاضعة لحكم الإمبراطور، “هيلاسيلاسي”، لافتاً إلى أن تلك الاتفاقية مهدت في أوقات لاحقة لسلسلة اتفاقيات حدودية بين الخرطوم وأديس أبابا.
يذكر أن عام 2013 شهد إعادة ترسيم الحدود بشكل شبه نهائي، وأن الجانبين شكلا بعدها بـ 5 أعوام لجنة مشتركة لحماية الحدود من هجوم الميليشيات والحد من الجرائم العابرة للحدود.
يوضح “النوبي” أن كل تلك الاتفاقيات لم تنه ما وصفه بـ”الاعتدادءات” من الجانب الأثيوبي، وأن تجاهل النظام السوداني السابق، لتلك القضية وعدم ملاحقتها سواء من خلال النقاشات المباشرة أو عبر أروقة الأمم المتحدة، ساهم في تكرار الانتهاكات من قبل ميليشيات أثيوبية للحدود.
سد النهضة وضرورات الأمن الوطني
ترابط الملفات السياسية دفع ملف أزمة سد النهضة بين كل من “مصر وإثيوبيا” إلى الواجهة من جديد، خاصةً وان مجموعة من التحليلات وصفت التحركات السودانية على الحدود الأثيوبية كورقة ضغط على أديس أبابا لعدم ملء السد دون اتفاق مع الخرطوم والقاهرة.
يشار إلى أن الدول الثلاث عقدت سلسلة من المفاوضات والاجتماعات، كان آخرها برعاية الولايات المتحدة، إلا أنها لم تثمر عن نتائج، ما دفع الحكومة الأثيوبية إلى إعلان البدء بعمليات ضخ المياه إلى السد دون اتفاق مع مصر والسودان.
في هذا السياق، يستبعد المحلل السياسي “معاوية ولد رحمة” أن يكون لمسألة سد النهضة مكاناً رئيسياً في تحريك الأحداث، موضحاً: “الظروف في السودان من الناحية السياسية والفترة الانتقالية والانتخابات، تمنع القيادة الحالية من استخدام أوراق العسكرة والعمليات العسكرية كأوراق ضغط، خاصةً وأن الحكومة الانتقالية تسعى لكسر العزلة الدولية والعودة إلى المجتمع الدولي من جديد.
كما يلفت “ولد رحمة” إلى أن التحرك في أساسه مبني على الضرورات الأمنية والأمن الوطني السوداني، لا سيما بعد أزمة إقليم تلغراي الإثيوبي والنزوح وتصاعد العمليات الإرهابية في المنطقة والتي كان للجيش السوداني نصيباً منها، على حد قوله.
وكان عدد من الجنود السودانيين قد قتلوا وأصيب آخرون في كمين تعرضت له قوة تابعة للجيش السوادني في المناطق الحدودية.
يذكر أن وزير الخارجية السوداني، “عمر قمر الدين”، قد أعلن الخميس، أن القوات المسلحة السودانية استعادت السيطرة على كل أراضي البلاد المحاذية للحدود مع إثيوبيا، لافتاً إلى أن الحدود بين البلدين مرسمة بالفعل مسبقا وما يتبقى في المحادثات هو زيادة علامات الترسيم على الحدود، على حد وصفه.
عيون تتجه إلى القاهرة
على اعتبار أن سد النهضة كان متواجداً بين التحليلات المتعلقة بالوضع على الحدود بين السودان وأثيوبيا، فإن الكثير من العيون بدأت تتجه نحو الموقف المصري، وسط تساؤلات عن رأي القاهرة فيما يحدث وأي دورٍ قد تلعبه.
إجابة على التساؤل السابق، يلفت الخبير الاستراتيجي، “عمرو النقلي” إلى أن أي تدخلٍ من القاهرة في أزمة الحدود الحاصلة، سيرتبط بالأمن القومي المصري، مضيفاً: “الموقف المصري مبني على مخاوف أن تؤدي حالة الفلتان على الحدود وتكرار التعديات عليها إلى تسهيل عمليات انتقال وتهريب الإرهابيين في الوسط الإفريقي، خاصة وأن المنطقة تشهد انتشاراً ميليشيوياً كبيراً”.
في ذات السياق يشير “النقلي” إلى أن الموقف المصري في تلك القضية سيقوم على أسس الموقف الإفريقي بعيداً عن قضية الخلافات الثنائية مع أثيوبية، معتبراً أن تناول قضية استغلال مصر لما تشهده الحدود السودانية – الأثيوبية، مجرد تخمينات سياسية لا تقوم على أمور واقعية، لا سيما وأن القضية بين الخرطوم وأديس أبابا، لم تصل إلى مرحلة النزاع، كما أن السودان يوجه التهم بالاعتداءات المتكررة لميليشيات مسلحة وليس للحكومة أو الجيش الأثيوبي.
يشار إلى أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان”، نفى، الخميس، وجود أي نية لدى الجيش السوداني لتجاوز الحدود إلى الجانب الأثيوبي، لافتاً في تصريحاتٍ له إلى أن إعادة انتشار القوات السودانية لن يتجاوز الحدود الدولية.