بدأت نتائج خلع البشير واستئصال حزبه والمحسوبين على عهده البائد بالظهور، بدءًا من عودة التطبيع مع الخرطوم دوليًّا.. وصولًا إلى رفع العقوبات الأمريكية التي أنهكت البلاد طوال العقود الماضية نتيجة لتصرفات وأفعال حكومة الإنقاذ وممارسات البشير خلال تلك السنوات.
وجاء إعلان البنك المركزي السوداني، مساء الأربعاء، انتهاء “كافة أشكال العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان”، من قبل الولايات المتحدة الأميركية، كتأكيد عملي على تلك النتائج.
من جهتها، نقلت وكالة السودان للأنباء، عن حاكم البنك بدر الدين عبد الرحيم قوله إن “البنك المركزي تلقى خطابا من مدير مكتب العقوبات بوزارة الخارجية الأمريكية عبر وزارة الخارجية يفيد بتأكيد انتهاء كافة أشكال العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان بموجب الأمرين التنفيذيين 13067 و13412، الصادرين منذ 12 أكتوبر2017”.
وأضاف حاكم المركزي أنه “بموجب إلغاء الأمرين فقد تم رفع العقوبات عن 157 مؤسسة سودانية ولم يتبق ضمن العقوبات سوى بعض الأفراد والمؤسسات المرتبطين بالأحداث في دارفور، ويشير الخطاب إلى أن ذلك ليس لديه أي علاقة بمسألة التحويلات البنكية “.
وتابع: “هذا فضلا عن ثلاثة روابط تشير إلى إعلان الأوفاك بانتهاء العقوبات عن 157 مؤسسة سودانية بتاريخ 12 تشرين أول / أكتوبر 2017”
هذا وضمت وزارة الخارجية الأمريكية، السودان، ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ 18 آب / أغسطس 1993، حيث اتهمته بأنه يسمح باستخدام أراضيه ملجأ للإرهابيين بعد إيواء البشير لزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وتوفير ملاذات آمنة لقيادات مشابهة.
ويتوقع أن يقوم رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بزيارة إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق هذا العام، تلبية لدعوة تلقاها من وزير الخارجية الأمريكي قبل أسابيع.
تاريخ العقوبات الأمريكية على السودان
خضع السودان منذ العام 1997 لعقوبات اقتصادية وتجارية فرضتها إدارات أمريكية تعاقبت على البيت الأبيض، واستمر السودان خاضعاً لهذه العقوبات إلى أن أصدر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قبل فترة قصيرة من نهاية فترته الرئاسية الأخيرة، أمراً تنفيذياً رفع بموجبه، جزئياً، العقوبات المفروضة على السودان لمدة ستة أشهر، على أن يتم البت في رفعها كلياً بعد ستة أشهر، حال التزام السودان بتعهدات قطعها على نفسه عرفت بـ«خطة المسارات الخمسة»، تتضمن جملة من القضايا المحورية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها التعاون في مكافحة الإرهاب والأمن الإقليمي، والسلام في كل من السودان وجنوب السودان، واحترام حقوق الإنسان. وقبل أن تنقضي المهلة سكن البيت الأبيض رئيس جديد هو دونالد ترمب الذي أرجأ البت في عقوبات السودان لثلاثة أشهر إضافية للتحقق من مدى التزام الخرطوم بتعهداتها. وتنقسم العقوبات المفروضة على السودان إلى نوعين، واحدة صادرة بقرارات رئاسية تنفيذية، وأخرى بموجب تشريعات سنها الكونغرس.
أدرجت وزارة الخارجية الأميركية، السودان، ضمن قائمتها للدول التي ترعى الإرهاب 18 أغسطس (آب) 1993، واتهمته بأنه يسمح باستخدام أراضيه ملجأ للذين تصنفهم بأنهم إرهابيون مثل «حزب الله، والجهاد الإسلامي، وحماس»، وإيواء زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وتوفير ملاذات آمنة لهم. وأجرت إدارات أميركية متعددة اتصالات مع حكومة الخرطوم، لكن لم تحرز خلالها العلاقات أي تقدم، إلى أن اعتبرت سفارة واشنطن في الخرطوم أن أصل الخلافات بين البلدين يستند على أن السودان يدعم الإرهاب، وينتهك حقوق الإنسان، ويشن حرباً دينية على جنوب السودان، ويحول دون وصول المساعدات الإنسانية.
وأصدر الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1997، أمراً تنفيذياً طبق بموجبه عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية شاملة على السودان تحت مبرر دعمه للإرهاب الدولي. وزاد الطين بلة بقصف الطيران الأميركي لمصنع الشفاء للأدوية 20 أغسطس (آب) 1998، بعد أن اتهمت أسامة بن لادن الذي تأويه الخرطوم بالضلوع في تفجير سفارتي الولايات المتحدة في دار السلام ونيروبي، زاعمة أن المصنع يتبع لبن لادن وينتج أسلحة كيماوية.
وتوالت الأوامر التنفيذية ضد السودان، ففي أبريل (نيسان) 2006 أصدر الرئيس جورج بوش الابن الأمر (13400)، الذي وسع بموجبه العقوبات لتشمل حظر الأفراد الذين تثبت مساهمتهم في نزاع دارفور وحجز أملاكهم، ثم الأمر التنفيذي (13412) الصادر في سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، وقضى باستمرار حجز أموال الحكومة السودانية، وكل المعاملات التي قد يقوم بها أي مواطن أميركي مع الخرطوم التي تتعلق بصناعة النفط والبتروكيمياويات.
في العام 2002 أصدر الكونغرس «قانون سلام السودان» الذي رهن رفع العقوبات الأميركية بتقدم المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وألحق به في العام 2004 قانون سلام السودان الشامل، وفي 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2006 أصدر «قانون سلام ومحاسبة دارفور» الذي يستند إلى أن سياسات حكومة السودان تهدد أمن وسلام وسياسة أميركا، ثم تلي ذلك قانون المحاسبة ونزع الاستثمار في السودان عام 2007 الذي فرض الكونغرس بموجبه عقوبات ضد الأشخاص الذين اعتبرهم مسؤولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2011، طرأ تحسن على علاقة البلدين، وأبرمت الخرطوم اتفاقاً مع واشنطن نص على تعاون العاصمتين بالعمل معاً لمكافحة الإرهاب، لكن هذا الاتفاق لم يؤثر على العقوبات المفروضة على السودان، على الرغم من إقرار واشنطن بأن النظام السوداني حل خلافاته مع جنوب السودان، لكنه ربط تطبيع العلاقات بين البلدين بالتوصل إلى وقف للنزاع في إقليم دارفور السودان.
ولتفعيل الأمرين التنفيذيين، عدلت وزارة الخزانة ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية «أوفاك» لوائح عقوبات السودان، بما جعل الأمرين التنفيذيين ساريين بمجرد نشرهما في السجل الفيدرالي، ويسمحان بالقيام بالتعاملات المالية التي كانت محظورة وفقاً للوائح العقوبات السودانية، بما يتيح للأفراد الأميركيين القيام بتعاملات مالية مع أفراد وهيئات سودانية، وبرفع حظر الأصول السودانية المجمدة.