أعاد فتح الطريق الساحلي الانقسام بين شرق وغرب ليبيا إلى الواجهة، وذلك رغم ترحيب المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة واللواء المتقاعد “خليفة حفتر” بقرار اللجنة العسكرية المشتركة بفتح الطريق، إذ يبقى ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب عائقاً أمام إتمام المصالحة الوطنية واجراء الانتخابات في موعدها المحدد.
رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية “عبدالحميد الدبيبة”، طالب بدعم الخطوات المقبلة لعمل اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) بعد فتح الطريق الساحلي، لافتاً إلى أنه “كلف وزارة الدفاع بوضع حلول للصعوبات والعوائق التي تواجه عمل اللجنة في عدد من الملفات”.
الفتنة والأطراف الخارجية..
“الدبيبة” شدد خلال لقائه عددا من أعضاء لجنة 5+5 مساء أمس الأربعاء على أن “استكمال فتح الطريق الساحلي ساهم في مزيد من الاستقرار وخفف من معاناة الناس، وسيساهم في توحيد بلادنا بشكل كامل”، مشيراً إلى أن “الأحداث التي شهدها الطريق الأحد الماضي ستعزز الانقسام”.
بدورها، أكدت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، أن “الأحداث الأخيرة التي وقعت على الطريق الساحلي بين شرق البلاد وغربها يمثل شكلاً من أشكال نشر الكراهية بين أفراد الشعب الليبي الواحد تقوم به مجموعات من المخربين والغوغائيين والعابثين بأمن الوطن والمواطن”.
وكانت عناصر من المليشيات المسلحة أجبرت الليبيين يوم الأحد الماضي، على السير بسياراتهم فوق صورة القائد العام للجيش الليبي المشير “خليفة حفتر” الأمر الذي أدى إلى حالة غضب بين قائدي المركبات.
إلى جانب ذلك، حذرت اللجنة، في بيان لها من عواقب مثل هذه الأفعال من نشر للفوضى وإشعال لنار الفتنة وتمزيق للنسيج الاجتماعي، داعيةً إلى نبذ الخطاب الذي تتبناه الجماعات المعادية لوحدة ليبيا واستقرارها، ووقف الاقتتال بين “الإخوة” وفتح الطرق الحيوية ورأب الصدع ولم الشمل والتسامح.
ووجهت لجنة الترتيبات الأمنية وغرف العمليات بضرورة المتابعة والتشديد والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بأمن وسلامة المواطنين المستعملين للطريق الساحلي وسرعة تقديم المخالفين والقبض عليهم واتخاذ ما يلزم من الإجراءات القانونية حيالهم.
يشار إلى أن اللجنة العسكرية الليبية المشتركة أعلنت يوم الجمعة الماضية، إعادة فتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق ليبيا وغربها، بعد أكثر من عامين على إغلاقه، وكلفت ضباطًا ليبيين، لمراقبة ما تم الاتفاق عليه، كما طالبت البعثة الأممية في ليبيا بسرعة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتواجد المراقبين الدوليين على الأرض، للمساهمة في دعم آلية المراقبة الليبية.
وتعرضت بعثة فريق أهلي بنغازي خلال إقامتها في مدينة مصراتة إلى الاعتداء من قبل عناصر محلية، وإلى تهشيم زجاج الحافلة التي كانت تستقلها ومواجهتها بشعارات ولافتات وصور ذات طابع سياسي.
عمل اللجنة العسكرية تعطل أكثر من مرة بسبب تعنت الميليشيات بتحريض من أطراف خارجية، إذ يرى مراقبون أن الأيادي التي تقف وراء كل هذه الممارسات تهدف إلى العبث بالحل السياسي والاتفاق العسكري وقطع الطريق أمام المصالحة الوطنية بما يدفع نحو تأجيل الانتخابات التي لا يرغب بها تيار الإسلام السياسي وحلفاؤه في تنظيمها.
وتسلمت حكومة الوحدة الوطنية الليبية الجديدة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والمجلس الرئاسي الجديد، برئاسة محمد المنفي، السلطة في ليبيا بشكل رسمي في 16 من آذار/مارس الماضي؛ لإدارة شؤون البلاد، والتمهيد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، في نهاية العام الجاري، وفق الخطة التي ترعاها الأمم المتحدة والتي توصل إليها منتدى الحوار الليبي.
كما أنهى انتخاب السلطة المؤقتة انقساما في ليبيا، منذ 2015، بين الشرق مقر البرلمان المنتخب المدعوم من الجيش الوطني الليبي، وبين الغرب مقر حكومة الوفاق المعترف بها دوليا سابقا.
إخراج المرتزقة..
ويمثل إعادة فتح الطريق الساحلي بعد نحو 17 شهرا من إغلاقه، واضطرار المواطنين لسلك طرق وعرة وغير آمنة وتستغرق وقتا أطول، أول نجاح بارز لحكومة الوحدة الوطنية، منذ اتفاقها على وقف إطلاق النار في جنيف في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، ولا تكمن أهمية هذا النجاح في رفع المعاناة عن الليبيين وتسهيل تنقل المسافرين والبضائع بين غرب البلاد وشرقها فقط، بل إنهاء الانقسام في البلاد ولملمة شتاتها في مواجهة مشاريع الانقسام أو الانفصال أو الفدرالية.
رغم أن خطوة فتح الطريق الساحلي بداية لخارطة طريقة الجديد، يؤكد المراقبون أن “اختصاصات لجنة 5+5 لا تنحصر مهمتها في مجرد فتح طريق، بل لها اختصاصات أخرى مكلفة بها، أهمها تثبيت وقف إطلاق النار والعمل على إخراج المرتزقة من الأراضي الليبيية”.
وأكد المحلل السياسي الليبي “العربي الورفلي” في وقت سابق، أن “فتح الطريق الساحلي يخضع لمعايير فنية من حيث صلاحيته لاستخدام المركبات، وأمنية عبر نشر القوات اللازمة لتأمينه من الجانبين حتى لا يتم ترهيب عابريه”، لافتاً إلى أن “اللجنة العسكرية ستجد صعوبة في ملف إخراج المرتزقة والجنود الأتراك، كونه ملفًا دوليًا يخضع لجدية وصدق نوايا الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي”،
يذكر أن اللجنة العسكرية تطالب بوجود المراقبين الدوليين، لضمان استمرار الوضع الحالي، وعدم انتهاك وقف إطلاق النار، فضلا عن تعزيز تأمين الطريق الساحلي، ولديها مخاوف من حركة المليشيات المدعومة من تركيا، والتي لا تحكمها نظم ولا لوائح، وحذرت من أن الجيش الليبي المتمركز حول تخوم سرت لن يقف مكتوف الأيدي، إذا ما تحركات المليشيات وتغلغلت نحو الشرق.
وذكر فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بمتابعة المرتزقة، أنه بعد 9 أشهر من اتفاق وقف إطلاق النار الذي يدعو إلى انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، يواصل المرتزقة التواجد والعمل وإعادة التموضع في البلاد، مؤكداً أن “استمرار تجنيد المرتزقة ووجودهم في ليبيا، يعرقل التقدم في عملية السلام ويشكل عقبة أمام الانتخابات المقبلة”.
كما شدد فريق الخبراء على أنه يجب على المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بالمرتزقة المغادرة على الفور، ويجب أن يكون هناك وقف فوري لنقل الأسلحة والعتاد العسكري إلى ليبيا، مناشدين المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات ملموسة للمساعدة في هذه العملية.
بين الشرق والغرب..
ويعتبر الطريق الساحلي في ليبيا شريانا مهما ورئيسيا يربط بين شرق البلاد وغربها وجنوبها، ويكتسب الجزء الرابط من هذه الطريق بين سرت ومصراتة أهمية إضافية وكبيرة، كون مصراتة تعتبر الرئة الاقتصادية التي تتنفس منها مدينة سرت، وهناك علاقات عائلية وقبلية بين سكان المدينتين.
وبموجب بنود اتفاق وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020، يتعين إعادة افتتاح الطريق الساحلي، وسحب أي قوات عسكرية إلى خارجه، والانتهاء من عملية إزالة مخلفات الحرب والألغام التي أشرفت عليها فرق عسكرية بدعم دولي طيلة الأشهر الماضية.
يذكر أنه تم الانتهاء من إنشاء الطريق الساحلي الليبي في العام 1937 في عهد الاحتلال الإيطالي لليبيا، وسمّي “طريق بالبو” على اسم “إيتالو بالبو” الحاكم الإيطالي لليبيا آنذاك، وأثناء الحرب العالمية الثانية تم استخدام هذا الطريق لنقل الإمدادات للقوات المتحاربة في ليبيا سواء كانت قوات المحور أو قوات الحلفاء.
وأعيد تعبيد هذا الطريق في العام 1967 وكان هناك مخطط لتنفيذ ازدواجه، لكن لم يتم بسبب قيام ثورة الفاتح عام 1969 باستثناء جزأين من الطريق هما (صبراتة – طرابلس – مصراتة)، و(أجدابيا – بنغازي – توكرة)، وفي العام 2008 وقّعت ليبيا اتفاقية مع إيطاليا بشأن صيانة الطريق الساحلي كتعويض عن الاحتلال الإيطالي، وعرضت عرضت روما وضع حواجز إسمنتية بين الجهتين اليمين، واليسار لأن الطريق رديء ومتهالك ما يتسبب في كثرة الحوادث، لكن لم يُنجز هذا المشروع بسبب ثورة 17 فبراير/شباط 2011.
ويشكل الطريق الساحلي بشكل عام صلة الوصل بين حدود ليبيا مع تونس غربا، وحدود ليبيا مع مصر شرقا، ويمتد من الحدود المصرية إلى الحدود التونسية بطول 1800 كيلومتر، كما يصل بين المدن الليبية الكبرى طبرق، بنغازي، سرت، مصراتة، طرابلس ويقع بالقرب أهم موانئ تصدير النفط في ليبيا.