تستبق منظمة الأمم المتحدة للطفولة، يونيسف، الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة السورية، بالكشف عن فقدان نحو نصف أطفال البلاد فرصهم بالتعليم، الأمر الذي بات يشكل خطراً حقيقياً على جيل بأكمله مهدد بالأمية والجهل.
يشار إلى ان الثورة السورية انطلقت في آذار عام 2011، على خلفية اعتقال النظام السوري لعدد من أطفال مدينة درعا، بسبب شعارات سياسية كتبوها على جدران مدرستهم، لتتحول الاحتجاجات في المدينة إلى ثورة سرعان ما امتدت إلى بقية المدن السورية.
وبحسب تقرير المنظمة الأممية، فإن من 2.4 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدرسة وسط ترجيحات بارتفاع العدد خلال العام الماضي، تزامناً مع انتشار وباء كورونا المستجد كوفيد 19، لافتةً إلى أن الجائحة أدت إلى تفاقم تعطّل التعليم في سوريا.
دمار في البنى التحتية وفقدان للتمويل
أولى أسباب تراجع معدلات التعليم في سوريا، وفقاً لما يعرضه التقرير، الذي شارك به المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، “مهند هادي”، يرتبط بجحم الدمار اللاحق بالبنية التحتية للمنشآت التعليمية، كاشفاً عن أن ثلث مدارس البلاد تعطلت بالكامل ولم تعد قادرة على العمل، إلى جانب ان بعضها تحول إلى ثكنات عسكرية.
من جهتها، تشير الأمم المتحدة إلى أن المنشآت التعليمية السورية تعرضت خلال السنوات الأخيرة إلى 700 استهداف مباشر، بينها 52 تم خلال العام الماضي، وسط تحذيراتٍ من خطورة الأوضاع في المدارس، التي لا تزال قيد الاستخدام، في ظل ضعف البنى التحتية وعدم توفر وسائل الأمان والتعليم اللازمة فيها.
في السياق ذاته يكشف أحد العاملين في مؤسسات التربية التابعة للنظام، أن الميزانية الموجهة للتعليم وإصلاح المؤسسات التعليمية، تكاد تكون معدومة إذا ما تم مقارنتها مع الانفاق على الجانب العسكري والميليشيات المنخرطة إلى جانب قوات النظام السوري، لافتاً إلى أن معظم المناطق التي سيطر عليها النظام لم تشهد أي حركة إعادة تأهيل للمدارس.
ويشير الموظف، الذي اتخذ لنفسه اسم “أيهم” كاسم مستعار لأسباب أمنية، إلى أن نسبة كبيرة من الأهالي امتنعت خلال السنة الماضية عن إرسال الابناء إلى المدارس، لا سيما مع فقدان أي وسيلة من وسائل الحماية من فيروس كورونا، سواء للطلاب أو للمعلمين، ما هدد بارتفاع نسبة المحرومين من التعليم، خاصة وأن تقنية لتعليم عبر الانترنت مستحيلة لعدة أسباب، أولها عدم توفر الكهرباء وعدم وجود شبكة إنترنت ملائمة وارتفاع تكاليف شراء الكمبيوترات وأجور الانترت.
يذكر أن سوريا تعاني منذ بداية الثورة من مشكلة التقنين الكهربائي المتواصل، والذي قد يستمر في بعض المناطق إلى ما يتراوح بين 10 إلى 16 ساعة.
كما صنفت سوريا من بين أكثر دول العام انتشاراً لوباء كورونا المستجد كوفيد 19، بحسب منظمات صحية عالمية، وسط اتهامات للنظام السوري بالتكتم على الإحصائيات الحقيقية.
فقر وعوامل اقتصادية
بعيداً عن الحالة المزرية للبنى التحتية للمنشآت التعليمية في سوريا، يظهر العامل الاقتصادي والمعيشي في حرمان الأطفال السوريين من التعليم، حيث يؤكد “أيهم” أن الأعوام الثلاثة الأخيرة شهدت ارتفاعاً في معدلات تسرب الطلاب بسبب الحالة الاقتصادية المزرية، خاصة العام 2020، الذي شهد تدهور غير مسبوق في قيمة الليرة السورية، والذي وصل خلاله سعر الدولار الواحد إلى 3 آلاف ليرة سورية.
يشار إلى أن معاون وزير التربية في حكومة النظام السوري، “سعيد الخرساني” أقر بوجود 35 بالمئة من أطفال سوريا خارج المدارس.
من جهته، يشكك الخبير التربوي، “زياد الغايب” في إحصائية الوزارة، مشيراً إلى أن الإحصائيات الأممية عام 2019، تحدثت عن نحو 2 مليون طفل خارج المدرسة، بالإضافة إلى أن العدد تزايد بشكل كبير خلال أزمة كورونا وتعميق الأزمة المعيشية والفقر.
يذكر أن الأزمة الاقتصادية تصاعدت منذ مطلع العام الماضي، حيث قدرت الأمم المتحدة نسبة الفقراء بـ 83 بالمئة من إجمالي الشعب السوري، ما أدى إلى تزايد كبير في معدلات عمالة الأطفال، حيث تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 200 ألف طفل سوري عامل في مهن تفوق مرحلتهم العمرية، سواء في مناطق سيطرة النظام أو المعارضة.
سياسة ممنهجة موروثة
في سياق تناوله لوضع التعليم في سوريا والأطفال عموماً، يعتبر “الغايب” أن تدمير المنظومة التعليمية وعدم تأهيلها بالشكل المطلوب واعتبار أن إعادة فتح المدارس مسألة ثانوية، هو جزء من سياسة ممنهجة يتبعها النظام كواحدة من خطواته للحفاظ على حكمه، مشيراً إلى أن جميع الدكتاتوريات في العالم تقوم على التجهيل والأمية كركن أساسي من أركان بناء إمبراطوريتها بعد أدوات القمع والعسكرة.
كما يلفت “الغايب” إلى أن نظام “بشار الأسد” عقب اندلاع الثورة عليه، ترسخت قناعته بضرورة ضرب العلم والعمل على بناء جيل يؤمن بأفكاره فقط، لافتاً إلى انه أدرك أهمية الجهل في الحفاظ على دكتاتوريته، لا سيما وأن معظم المقاتلين المنخرطين في صفوف الميليشيات المدافعة عن النظام، تشكلت من طبقة جاهلة منعها جهلها من التمييز بين بناء الوطن والولاء للديكتاتور، على حد وصفه.
وينطلق “الغايب” في حكمه، من أن ظاهرة التسرب من المدارس لم توجد فقط بعد الثورة، وإنما كانت منتشرة بمعدلات لا يستهان بها في العديد من المدن السورية، على الرغم من قانون إلزامية التعليم، موضحاً أن نسبة المتسربين في بعض المناطق السورية وبحسب إحصائيات النظام الرسمية لعام 2010، وصلت إلى 32 بالمئة، لاسيما في المناطق الريفية.
في السياق ذاته، يذهب “الغايب” إلى التذكير بالوضع المعيشي السيء للكوادر التعليمية في سوريا حتى قبل الثورة، على أنه جزء من تلك السياسة، لافتاً إلى أن المعلم في سوريا وخلافاً لكل دول العالم بما فيها دول الجوار، هو من أقل المواطنين دخلاً وحقوقاً وتعويضات، خاصة وأن شريحة واسعة منهم كانوا يعينون في مناطق بعيدة جداً عن مناطق سكنهم.