تزامناً مع إحياء الجيش العراقي، الذكرى المئة لتأسيسه، تتزايد التساؤلات حول الدور، الذي يقوم به حالياً وموقعه من الاستحقاقات الوطنية، لا سيما مع تصاعد التوتر في المنطقة وتحول البلاد إلى ساحة للصراعات الإقليمية.
إجابةً على هذا السؤال، يشير الضابط السابق في الجيش، المقدم “حسين اللامي” إلى ضرورة تمييز الوضع العسكري والدور الوطني للجيش العراقي، بين ما قبل 2003 وما بعدها، لافتاً إلى أن عملية غزو العراق وما تبعها من تطورات محلية وإقليمية ودولية، أثرت بشكل كبير على موقع الجيش وعقيدته.
يشار إلى أن الجيش العراقي، في عهد نظام “صدام حسين” كان يتشكل أساساً من الحرس الجمهوري والجيش النظامي، والتنظيمات الشعبية، وقد حلت بعد عام 2003، كما تعرض الجيش العراقي قبل حله، لضربة عسكرية من التحالف الدولي، أفقدته معظم قوته، عام 1991، بعد غزوه الكويت.
فصائل منظمة وقيادة غائبة
أبرز ما يلفت إليه “الامي” في حالة الجيش العراقي بعد 2003، هو فقدان القيادة وتبدل المرجعية، موضحاً: “قد يكون الجيش العراقي ارتكب مجموعة من الأخطاء قبل 2003، إلا أنه كان جيش فعلي ويتحرك بأوامر من قيادة عراقية، أما بعد 2003، تحول إلى مجموعة من الفصائل المنظمة والتي تخضع لقيادة ترتبط بمرجعية خلف الحدود، والأمر هنا يرتبط بطهران”.
يذكر أن “اللامي” قد أحيل إلى التقاعد بعد قرار الحاكم المدني الأمريكي في العراق، “بول بريمر” حل الجيش العراقي بقيادة “صدام حسين” بعد دخول العراق، وتأسيس قطع عسكرية جديدة.
ويعتبر “الامي” أن الجيش منذ ذلك الوقت فقد هويته الوطنية وتحول إلى طرف في المشروع الإيراني، من خلال سيطرة السياسيين المرتبطين بالميليشيات على القرارات العراقية سواء السياسية منها أو الاقتصادية أو العسكرية، مشيراً إلى أن الجيش خلال تلك المرحلة بات شكلياً وفاقداً للمهام الوطنية حاله حال بقية مفاصل الدولة العراقية على حد قوله.
في السياق ذاته، يوضح الخبير العسكري، العقيد “جديع السامرائي” أن المشكلة الأساسية التي عانى منها الجيش بعد 2003، تكمن في آليات تأسيسه والعوامل التي تم الاعتماد عليها، والتي غلب عليها الولاءات الطائفية والسياسية، متسببةً بإضعاف كامل له وتغييب لدوره.
ويتكون الجيش العراقي الحالي، من خمسة أفرع رئيسية، هي: القوة البرية والقوة الجوية والقوة البحرية وطيران الجيش والدفاع الجوي، اضافة إلى أفرع أخرى، وتخضع جميعها لسلطة وزارة الدفاع العراقية، في حين يعتبر رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة.
ضحية حكام
ما حدث عقب 2003، يرى فيه “السامرائي” أنه تسييس للجيش العراقي بشكل تام، معتبراً أن المؤسسة العسكرية كانت ضحية لولاء السياسيين لطهران والمشروع الإيراني، خاصةً وأن معظم رؤساء الحكومات كانوا من الموالين لإيران، في مقدمتهم “إبراهيم الجعفري” و”نوري المالكي”.
كما يشير إلى أن ما حدث من فضيحة عام 2014، بعد احتلال تنظيم داعش لثلث مساحة العراق خلال ساعات، يكشف عن الوضعية المزرية، التي تمر بها المؤسسة العسكرية، على الرغم من أنه كان قد مر حينها 11 عاماً على حل الجيش السابق.
وكانت سيطرة داعش على مدينة الموصل قد فجرت فضيحة مدوية، بعد فرار مئات الجنود من مواقعهم وتركها لتنظيم داعش دون قتال أو اشتباكات، ما أثار موجة جدل كبيرة حول دور الجيش العراقي في مستقبل البلاد.
إلى جانب ذلك، يعتبر “السامرائي” أن أكبر خطأ ارتكبته الإدارة الأمريكية بعد دخول العراق، كان حل الجيش وإعادة تشكيله، مشيراً إلى أن تلك الخطوة هي التي مهدت لحالة الانهيار الأمني والتردي الكبير في المؤسسات العسكرية، ما ساعد على تحويل العراق إلى ساحة تنتشر فيها الميليشيات وتعتدي على الجيش العراقي لفظياً وفعلياً.
يذكر أن ميليشيات عراقية مدعومة من إيران، في مقدمتها حزب الله العراقي، قد هاجمت الجيش عام 2019، ووصفته بأنه غير وطني وعاجز عن حماية البلاد.
شكوك وأمر واقع
أكثر ما يثير الأسف في المئوية الأولى لتأسيس الجيش العراقي، من وجهة نظر المحلل السياسي، “سليمان الباجه جي”، أن الإقرار بعجز الجيش العراقي عن مواجهة التحديات الحالية والظروف الراهنة، بات أمراً لا يمكن الهروب منه، وأن ذلك العجز هو شيء واقعي، مشككاً في أن يلعب الجيش دوراً كبيراً في منع انزلاق البلاد باتجاه أي مستقنع أمني.
كما يضيف “الباجه جي”: “المشهد واضح وتفوق الميليشيات على المؤسسة العسكرية العراقية واضح أيضاً ولا يمكن إنكاره، وبالتالي فإن الجيش العراقي بحاجة إلى إعادة هيكلة كاملة قبل أن يوصف بأنه صمام أمان للبلاد وقبل أن يعود لدوره الطبيعي”، معتبراً أن الجيش تم اختطافه لمدة 17 عاماً من قبل جهات سياسية غيرت مهمته الأساسية من حماية البلاد إلى ترسيخ وضع سياسي قائم فرضته إيران.
في السياق ذاته، يؤكد “الباجه جي” أن حجم التوتر والتهديدات في العراق يفوق قوة الجيش العراقي بكثير، وأن العراق سيبقى كساحة لتصفية الحسابات والصراعات الدولية، مشيراً إلى أن الجيش العراقي وعلى الرغم من حالة التبدل الحكومي، مع قدوم حكومة، “مصطفى الكاظمي”، والابتعاد الرسمي عن إيران، لا يزال يعاني من تبعية عدد من قيادته سواءاً الميدانية منها أو القيادية.
يشار إلى أن مصادر عراقية كانت قد كشفت قبل أسابيع قليلة عن زيارة سرية أجراها قائد فيلق القدس، “إسماعيل قاني” إلى العراق، التقى خلالها قادة الميليشيات العراقية، وطالبهم بالبقاء على أهبة الاستعداد لتوجيه ضربات للمصالح الأمريكية في العراق، إذا ما تعرضت إيران لأي هجوم أمريكي أو إسرائيلي.