مع انقضاء ما يزيد عن خمسة أعوام على بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، يتصاعد السؤال عن المتغيرات، التي فرضها ذلك التدخل على القضية السورية وأهداف ما وراء كواليسه، لا سيما مع ما يذكره محللون سياسيون من تغيرات تجاوزت حد خريطة الانتشار الميداني إلى تغيير المشهد السياسي داخل هياكل النظام والمعسكر الداعم له.
وكانت روسيا قد أعلنت صيف العام 2015، تنفيذ مهام جوية في سوريا، ضمن ما وصفته مكافحة الإرهاب، والتي شملت غارات جوية دعمت قوات النظام في حربها ضد المعارضة، ما ساعد نظام “بشار الأسد” على استعادة مساحات واسعة من الأراضي السورية.
إزاحة للإيرانيين وإسقاط فعلي للنظام
تعليقاً على نتيجة خمس سنوات من التدخل العسكري، يشير الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “معتز بيطار”، إلى أن التدخل الروسي فرض واقع معين على المعادلة السورية، لم تطل فقط قوات المعارضة وانتشارها، وإنما رسمت أيضاً حدوداً للإيرانيين وللنظام بحد ذاته، موضحاً: “في حسابات السياسة، فإن المعارضة لم تكن الخاسر الوحيد في التدخل الروسي، وإنما كانت إيران والنظام من بين الخاسرين، خاصةً وأن روسيا جاءت وفرضت وجهت نظرها على الجميع بما فيها الميليشيات الإيرانية ولم تكتف فقط بانتزاع مناطق سيطرة المعارضة من يدها”.
وكانت روسيا قد منعت “بشار الأسد” عام 2018 من زيارة مدينة حلب عام 2018، بعد استعادة السيطرة عليها، كما منعت الميليشيات الإيرانية من دخول المدينة، ونشرت قوات من الشرطة العسكرية الروسية فيها، في سابقة هي الأولى من نوعها في ذلك الوقت خلال الثورة السورية.
إلى جانب ذلك، يلفت “بيطار” إلى أن دخول الروس عسكرياً إلى سوريا كان بمثابة الضربة القاضية للمشروع الإيراني ليس فقط في سوريا وإنما في المنطقة ككل، على اعتبار أن مشروعها يقوم على ربط طهران ببيروت مروراً بدمشق وبغداد، مشيراً إلى أن الإيرانيين كانوا معارضين للتدخل الروسي، كونه سيمكن موسكو من لعب دور أكبر في إدارة الملف السوري كما سيحد من دور الإيرانيين، ولكنهم لم يمتلكوا القوة الكافية لمنع موسكو من الشروع في مخططها.
وسبق لعدد من رجال الدين والسياسيين الإيرانيين، أن وصفوا سوريا بأنها محافظة إيرانية جديدة، عام 2013، بالتزامن مع تصاعد أعداد الميليشيات الموالية لإيران على الأرض السورية، والتي وصلت إلى نحو 70 ألف مقاتل بحسب إحصائيات المعارضة الإيرانية، بالإضافة إلى تصاعد نفوذ المسؤولين الإيرانيين في الشأن السوري وتوليهم مسألة المفاوضات مع المعارضة المسلحة، إلى جانب اختيارهم لجبهات القتال وأقرار الهدن ووقف إطلاق النار، دون أي وجود أو تمثيل لقوات النظام.
حقائق وشكوك
تغطية التدخل العسكري المباشر في القضية السورية وربطه بأن دمشق كانت على وشك السقوط خلال أسبوعين، كما صرح سابقاً وزير الخارجية الروسي، “سيرجي لافروف”، يمثل مكان شك بالنسبة للخبير الاستراتيجي، “محمد الأصفر”، مضيفاً: “تصريحات لافروف لا تتسق مع معطيات الواقع في ذلك الوقت، ففي حينها كانت المعارضة السورية تتراجع بشكل عملي، ولو كان بوتيرة أكثر بطأً، ففي 2014، كانت المعارضة قد خسرت أحياء حمص القديمة والقصير والقلمون الغربي، ومناطق من حلب، وريف دمشق الجنوبي والغربي، بالإضافة إلى حصار الغوطة الشرقية، ما يعني أنها كانت في موقف تراجع وليس موقف هجوم”.
كما يذكر الباحث “الأصفر”، مع خروج داريا والمعضمية وأحياء دمشق الجنوبية والقلمون وريف دمشق الشمالي وحصار الغوطة الشرقية، كانت العاصمة السورية مؤمنة تماماً، وبعيدة كل البعد عن أي خطر يهدد سقوطها في أسبوعين، خلافاً لما صرح به “لافروف”، لافتاً إلى أن بقية الجبهات بما فيها جبهة درعا الأكثر قرباً من دمشق، كانت جبهات جامدة ولم تشهد أي تقدم أو ترجع للمعارضة أو النظام، وأن كل طرف كان يحتفظ بمواقعه.
تعليقاً على نظرة “الأصفر”، بشير الخبير العسكري، “مصطفى دياب” إلى أن المعطيات العسكرية والميدانية السائدة في ذلك الوقت كانت تنفي كل ما صرح به الروس عن خطر يهدد العاصمة، مشيراً إلى أن حالة تشرذم المعارضة وظهور تنظيمات متطرفة كداعش والنصرة، والذي أفرز الدخول في صراعات جانبية، وانحياز الأكراد بعيداً عن القضية السورية وجوهرها، جعل من العارضة المسلحة كياناً أضعف من أن يهاجم العاصمة بشكل فعلي ويقضي على النظام، خاصةً وان كل الفصائل القريبة من دمشق عجزت عن فك الحصار المفروض على الغوطتين أو جنوب دمشق.
وكانت قوات النظام السوري قد فرضت لما يزيد عن خمس سنوات، حصاراً خانقاً طال كل من داريا ومعضمية الشام في الغوطة الغربية وأحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود جنوب العاصمة، بالإضافة إلى حصار مشدد على الغوطة الشرقية، ما أدى إلى وفاة آلاف المدنيين جوعاً.
حقيقة التدخل الروسي، كما يراها كل من “الأصفر” و”دياب”، تتمثل في منع إيران من تثبيت وجودها في سوريا حتى ولو على مساحات متباعدة أو محصورة مع تحقيق وتيرة أسرع لاستعادة الأراضي من سيطرة المعارضة، لافتين إلى أن أحد الأهدف الفعلية للروس هو الحد من الدور الإيراني في سوريا، التي تمثل آخر معاقل الاشتركية الموالية لروسيا خارج حدود حدود الاتحاد السوفياتي السابق، بعد انهيار نظام “صدام حسين” في العراق عام 2003.
مخطط استرايجي لتلافي الضربة الأولى
تجربة الروس في أفغانستان، منحتهم خبرة في التعامل مع الملف السوري والحرب السورية، وفقاً لما يراه المحلل السياسي، “عبد الرحمن الناصري”، لافتاً إلى أن روسيا كواحدة من الدول العظمى، كانت على معرفة بأن سوريا تنزلق باتجاه حرب أهلية ومستنقع من الدماء، لا سيما وأنها تعرف آلية وطبيعة تفكير النظام السوري.
كما يوضح “الناصري”: “روسيا لم تشأ التورط في السنوات الاولى من الحرب السورية، والتي شهدت ذروة القتال وتراجع قوات النظام، وإنما اتجهت إلى استغلال المطامع والسذاجة الإيرانية، لامتصاص الضربة الأولى وتلافي خطر تكرار أزمة أفغانستان، وحولت طهران إلى كبش فداء”، لافتاً إلى أن قرار التدخل المباشر جاء على خلفية استشعار الروس تراجع حدة القتال، بالإضافة إلى وصولها إلى قناعة بوجود قبول دولي لوقف حالة العسكرة في القضية السورية، مقابل تنفيذ مطالب أمريكية – إسرائيلية بوضع حد للإيرانيين.
إلى جانب ذلك، يرى “الناصري” أن التدخل الروسي في معناه الحقيقي، كان إعلان رسمي لسقوط النظام السوري، الذي فقد عملياً كافة أشكال السيادة أو القدرة على اتخاذ القرار، بالإضافة إلى وقف المخطط الإيراني في سوريا، لافتاً إلى أن الإيرانيين أدركوا منذ البداية أن دخول الجيش الروسي يعني خروج قواتهم من سوريا وهو ما دفع طهران للبحث عن خيارات بديلة كالمشاريع الاستثمارية أو الملكيات العقارية وغيرها.
وكان مصدر في محافظة ريف دمشق، قد كشف قبل أسابيع لمرصد مينا، تصاعد معدلات شراء العقارات في جنوب دمشق وتحديداً في منطقة السيدة زينب، من قبل أشخاص مقربين من إيران، لافتاً إلى أن إيران تسعى لإعادة سيناريو الضاحية الجنوبية في بيروت.
كما يختم “الناصري” حديثه وتقييمه لأهداف وطبيعة الدخل الروسي، بتعامل الروس مع رأس النظام “بشار الأسد”، والصور التي نشرها الإعلام الروسي حول زيارات “فلاديمير بوتين” والمسؤولين الروس إلى سوريا، والتي تظهر مدى قوة القرار الروسي في الشأن السوري حتى الداخلي منه.