مع مرور العقد السابع على استقلالها عن إيطاليا، تعود ليبيا من جديد إلى دائرة الاهتمام الإقليمي بشكل غير مسبوق، ما قد يعرضها إلى محاولات فرض وصاية جديدة تحد من استقلاليتها، لا سيما إذا فشلت حكومة الوحدة الوطنية لليبية في مهمة إدارة البلاد وإجراء الانتخابات المقررة نهاية العام الجاري، والوصول إلى حكومة منتخبة.
يشار إلى أن ليبيا نالت استقلالها عن إيطاليا عام 1951، تحت اسم المملكة الليبية المتحدة بنظام ملكي دستوري، وذلك عقب هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، ليسقط بعدها النظام الملكي على يد الرئيس الليبي الراحل، “معمر القذافي” ويتحول اسمها إلى الجماهيرية الليبية.
الخطر التركي الذي أيقظ الماضي
حالة رغبة بعض الدول الإقليمية بامتلاك النفوذ الأكبر في ليبيا اليوم، تختلف بشكل نسبي عن ما كانت عليه قبل قرن من الزمان تقريباً، بحسب ما يراه الباحث الاستراتيجي، “صالح بن عطية”، موضحاً: “الصراع اليوم على ليبيا لا يرتبط بالثروات بشكلٍ كليٍ، وإنما بات يرتبط بالأمن القومي لبعض الدول المتنافسة على النفوذ، فالأطماع التركية في ليبيا خلال السنوات الخمس الأخيرة، أيقظت دول الإقليم وخاصة دول الاتحاد الأوروبي على أهمية موقع ليبيا، وضرورة حرمان تركيا من الانفراد بالسيطرة عليها، لا سيما في ظل الصدامات المتكررة بين الطرفين، وإمكانية استغلال تركيا للأرضي الليبية كورقة ضغط على جنوب الاتحاد الأوروبي من خلال عمليات الهجرة غير الشرعية، والتي قد تساهم في دخول عناصر إرهابية إلى القارة الأوروبية”.
كما يشير “بن عطية” إلى أن أهمية ليبيا للدول الأوروبية وخصوصاً إيطاليا، التي تعبر محطة رئيسية للهجرة غير الشرعية عبر ليبيا، جاءت من خلال محاوة تركية السيطرة على الحدود البحرية الجنوبية للقارة الأوروبية، عبر السيطرة على الحكم في كل من مصر وليبيا وتونس، بدعم جماعة الإخوان المسلمين، مشدداً على أن الصراع الدولي أو بالأحرى الإقليمي بين تركيا والاتحاد الأوروبي هو السبب الأول والمباشر لمحاولة كل طرف فرض سيطرته في ليبيا.
في السياق ذاته، يلفت “بن عطية” إلى أن التدخل العسكري التركي المباشر أو من خلال الميليشيات الأجنبية عقد الموقف بشكل كبير، وأدخل البلاد فعلياً في حالة تدويل كانت ستجعل من ازمتها أزمة شبيهة تماماً بالأزمة السورية من ناحية الصراع الدولي وتعدد الجهات المقاتلة في البلاد، معتبراً أن حكومة الوفاق الليبية، المقربة من جماعة الإخوان المسلمين، تتحمل وزراً كبيراً فيما حدث من خلال تحالفاتها الخارجية.
يذكر أن حكومة الوفاق قد أعلنت نهاية العام 2019، توقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع تركيا، أثارت حفيظة دول حوض المتوسط وتحديداً مصر واليونان وقبرص وإيطاليا، بالإضافة إلى توقيع اتفاق أمني، كان مقدمة لانتشار عسكري تركي على الأراضي الليبية.
إلى جانب ذلك، يعتقد الخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “عمرو عبد الدايم”، أن تدخل تركيا في الشأن الداخلي الليبي فتح العيون الأوروبية على ضرورة استعادة النفوذ في شمال إفريقيا، وخاصة في ليبيا، التي تعيش حالة حرب مقابل استقرار نسبي في تونس، مشدداً على أن خطة الاتحاد الأوروبي ستقوم على منع تمكين تركيا زرع قواعد لها في ليبيا، لا سيما وأن الدول الأوروبية، التي تعتبر تلك القواعد خطراً يهدد امنها القومي والاقتصادي.
يشار إلى أن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي شهدت صدامات كبيرة خلال السنوات الاخيرة خاصة في ملفي الهجرة غير الشرعية وملف التنقيب عن الغاز في حوض البحر المتوسط، وهي الملفات التي لا تزال معقدة وشائكة.
روسيا والمياه الدافئة في شرق وجنوب المتوسط
بالإضافة إلى الصراع الإقليمي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، يذكر “عبد الدايم” أن التدخلات التركية في ليبيا، أثارت أيضاً شهية روسيا للدخول على خط الصراع في ليبيا، تحديداً وأن روسيا تخوض حرباً في سوريا للحصول على قواعد بحرية في شرق المتوسط، بالإضافة إلى وجود مطمع روسي بآبار النفط الليبية، مشدداً على أن تركيا عملياً لم تفجر صراع داخلي ليبي، وإنما صراع دولي متعدد الأقطاب.
وكانت مصادر حقوقية سورية قد كشفت خلال السنوات القليلة الماضية، عن تجنيد روسيا عدداً من الشباب السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري، لإرسالهم ضمن ميليشيات روسية للقتال في ليبيا.
تعليقاً على مسألة السيادة الليبية، يرى المحلل السياسي “عمران الجعفري”، أن ليبيا الآن تخضضع لصراع ثلاث قوى هي روسيا وتركيا والاتحاد الأوروبي، مضيفاً: “للإنصاف فإن الاتحاد الأوروبي المصلحة الاكبر في استقرار ليبيا، مقارنةً بتركيا وروسيا، ولكن ضرورات الأمن القومي الاوروبي ستدفع دول الاتحاد للعب دور كبير في الساحة الليبية لمنع وجود سيطرة روسية أو تركيا على الحدود الجنوبية، وهذه المعادلة ستعقد من مهمة الحكومات الليبية القادمة وتحد من قدرتها على صون السيادة الوطنية”.
كما يلفت “الجعفري” إلى أن الدور الأوروبي في ليبيا، تقوده إيطاليا، المستعمر القديم والدولة الأقرب جغرافياً لليبيا، مشيراً إلى أن ليبيا حتى وإن صمتت مدافع الداخل، فإنها لا تزال تعاني في ملف الصراعات الخارجية والدولية، والتي قد تساهم في أي لحظة بانهيار الاتفاقات السياسية الحاصلة.
يذكر أن المجلس الأطلسي قد اعتبر في وقت سابق، زيارة رئيس الوزراء الإيطالي، “ماريو دراغي” إلى ليبيا بأنها خطوة كبيرة لتجديد دور إيطاليا في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط ، وأنها خطوة لا ينبغي إغفالها وربما تمهد إيطاليا الطريق لتصبح جهة فاعلة مهمة في إدارة الأزمات والتحديات في المنطقة.
مرحلة مصيرية وفشل قد يهدم الدولة
يحذر “الجعفري” من التفاؤل الزائد بعد تشكيل الحكومة الجديدة والسلطة التنفيذية الجديدة في البلاد، معتبراً أن التحدي الحقيقي هو قدرتها على إنهاء الفترة المتبقية من السنة بنجاح، وصولاً إلى إجراء الانتخابات وتسليم السلطة لهيئات منتخبة.
كما يلفت “الجعفري” إلى أن الأشهر الـ 8 القادمة، ستكون أشهر مفصلية وقد تحمل الفرصة الأخيرة للحفاظ على الكيان الليبي كما هو، مشدداً على أنه في حال فشلت السلطة الحالية بدمج مؤسسات الدولة وتوحيدها وخاصةً العسكرية منها، بالإضافة إلى إنهاء ملف الميليشيات والقوات الأجنبية على الأرض الليبي، فإن حالة الاستقرار النسبي في ليبيا ستنهار وتعود البلاد إلى دوامة الحرب مجدداً.