خلال افتتاح أسبوع القاهرة للمياه 2020، أشار رئيس مجلس الوزراء المصري “مصطفى مدبولي”، إلى أن مصر متمسكة بضرورة التوصل لاتفاق قانوني مُلزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي بما يحفظ الحقوق والمصالح المشتركة، مع عدم اتخاذ أية قرارات أُحادية من شأنها التأثير سلباً على استقرار المنطقة، مضيفاً: “مصر حريصة على استمرار عملية التفاوض مع كل من السودان وإثيوبيا للوصول الى ذلك الاتفاق الملزم”.
وحسب مصطفى مدبولي، فإن إصرار مصر على عقد أسبوع القاهرة للمياه رغم التداعيات العالمية في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، وفرض بعض الدول إجراءات حظر السفر للمشاركين، لما له من أهمية كبيرة كمنصة فنية للحوار بين الخبراء والعلماء والمهتمين بقضايا المياه، لافتاً إلى أن المنتدى يهدف الى تعزيز التعاون بين الدول وتشارك الرؤى المستقبلية، وتشجيع الأفكار الجديدة التي تعزز من إدارة المياه، لتحقيق التنمية المنشودة التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بحقوق الأجيال المقبلة.
وتجدر الإشارة الى أن سد النهضة مازال، يثير الكثير من الجدل بالنظر الى استمرار الخلاف بين الدول الثلاث خاصة بعد إعلان أديس أبابا عن قرب الانتهاء من اكتمال المرحلة الأولى لملئه.
كما لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأنه رغم جولات التفاوض المتعددة والتي تمت تحت رعاية الولايات المتحدة تارة وتارة أخرى الاتحاد الأفريقي، علاوة على اجتماعات ثلاثية لم تسفر عن حل للقضايا العالقة.
تحديات مالية وفنية
في ظل تواصل التصريحات من هذا الجانب وذاك، أطل اليوم الاثنين، رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد”، خلال كلمة القاها في جلسة استثنائية امام مجلس النواب الإثيوبي، ليقر بأن بلاده تواجه تحديات مالية وفنية في بناء سد النهضة، غير أنه تعهد بـالتغلب عليها، مشيراً في ذات الوقت، إى أن أعمال بناء سد النهضة تسير حاليا بشكل مستمر ويتطلب الأمر متابعته بصورة أكبر وأدق لإكمال العمل.
إلى جانب ذلك، أوضح “آبي أحمد”، في رده على أسئلة النواب، أن سد النهضة مشروع عملاق، لا يمكن تحقيقه بالإرادة والرغبة فحسب، وإنما يحتاج إلى المراقبة من قبل البرلمان والمساعدة من الجميع، لافتا إلى وجود من يحاولون عرقلة مشروع سد النهضة بالداخل والخارج دون أن يذكر أسماءهم.
كما أضاف “أحمد”: “التحديات يجب أن تكون فرصة ودافع في أن نولي سد النهضة اهتماما أكبر في إدارته ومراقبته والاعتناء به”، داعياً الى التعاون والعمل المشترك في إكمال بناء سد النهضة.
في ذات السياق، شدد رئيس الحكومة الإثيوبية على وجوب أن يتعاون الجميع على قلب رجل واحد للعمل، من دون الاستماع للأصوات التي وصفها بـ”المشوشة”، مؤكداً أن العام المقبل سيشهد أعمالا بالسد، لكنها ليست صعبة بقدر تحديات هذا العام من جميع جوانبه.
واتهم “أحمد” بعض الجهات بمحاولة تقليل اهتمام إثيبويا بالعمل في سد النهضة كثيرا، موصحاً أن الحكومة ستواصل تركيزها على مشروع سد النهضة، مهما كانت الظروف، على اعتبار أنه لا يمكن أن يتوقف العمل في بناء السد على حد قوله.
وكانت إثيوبيا، قد أعلنت مؤخرا، اكتمال بناء 76.3% من سد النهضة الذي تشيده على النيل الأزرق ويثير خلافات مع مصر والسودان خشية تأثر حصتهما من المياه في وقت ما زالت فيه المفاوضات الثلاثية لم تصل إلى اتفاق يضمن مصالح كافة الأطراف بشأن عملية الملء والتشغيل.
يشار إلى أن مفاوضات سد النهضة بين إثيوبيا ومصر والسودان قد تعثرت في السابق، حيث طالبت مصر والسودان بأن يكون أي اتفاق ملزم قانونا فيما يتعلق بآلية فض المنازعات المستقبلية وكيفية إدارة السد خلال فترات انخفاض هطول الأمطار أو الجفاف.
قطع المساعدات المالية من امريكا
ملف سد النهضة وبحسب مصادر مطلعة قد تفاقم أكثر وزاد تعقيده، بعد إعلان الولايات المتحدة خلال شهر أيلول الماضي، تعليق جزء من مساعداتها المالية لإثيوبيا ردّاً على قرار أديس أبابا البدء بملء سد النهضة قبل التوصّل إلى اتفاق مع مصر والسودان.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في بيان إنّه بسبب قرار إثيوبيا الأحادي الجانب ملء سدّ النهضة من دون اتفاق مع مصر والسودان، فإن وزير الخارجية، “مايك بومبيو” وبتوجيهات من الرئيس “دونالد ترامب” قرر تعليق جزء من المساعدات المخصصة لإثيوبيا مؤقتاً، دون أن يحدّد البيان مقدار المساعدات المشمولة بقرار التعليق ولا مدّة تعليقها.
كما شدّد البيان على أن الولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد إزاء عدم إحراز تقدّم في المفاوضات الرامية إلى التوصّل إلى اتّفاق ثلاثي حول ملء سدّ النهضة وإدارته.
وأوضحت واشنطن أن قرارها تعليق جزء من المساعدات المخصصة لأثيوبيا يعكس “مخاوف” الولايات المتحدة من القرار الإثيوبي، معتبرة أن الشروع في ملء خزّان السد “قبل اتخاذ كل الإجراءات الأمنية” ينطوي على “مخاطر جسيمة على سكان دول المصبّ”. وأضاف المتحدث باسم الخارجية الأميركية في بيانه أن الانتقال إلى “الملء أثناء المفاوضات يقوّض ثقة الأطراف الأخرى”، متهماً الحكومة الإثيوبية بعدم الوفاء بـ”التزاماتها” لجهة انتظار مصير المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي قبل الشروع بأي خطوة عملية. وأضاف أن الإدارة الأميركية لن تتوانى عن استخدام “كل الأدوات المتاحة أمامها” للضغط على الدول الثلاث للوصول إلى الاتفاق المرجو.
حلول منصفة
من جهته، وصف الباحث الإثيوبي في شؤون القرن الأفريقي “أيوب قدي أمبي”، تعثر المفاوضات الحالية بأنه أمر عادي تجاه حقوق قومية لا تتلاعب إثيوبيا في الحفاظ عليها مهما كان الثمن، مشيراً إلى أن الوضع المائي، الذي استمر ما يقارب مئة سنة بعد توقيع مصر والسودان اتفاقية عام 1929، التي ظلت تستحوذ بموجبها القاهرة على حصة الـ 55 مليار متر مكعب من المياه، يصعب تغييره في يوم أو شهر أو سنة، لذلك فإن ما يقتضيه الواقع الجديد لـ”سد النهضة”، هو الذي يفرض مسار هذه المفاوضات وما تأخذه من وقت وتواجهه من صعوبات.
تزامناً، أكد “أمبي” على جديّة إثيوبيا في التوصل إلى حلول منصفة في قضية سد النهضة، تكفل لكل الأطراف حقها الطبيعي”، مشيراً إلى أن إثيوبيا حريصة على حقوقها المائية في ذات الوقت، الذي تحرص فيه على عدم التسبب في أذية الآخرين.
وحول تفسيره لتصرفات إثيوبيا الفردية في شروعها بملئ خزان بحيرة السد بحوالي 4.9 مليار متر مكعب من المياه دون الرجوع إلى دولتَي المصب في الوقت ذاته الذي تدور فيه المفاوضات، قال قدي أمبي إن “تمسك إثيوبيا بحقها في عملية ملئ الخزان نابع من اتفاقية الخرطوم للمبادئ التي ضمت موادها مسألة مزامنَة ملئ خزان البحيرة مع عملية التفاوض”. ونفى الباحث الإثيوبي تعمّد أديس أبابا اتخاذ مواقف مستفزة لأطراف الحوار، مشيراً إلى أنها تتصرف وفق الحقوق المشروعة. وأشار إلى أن “الوصول إلى حل لقضية سد النهضة بكل جوانبها في ملء وتشغيل السد، وإزالة المخاوف، ووضع الضمانات بما فيها آلية فض النزاعات، كلها قضايا غير خاضعة للطرف الإثيوبي وحده وإنما تتطلب عملاً مشتركاً، وتنازلات متبادلة.