هيئة التحرير
“بوتين وإيران” علاقة معقدة، يكشف تسريب عن مذكرات مستشار الأمن القومي السابق، “جون بولتون”، أن ما يدور في كواليسها يختلف تماماً عن ما يظهر في العلن، خاصة في ما يتعلق بالوجود الإيراني في سوريا، وموقف روسيا منه.
ومن المقرر أن يطرح كتاب مذكرات “بولتون” في وقتٍ لاحق، إلا أن بعض التسريبات حول فحوى الكتاب تم تداولها على مواقع الانترنت، على شكل ملفات PDF.
بوتين لا يريد إيران في سوريا
تشير مذكرات “بولتون” إلى أن الموقف الروسي من وجود إيران في سوريا يتناغم مع الموقف الأمريكي المطالب بخروج كافة الميليشيات الإيرانية من هناك، لافتةً إلى أن الرئيس الروسي، “فلاديمير يوتين” عبر للإدارة الأمريكية عن رفضه لأي وجود عسكري إيراني في سوريا، على الرغم من وقوف كلا الطرفين إلى جانب نظام “بشار الأسد”، بالإضافة إلى انتقاده للسياسات الإيرانية بالتعاطي مع الملفات الإقليمية.
وكان التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا صيف العام 2015، قد قلل من الدور الإيراني في الحرب، خاصة بعد إنشاء قاعدة حميميم العسكرية الروسية، وتحولها إلى مركز فعلي لقيادة العمليات العسكرية.
في هذا السياق، يشير مصدر سوري مطلع، إلى أن الوجود الإيراني في سوريا مع بداية الثورة، كان يمثل مصلحة قومية روسية، موضحاً: “بين العام 2011 و 2015 كانت مصلحة روسيا تقتضي بوجود إيران، لامتصاص ذروة الثورة السورية، التي سيطرت في تلك الآونة على معظم مناطق البلاد، وقتل خلالها آلاف العناصر من الميليشيات الإيرانية الداعمة للأسد، ولكن في عام 2015، ومع بدء تراجع قوة الثورة عسكرياً بدأت المصلحة الروسية تقتضي بالتدخل المباشر ومنع إيران من توسيع سيطرتها على المناطق السورية”.
ويعتبر المصدر أن الروس تمكنوا من قراء المشهد السوري وتطوراته في المستقبل، مع اندلاع الثورة، وأن البلاد ذاهبة باتجاه حرب طاحنة، لافتاً إلى أن الكريملين في تلك الآونة لم يكن يرغب بالانزلاق في مستنقع شبيه بحرب أفغانستان، ما دفعه إلى الزج بإيران لتكون قرباناً للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط.
وكانت الثورة السورية قد شهدت حالات إبادة لألوية إيرانية كاملة خلال المعارك، والتي كان منها لواء فاطميون، الذي أبيد بالكامل أثناء اشتباكات مع فصائل المعارضة في قرية دير العدس بريف درعا عام 2015.
خلافات عقائدية وعداء تاريخي
خلافاً لما تتناوله وسائل الإعلام حالياً عن وجود تحالف روسي – إيراني في إطار النظام العالمي الحالي، يؤكد المصدر أن العلاقة بين الطرفين، قائمة على أساس عداء تاريخي عقائدي بين روسيا الشيوعية وإيران الإسلامية الراديكالية، لافتاً إلى أن حالة العداء تلك والتوترات السياسية والعسكرية تاريخياً بينهما، تجعل من ذلك التحالف أمراً مستحيلاً على المستوى الواقعي، لا سيما في ظل ما تمثله سوريا من أهمية استراتيجية بالنسبة للطرفين.
وكانت الحقب التاريخية قد سجلت العديد من الصراعات بين روسيا وإيران، بدءاً من الحرب التي تمكنت فيها روسيا من ضم العديد من الأراضي، التي تعتبرها إيران جزءاً منها في اسيا الوسطى، مروراً بنظام الشاه السابق، حليف الولايات المتحدة، الذي اتهمته روسيا بدعم ألمانيا النازية، وصولاً إلى النظام القائم حالياً والمرتكز على أسس دينية متشددة تتعارض مع السياسات الروسية.
في السياق ذاته، يلفت المحلل السياسي “حسام يوسف” إلى أن اتفاق الروس والإيرانيين على وجود “بشار الأسد” في السلطة، لا يعني محو ذكريات الماضي وتجاوز الخلافات الجذرية بينهما، مشيراً إلى أن التقارب بين الطرفين ليس سوى تقارب مرحلي ستستخدمه روسيا كورقة تفاوضية مع المجتمع الدولي للاعتراف بسوريا كمنطقة نفوذ لها.
لعبة المصالح لا تقبل فائزين
تعقيدات الملف السوري وتشعباته وكثرة اللاعبين الدوليين، تمنع تقسيم سوريا بين روسيا وإيران، بحسب ما يراه “يوسف”، موضحاً: “هناك عدة أسباب لن تسمح بأن تحتضن البلاد نفوذ الروس والإيرانيين في وقت واحد، أولها اختلاف طبيعة المصالح بينهما، فروسيا تميل إلى خلق وضع مستقر في مناطق نفوذها، قائم على حكومات وأنظمة واضحة تحكم البلاد بشكل دكتاتوري عسكري كما في الشيشان، في حين تعتمد مصالح إيران على خلق الفوضى دائماً من خلال مفهوم الدولة العميقة والميليشيات، كما هو الحال في لبنان واليمن والعراق”.
كما يوضح “يوسف” أن دخول روسيا بشكل مباشر على خط الثورة السورية، تم بمفاوضات دولية، تولتها إسرائيل نيابة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولم تكن لتتم لولا وجود ضوء أخضر دولي، كان شرطه الأساسي إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، على حد قوله، مؤكداً أن مسألة بقاء “الأسد” من عدمه كانت قضية ثانوية في تلك المفاوضات، على اعتبار أنه عملياً فقد كامل الصلاحيات الرئاسية في البلاد.
وكان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” قد أجرى سلسلة زيارات متقاربة إلى إسرائيل قبل إعلان التدخل المباشر في سوريا عام 2015، التقى خلالها رئيس الحكومة الإسرائيلية، “بنيامين نتنياهو”.
النجاة من الفخ
الثورة السورية ومع تطوراتها منذ اندلاعها عام 2015، يرى فيها “يوسف” فرصة استغلتها الدول الغربية لتحويل سوريا إلى فخ للإيقاع بروسيا وإيران وجرهما إلى مواجهات طاحنة مع فصائل الثورة، لافتاً إلى أن روسيا استوعبت الموقف وتجنبت ذلك الفخ، من خلال دفع إيرانباتجاهه والاكتفاء بالدعم السياسي طيلة 5 سنوات.
كما يلفت “يوسف” إلى أن روسيا أحسنت إدارة الملف واستغلال الأطماع الإيرانية لتجنب الوقوع في آتون الحرب، واستطاعت مبكراً إدراك أن تدخلها في سوريا يحتاج إلى توافق دولي وضوء أخضر دولي، مشيراً إلى أن روسيا لم تتدخل في سوريا بشكل مباشر إلى بعد حصولها على ضمانات بتراجع وتيرة الثورة المسلحة وتقليل دعم الفصائل وإجبارها من قبل داعميها على الانسحاب من مناطق سيطرتها.
ويؤكد “يوسف” أن تراجع الثورة كان قراراً دولياً بحتاً، وليس بسبب ضعف الإمكانيات، مشيراً إلى أن فصائل المعارضة كانت قادرة على خوض الحرب ومواجهة الروس لسنوات قادمة، خاصةً في المناطق القريبة من العاصمة، في درعا وغوطة دمشق الشرقية ومناطق القلمون.
وكانت فصائل المعارضة السورية قد وقعت خلال السنوات الأربع الماضية، عدة اتفاقات مصالحة مع الجيش الروسي، تخللها انسحاب قوات المعارضة من مناطق سيطرتها، ودخول الجيش الروسي إليها.