مع الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة في لبنان، برئاسة “نجيب ميقاتي”، من المنتظر أن يكون لبنان قد خطى أولى خطواته تجاه حل الأزمة السياسية والاقتصادية والمعيشية، لا سيما وان كافة السياسيين اللبنانيين كانوا متفقين على أن حلول أزمات لبنان يرتبط بنهاية عصر حكومة تصريف الإعمال وإعلان الحكومة المنتظرة.
يشار إلى ان “ميقاتي” أعلن عن تشكيل حكومته بعد أكثر من عام على استقالة الحكومة السابقة، برئاسة “حسان دياب”، وهي الفترة التي شهدت تكليف ثلاث شخصيات بتشكيل ملف الحكومة.
فقط في لبنان.. علينا النظر إلى الوراء
خلافاً لمنطق النظر إلى المستقبل، يقول المحلل السياسي “ميشال بوصعب” أنه فقط في لبنان على الناس النظر إلى الخلف لتقييم المستقبل، موضحاً: “الأوساط السياسية عند تشكيل حكومة دياب بعد تعسر طويل، منذ ثلاث سنوات تقريباً، قالوا إنها خطوة الحل لكن ما حصل كان مغايراً تماماً لا سيما وأنها كانت مقدمة لترسيخ الأزمات واشتداداها، ومقدمة لكوارث لبنان وفي مقدمتها كارثة المرفأ وانهيار الاقتصاد”.
ويلفت “بوصعب” إلى أن حكومة “دياب”، التي كان يسيطر عليها حزب الله والعهد العوني، على حد وصفه، استلمت الحكم في لبنان حين كان الدولار حوالي 1500 ليرة وسلمته عندما وصل الدولار إلى أكثر من 21 ألف ليرة، موضحاً: “جاء دياب إلى الحكم ونسبة الفقر نحو 25 بالمئة لكنه سلمها والفقر 60 بالمئة، كل هذا حدث في حين كان من المفترض أنها حكومة الحل العتيدة”.
في ذات السياق، يشدد “بوصعب” على فكرة أن الأزمة في لبنان ليست أزمة من يرأس الحكومة أو من يشكلها بقدر ما هي مشكلة من يسيطر عليها ويديرها، لافتاً إلى أن أزمة لبنان هي في طبيعة الحكم القائم واستمرار عمل ما يمكن تسميته بالدولة العميقة، التي يديرها حزب الله وتيار الرئيس “ميشال عون”.
إلى جانب ذلك، يؤكد “بوصعب” أن تشكيل الحكومة الجديدة سيكون فصلاً من فصول الصراع السياسي على السلطة وليس خطوة للحل، على اعتبار أن وصول ميقاتي لا يلغي هيمنة حزب الله وتفرد التيار الوطني الحر في الحكم، مشدداً على ألا حل لأزمات لبنان إلا في إسقاط النظام السياسي كاملاً ونزع سلاح حزب الله وقطع الروابط مع النظام الإيراني.
لا تختلف عن سابقاتها إلا بالأسماء
تعليقاً على التشكيلة الحكومية المعلنة، يعتبر الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “حسام يوسف” أن تشكيلة “ميقاتي” لم تأتي بجديد إلا من ناحية الأسماء، دون أن تحدث أي تغيير في الواقع السياسي أو قانون المحاصصة، وبالتالي فإنها لم تأت بما يوحي بأنها حكومة حل بقدر ما يمكن وصفها فيه بأنها حكومة مسكنات أو بشكل آخر حكومة تأخير الانهيار.
كما يشير “يوسف” إلى أن لبنان مصاب بمجموعة سرطانات بينها سلاح حزب الله وآلية حكم التيار الوطني لمؤسسة الرئاسة والتدخلات الإيرانية وقانون المحاصصة والدولة العميقة، موضحاً: “لا يمكن علاج السرطان إلا بالاستئصال وليس بمسكنات تدفع المرض للموت بقليل من الألم، هذا ما تعبر عنه حكومة ميقاتي، خاصةً أنها لن تمس أياً من مشكلات لبنان الجوهرية المذكورة”.
إلى جانب ذلك، يعتبر “يوسف” ان “ميقاتي” أو أي رئيس حكومة قادم أياً كان توجهه لن يتمكن من مواجهة حزب الله وسلاحه وتيار الرئيس عون وأغلبيته النيابية، وبالتالي فإن مساحة تحركه ستكون ضيقة، طالما بقي العاملان السابقان موجودان، لافتاً إلى أنه من الإجحاف انتظار نتائج كبيرة ومفصلية من حكومة “ميقاتي” في ظل تقييد يديه وتضييق مساحة تحركه.
مهام خفية وحكومة تسيير أعمال
في ظل الظروف المحيطة سياسياً وحكومياً وحتى دولياً، يصف الخبير بالشأن اللبناني، “أحمد عيتاني” مهمة الحكومة الجديدة بأنها حكومة تصريف أعمال بقالب حكومة نيابية، مستبعداً أن تكون الحكومة حصلت على أي صلاحيات أو دعم من المجلس النيابي.
ويرى “عيتاني” أن مهمة “ميقاتي” هي إدارة البلاد حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، معتبراً أن الرئيس “عون” تساهل في شروطه مع “ميقاتي” أكثر من “الحريري” كون “ميقاتي” أقل عداء له ولميليشيات حزب الله بالإضافة إلى التخفيف من الضغوط السياسية، خاصة مع تصاعد المطالبات بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهو ما يرفضه تيار “عون”.
كما يشير “عيتاني” إلى أن إجراء أي انتخابات نيابية في ظروف لبنان الحالية تعني تغيراً كبيراً في معادلات الكتل النيابية وأن ذلك يشكل خطراً على أكثير التيار الوطني الحر، تحديداً مع انهيار شعبية رئيس التيار وصهر الرئيس، “جبران باسيل”، وهو ما أنتج تشكيل الحكومة الجديدة، لافتاً إلى أن التيارالوطني الحر يراهن على الزمن لتغيير وضعه على الساحة الشعبية، بالإضافة إلى أن تشكيل الحكومة الجديدة سيخفف من تحميل الرئيس وتياره مسؤولية عرقلة سير الأمور في البلاد.
يشار إلى أن الرئيس اللبناني “ميشال عون” أصدر قرار تكليف باسم “نجيب ميقاتي” قبل شهرين بعد أيام من اعتذار رئيس الحكومة المكلف سابقاً، “سعد الحريري”، وسط اتهامات للرئيس “عون” لتعطيل تشكيل الحكومة من خلال المطالبة بالثلث المعطل وهو ما رفضه “الحريري”.