فتحت بيانات وزارة الدفاع الروسية بشأن الضربات الاسرائيلية لمواقع في سوريا الباب واسعا امام تكهنات بشأن عزم روسيا إغلاق المجال الجوي السوري أمام الطيران الاسرائيلي.
البيانان أعقبا غارتين إسرائيليتين، واحدة استهدفت مركز أبحاث في ريف حلب، والأخرى موقعا لتمركز قوات إيرانية في القصير قرب حمص، وأوضحا أن منظومتي الدفاع الجوي الروسيتين “بانتسير، بوك”، اللتين يمتلكهما قوات النظام السوري أسقطتا “معظم الصواريخ الإسرائيلية”، التي تتوزع على النحو التالي: 4 في ريف حمص و8 بريف حلب، مشيرة إلى أن القصف الأول جاء من الأجواء اللبنانية، بينما أتى الثاني من منطقة التنف الواقعة على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق.
وبإصدار البيانين، تكون روسيا قد كشفت لأول مرة عن تغيير جديد في أسلوبها دون أن توضح ماهيته أو أسبابه
مصدر روسي رأى في الاعلان الروسي إشارة تصعيد لاسيما أن موسكو صمتت طيلة السنوات الماضية، على مئات الغارات الإسرائيلية التي طالت مواقع النظام العسكرية ومواقع الميليشيات التابعة لإيران.
وتشير وزارة الدفاع الروسية في بياناتها إلى دور منظومة الدفاع الجوي الروسية في اعتراض عددٍ من الصواريخ الإسرائيلية، التي تم إطلاقها خلال الغارات الأخيرة، التي وقعت بشكل متزامن.
تعليقاً على الموقف الروسي الجديد، يستبعد المحلل السياسي، “رأفت علي” أن تحمل بيانات وزارة الدفاع الروسية تبدلاُ في السياسة الروسية تجاه الغارات الإسرائيلية ضد مواقع النظام، لافتاً إلى أن بيانات روسية لن تتعدى مسألة إصدار البيانات ولن تتحول إلى أي إجراءات عسكرية لمنع الغارات الإسرائيلية.
ويوضح “علي”: “البيانات الروسية في الأغلب ليست سوى تحرك سياسي لتجاوز الإحراج الذي تتركه تلك الغارات بالنسبة للقيادة الروسية، التي واجهت في الفترات السابقة الكثير من الانتقادات في أوساط موالي النظام، بالإضافة إلى الإحراج من الشريك الإيراني”، مشدداً على أن روسيا لم تتمكن على الإطلاق من إغلاق الأجواء السورية ولا تمتلك القوة الكافية لاتخاذ تلك الخطوة.
كما يذكر “علي” أن دخول روسيا إلى سوريا تم بعد مباركة إسرائيل له ونشاط تل أبيب لإقناع الإدارة الأمريكية بتولية روسيا إدارة ملف الأزمة السورية، مؤكداً على أن قوة روسيا في سوريا قادمة من التفويض الدولي وليس من قوة روسيا العسكرية.
بالونات اختبار لحكومة بينيت
يصف الخبير في شوؤن الشرق الأوسط “أكرم حرفوش” بيانات روسيا بأنها مجرد بالونات اختبار للحكومة الإسرائيلية الجديدة ومدى إمكانية الخروج من دائرة النفوذ المرسومة لروسيا داخل سوريا والتحرر من القيود الإسرائيلية، بالإضافة إلى الحد من الغارات الإسرائيلية ضد مواقع النظام.
كما يضيف “حرفوش”: “مع رحيل حكومة نتنياهو ووصول حكومة إسرائيلية جديدة تطمح موسكو إلى استغلال ذلك التبدل حتى توسع من دائرة سيطرتها على الملف السوري خارج السرب الإسرائيلي – الدولي، وهنا يمكن أن القول إن ردة الفعل الإسرائيلية على البيانات الروسية ستكون حجر الزاوية في أي تبدلات مستقبلية في الموقف والسياسية الروسية، فإذا أبدت الحكومة الإسرائيلية تراخياً مع البيانات الروسية فإن موسكو قد تتجه لرفع حدة موقفها تجاه الغارات الإسرائيلية في المرات القادمة”.
ويلفت “حرفوش” إلى أن ما بغيب عن موسكو هو ان السياسات العسكرية والأمنية في إسرائيل تبنى على توجيهات وتوصيات من القادة الأمنيين والميدانيين وليس من رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو ما يفقد موسكو أي فرصة للالتفاف على اتفاقاتها مع رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، “بنيامين نتنياهو.
يذكر ان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” قد أجرى عام 2015 عدة زيارات متتالية لتل أبيب التقى خلالها رئيس الحكومة السابقن “نتنياهو” قبل ان تبدأ القوات الروسية تدخلها العسكري المباشر في سوريا دعماً لنظام “بشار الأسد” في صيف العام ذاته.
إجراءات أكبر من روسيا وحرب تشتعل من جديد
يؤكد الباحث الاستراتيجي “محمد فندي” أن روسيا لا تمتلك القدرة على مواجهة ردة الفعل الإسرائيلية -الدولية، في حال اتجهت إلى تنفيذ تهديداتها بإغلاق الأجواء السورية، لا سيما وأن مثل ذلك الإجراء سيكون كفيلاً بإعادة الحرب السورية إلى مربعها الأول، على حد قوله، لافتاً إلى أن المجتمع الدولي سيتجه حينها إلى تقديم المزيد من الدعم للمعارضة السورية المسلحة، الأمر الذي قد يفقد روسيا كافة التقدمات الميدانية المحققة في سورياً، بالإضافة إلى أنه سيضع القوات الروسية تحت النار، في حال اخلفت في وعودها.
إلى جانب ذلك، تشير “فندي” إلى إدراك روسيا الكامل بأن سيطرتها الميدانية وتراجع قوات المعارضة السورية على الأرض كان نتيجة التفاهمات الدولية وتراجع الدعم العسكري المقدم للمعارضة، وليس فقد بسبب تدخلها المباشر، ما يمنعها من اتخاذأي إجراء من شأنه حماية الميليشيات الإيرانية، خاصةً وأن 90 بالمئة من الغارات تستهدف الميليشيات الإيرانية والمتعاونين معها، لافتاً إلى ان الغارات لا تسنها إسرائيل فقط وإنما طيران أمريكي أيضاً.
يذكر ان الولايات المتحدة كانت قد أعلنت عن تبنيها عدة غارات جوية استهدفت مطلع الشهر الجاري، ميليشيات مدعومة إيرانياً على الحدود السورية – العراقية، مبينةً أن تلك الغارات جاءت رداً على استهداف القواعد الأمريكية في العراق.
ويشدد “فندي” أن الظروف الدولية وتبدلات القيادات في الكثير من الدول بما فيها الولايات المتحدة وإيران، وتصاعد التوتر بين واشنطن وتل أبيب من جهة وطهران من جهة أخرى، لن يسمح لموسكو بتوسيع دائرة التصعيد على الأراضي السورية، إلى جانب عدم استعداد موسكو للدخول في صدام دولي كرمى للنظام الإيراني.