هيئة التحرير
عاشت العاصمة اللبنانية بيروت مساء أمس الثلاثاء لحظة تشبه تلك التي عاشتها مدينة هيروشيما اليابانية إثر تعرضها لقصف بقنبلة نووية خلال الحرب العالمية الثانية.
لم يحسم الأمر بعد حول تفاصيل الانفجار الذي وقع في العنبر 12 قرب صوامع القمح في مرفأ العاصمة. الرئيس اللبناني “ميشال عون” قال إن 2750 طنا من “نيترات الأمونيا” كانت مخزنة بطريقة غير آمنة في المستودعات”، مشيراً إلى أن المواد كانت محتجزة بقرار قضائي”.
من جانبه، قال مدير عام الجمارك في لبنان، “بدري ضاهر”: إن “الانفجار ناجم عن حاوية تحتوي على نترات الأمونيوم، وهذه مادة قابلة للانفجار، تم احتجزها وتفريغها بمستودع خاص بالكيماويات في مرفأ بيروت”.
وأوضح ضاهر أن الحاوية كانت “محتجزة قضائيا، بسبب خلاف قضائي بين المستود والشركة الناقلة، وتم احتجازها لصاح دعوى خاصة، وليست عامة”. مشيراً إلى أن “الانفجار كان بتلك الضخامة، لأن الحاوية كانت موجودة في مستودع مخصص للمواد الكيماوية”.
مدير عام الجمارك أكد أن “الحاوية لم تكن ستبقى في لبنان، وإنما جاءت ترانزيت”. لافتا إلى أنه “لا توجود معلومات الآن عن الوجهة التي قدمت منها أو التي كانت ستذهب إليها”.
من جانبه، قال مدير الأمن العام في لبنان، اللواء عباس إبراهيم، إن مصدر الانفجار هو حاوية تمت مصادرتها داخل مخزن بمرفأ بيروت، ولم يعط أي معلومات بشأن محتويات الحاوية أو نوع المفرقعات التي سببت هذا الانفجار”.
تشكيك في الرواية الرسمية..
تحليل الخبراء للصور ومقاطع الفيديوهات التي وثقت الانفجار، شكك في الروايات الرسمية، اذ قال الخبير العسكري والاستراتيجي، “إلياس فرحات”: إن “ضخامة الانفجار وشكل الغيمة التي تشكلت عنه، التي تشبه الفطر، بالإضافة إلى اللون الوردي الذي ملأ الموقع، مشيراِ إلى أن “الانفجار جاء نتيجة عبوة كبيرة جدا تحتوي على مواد كيماوية، أو بقصف صاروخي بعيد المدى”.
وفيما يتعلق بالتقارير التي تحدثت عن وجود متفجرات “تي إن تي” في موقع الانفجار، قال الخبير العسكري والاستراتيجي إن “استيراد المتفجرات في لبنان يخضع لموافقة وزارة الدفاع”، لافتا إلى أن مصانع البارود والديناميت التي تستورد مثل هذه المادة موجودة بالفعل في لبنان، لكن بإشراف وزارة الدفاع.
وأوضح أنه في حال كان هناك مستودع لمثل هذه المادة، فلابد من أن يكون بوزارة الدفاع، وستكون إدارة الجمارك على علم بوجوده في تلك المنطقة”. مؤكداً أن “الغيمة البيضاء التي تشبه المشروم التي خلفها الانفجار، تعني وجود كمية كبيرة من المتفجرات، التي انفجرت في وقت واحد”.
أما اللون الوردي، بحسب فرحات، فهو “الغريب” في هذا الانفجار. وأضاف: “كل الانفجارات السابقة في لبنان نجم عنها دخان أسود أو أبيض، أما اللون الوردي فيعني حتما أن هناك مواد كيماوية انفجرت، كأن يكون هناك 10 أطنان من مادة التي إن تي، على سبيل المثال”.
وطالبت السفارة الأمريكية في لبنان، مساء أمس الثلاثاء، رعاياها وسكان المناطق المحيطة بموقع انفجار مرفأ بيروت، بالبقاء في منازلهم وارتداء الكمامات الواقية.
السفارة الأمريكية في بيروت قالت على موقع “تويتر”: “إنها تتابع عن كثب تداعيات انفجار مرفأ بيروت الذي وقع عصر اليوم”، مشيرة إلى “تقارير تفيد بوجود انبعاثات لغازات سامة بالمنطقة التي وقع بها الانفجار”.
من جانبه، أكد مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية، “سامي نادر”: لوسائل الاعلام: أن الانفجار الذي رأيناه “لا مثيل له” على الإطلاق. مضيفا “عاصرت انفجارات كثيرة .. ولم أر مثل هذا الانفجار في حياتي.. هذا شيء جديد على لبنان كليا”.
“حزب الله” يسيطر..
وحمل مسؤولون في المخابرات الأمريكية “حزب الله” مسؤولية الانفجار الضخم، الذي هز العاصمة اللبنانية، اذ قالت مصادر استخباراتية أمريكية، في تصريحات لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، إن “معظم العمليات في الميناء كانت تحت سيطرة غير رسمية لحزب الله، وظهرت مؤشرات على اندلاع حريق في مستودع للمتفجرات داخل المنشأة”، مضيفة أن “هناك عمليات جريمة منظمة داخل الميناء، وأن الانفجار قد يكون شمل حاويات متعددة، ولكنه ليس له علاقة بالإرهاب”.
من جانبه، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، “عسكريون أمريكيون بارزون يعتقدون أن الانفجار بمرفأ في العاصمة اللبنانية بيروت كان بسبب “قنبلة من نوع ما”.
ونقلت تقارير إعلامية عن مصدر استخباراتي تأكيده أن “هناك احتمالاً بتخزين الألعاب النارية والبنزين والأسلحة معا”. وأضاف “رسميا وقع الانفجار في مستودع الألعاب النارية والبنزين”. كما أكد المصدر أنه استناداً إلى تحليل الفيديو للانفجارات، فقد وقعت انفجارات صغيرة قبل الانفجار الثاني مباشرة – وهو الأكبر. وتشير الاختلافات في اللون أيضا إلى وجود ألعاب نارية، ولكن لم يستبعد وجود أسلحة ومواد محتملة أخرى في المنطقة المجاورة أيضا.
وأشار “إيان برادبري”، رئيس شركة تيرا نوفا للإدارة الاستراتيجية للاستشارات الدفاعية ومقرها كندا، إلى أن الميناء الذي تضرر بشدة يعمل كمركز شحن مركزي للبلاد، وتديره شركة Gestion et Exploitation du Port de Beyrouth (GEPB)، المتعاقدة من الباطن مع شركة تسمى اتحاد محطة الحاويات في بيروت (BCTC). ويعتبر الميناء من أكبر وأكثر الموانئ نشاطا في البحر المتوسط.
وتابع قائلاً: “إن استيراد الألعاب النارية أمر شائع، والمنطقة التي شوهدت في الفيديو تظهر موقعاً معروفاً لتخزين هذا النوع من السلع”. وأضاف: “هناك بعض التكهنات حول شحنات الأسلحة التي سبق تسلمها أو تخزينها داخل هذا القطاع من المرفأ، لكن حتى الآن لم يتم التأكد منها”.
“عدم كفاءة” أم تهديد…
دفعت الكارثة “حزب الله” إلى الأضواء مرة أخرى. وعلى مر أشهر، ظل لبنان يُعتبر نقطة اشتعال متنامية للتوترات الجيوسياسية، ليس فقط بسبب الأنشطة المزعزعة التي تقوم بها الجماعة المدعومة من إيران في المنطقة ــ من اليمن إلى سوريا إلى العراق ــ ولكن أيضاً بسبب الخلاف داخل الدولة الصغيرة نفسها.
وقال “جوناثان شانزر”، النائب الأول لرئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: “يبدو حاليا أن الانفجار في لبنان لم يكن نتيجة لضربة عسكرية”. وقال “فى الوقت الحالى يبدو أن هذا الانفجار كان نتيجة لعدم الكفاءة. ولكن التوترات المستمرة توضح أن الانفجارات في المستقبل قد تكون نتيجة لشيء أكثر تعمدا. وتأتي هذه التوترات أيضاً في وقت سيئ بشكل خاص بالنسبة للبنان”.
بينما تداول ناشطون عبر موقع “تويت”ر خطابا سابقا لزعيم ميليشيا “حزب الله” اللبناني، “حسن نصر الله”، رسم فيه سيناريو تفجير نووي باستخدام نترات الأمونيوم. كما حدث في مرفأ بيروت، مساء أمس الثلاثاء.
وقال “نصرالله” في خطاب سابق إن القنبلة النووية، التي يقصدها ستكون بإرسال صواريخ من قبل حزب الله على حاويات الأمونيا في ميناء حيفا داخل إسرائيل، مما سيؤدي إلى انفجار شبيه تماماً بالقنبلة النووية.
وتابع في رسم المشهد بالقول إن هذه الصواريخ التي سوف تسقط على هذه الحاويات في منطقة يسكنها 800 ألف نسمة، وسوف تقتل منهم عشرات الآلاف.
وبالفعل حدث هذا السيناريو حرفياً في مرفأ بيروت، وقُتل العشرات وأُصيب الآلاف في تقييمات أولية للانفجار المروع، وسقط أكثر من ١٠٠ قيل و٤٠٠ جريح على الأقلّ، وفي مرفأ بيروت، شوهدت جثث وأشلاء، وتحوّلت المستودعات ركاماً.
نترات الامونيوم؟
تؤكد المعلومات الواردة عن الانفجار أن مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار هي التي كانت وراء كارثة بيروت، و”نترات الأمونيوم” هي مادة صلبة بلورية بيضاء قابلة للذوبان بشكل طبيعي، وتعرف باسم “الملح الصخري”، وصيغتها الكيميائية هي #NH4NO3.
ورغم أن أكبر مخزون من نترات الأمونيوم الطبيعية موجود في صحراء أتاكاما في تشيلي، فإن ما يقرب 100 بالمئة من هذه المادة المستخدمة الآن اصطناعية، ويمكن تحضيرها عن طريق تفاعل الأمونيا مع حمض النتريك.
تستخدم نترات الأمونيوم في الغالب في الزراعة كسماد عالي النيتروجين، وهي مادة مستقرة نسبيا في معظم الظروف، وغير مكلفة من ناحية التصنيع، مما يجعلها المادة الكيميائية البديلة الأكثر شيوعا كمصدر للنيتروجين، والأقل تكلفة.
وعلى الجانب الآخر، تعد نترات الأمونيوم مكونا رئيسيا لمادة ANFO، المعروفة باسم “زيت الوقود”، التي تستخدم كمادة تفجير اصطناعية في قطاع التعدين والمحاجر والبناء المدني، وتمثل 80 بالمئة من المتفجرات الاصطناعية المستخدمة في الولايات المتحدة.
ولا تعتبر مادة نترات الأمونيوم خطيرة في حد ذاتها، لكن في ظروف معينة يمكن أن تكون مدمرة، ومن هنا، فإن لدى معظم البلدان لوائح تتعلق بطرق تخزينها للتأكد من أنها آمنة.
هناك مجموعة من العوامل والظروف التي لا بد من توافرها لتحويل نترات الأمونيوم من مركب آمن إلى مادة متفجرة، من دون أي وقود أو محفزات خارجية.
ويتم تصنيف نترات الأمونيوم على أنها “مادة حيوية”، وهي تنتج الحرارة أثناء تحللها على غرار الطرق المعروفة عن توليد الحرارة باستخدام المواد المتعفنة في السماد.
وإذا كانت هناك كمية كبيرة من نترات الأمونيوم في ظروف غير طبيعية، فإنه يمكنها توليد حرارة ذاتية كافية لإشعال النار واستمرار الحريق، من دون الحاجة إلى أي محفز خارجي.
وأثناء احتراقها، تمر نترات الأمونيوم بتغيرات كيميائية تؤدي إلى إنتاج الأكسجين، وهو بالضبط ما يحتاجه أي حريق للاستمرار والتمدد، ومع ارتفاع درجة الحرارة تتحول المادة إلى ما يشبه “مفجر القنبلة”.
وتظل المساحة خلف “المفجر” تزداد سخونة مع سرعة الاندماج حيث تتشكل الغازات الساخنة بشكل أكبر كثافة، إلى حين لا تجد مكانا تتسع فيه، فتنفجر في نهاية المطاف.
المنخفضة لنترات الأمونيوم، فضلا عن توافرها في الأسواق، تلعب دورا كبيرا في جعلها المادة المفضلة للجماعات الإرهابية من أجل تصنيع القنابل.
وبينما تعد نترات الأمونيوم المحرك الأساسي لإحداث الانفجار، فإن تصنيع قنبلة من هذه المادة يحتاج إلى صاعق “مفجر القنبلة”، وبعض الوقود الذي يمكن أن يجعل تأثير التفجير مضاعفا.
وقد استخدم الجيش الجمهوري الإيرلندي في المملكة المتحدة قنابل الأسمدة مرات عدة، ففي أبريل 1992 انفجرت قنبلة أسمدة وزنها طن في مبنى في لندن مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص. كما استخدم الجيش الجمهوري قنبلة أسمدة أخرى في تفجير آخر في لندن بشهر أبريل 1993، حيث عمد إلى إخفائها في شاحنة صغيرة، وأدى الانفجار حينها إلى مقتل شخص وإصابة 40 آخرين.
وفي مدينة أوكلاهوما بالولايات المتحدة، استهدفت قنبلة أسمدة مبنى في نيسان 1995 وقتلت 168 شخصا، وقد أعدم منفذ الهجوم الرئيسي فيما سجن متعاون معه مدى الحياة.