هيئة التحرير
جاءت المظاهرات التي اندلعت اليوم السبت، في مختلف المناطق اللبنانية، لتضع البلاد وقيادتها أمام مسؤوليات مضاعفة، قضية الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الشارع وخرج الشعب منذ أشهر من أجلها، ومحاسبة المسؤولين؛ وخاصة من الصف الأول، عن انفجار مرفأ بيروت، الذي دخل البلاد بوضع كارثي من جميع النواحي، هذه المظاهرات التي عادت وسط انتشار كثيف لقوات الجيش والأمن، الذي كان كافياً بتحوّلها إلى اشتباكات خلقت حتى لحظة كتابة هذا التقرير عن قتيلين من قوات حفظ النظام، وإصابة أكثر من 238 متظاهراً، يحدث هذا على وقع كارثة انفجار بيروت، التي خلفت أكثر من 158 قتيلاً، وجرح الآلاف، وفقدان نحو 300 ألف مواطن أيّ مأوى يأويهم، ومعها تتوسع مساحة المظاهرات ليرفع المتظاهرون من سقف مطالبهم وشعاراتهم، مطالبة برحيل الرئيس ميشال عون، ورئيس الحكومة حسّان دياب.
وأعلن الصليب الأحمر اللبناني نقل أكثر من 54 جريحاً إلى المستشفيات، فيما نقلت مصادر محلية، إن الاشتباكات بدأت إثر إطلاق قوات الأمن والجيش الغاز المسيل للدموع بكثافة على المتظاهرين الذين ردوا بإلقاء زجاجات حارقة على الأمن، ولم تكتف السلطات بذلك، إذ قامت بعدها بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين الذين عمدوا إلى التوجه نحو البرلمان.
إطلاق الرصاص الحي
كانت المواجهة الأخطر حين اقتحمت مجموعة من المتظاهرين، بينهم عسكريون متقاعدون مقرّ وزارة الخارجية في الأشرفية، معلنين اتخاذه «مقراً للثورة»، ونقلت وسائل الإعلام اللبنانية، بياناً تلاه العميد المتقاعد «سامي رماح»، باسم المتظاهرين، معلناً مبنى الوزارة «مقرّاً للثورة»، ثم دعا الشعب اللبناني، عبر ما أسماه بـ«النداء» إلى الشعب المقهور «للنزول إلى الساحات والمطالبة بمحاكمة كل الفاسدين».
وفي تعليقه على هذا الاقتحام، قال العميد المتقاعد جورج نادر إنّ «اقتحام مقر وزارة الخارجيّة هو بمثابة ردّ على استهداف حرس مجلس النواب للمتظاهرين»، مشدداً على أن «الميليشيات التابعة للأحزاب المسماة بحرس مجلس النواب، تطلق الرصاص الحي على المتظاهرين الثوار ولدينا 8 إصابات». بالتزامن مع استمرار المواجهات العنيفة في تلك الأثناء في ساحة الشهداء بين القوى الأمنية والمتظاهرين هناك أيضاً.
ووفق المعلومات المسربة، فإن أحد المهندسين المختصين دخل وزارة الخارجية، ومن ثم طلب من جميع المتواجدين الخروج حفاظا على سلامتهم، متحججاً أن المبنى مهدد بالانهيار بعد تضرره أثر الانفجار الذي ضرب المرفأ.
ساحة للمشانق
في هذا الأثناء؛ نشر بعض المحتجين صوراً ومقاطع فيديو من داخل وزارتيّ الخارجية والاقتصاد، رافعين لافتات خاصة بهم على جدران الوزارتين، مطالبين فيها بنزع السلاح في مدينة بيروت، بالتزامن مع اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن قرب مبنى البرلمان في العاصمة، وشاهد الآلاف من اللبنانيين حين ألقى المتظاهرون صورة الرئيس ميشال عون، ومستندات وزارية من نوافذ مبنى وزارة الاقتصاد اللبنانية المتهمة بالفساد وسوء الأوضاع الاقتصادية.
والتصرف الأخطر من قبل المتظاهرين، حين قام بعضهم بنصب المشانق وسط بيروت للمسؤولين عن كارثة انفجار مرفأ بيروت، التي أسفرت عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف. ووفق «صوت بيروت» فقد لف المتظاهرون «حبل المشنقة حول رقبة مجسم كرتوني للأمين العام لميليشيا (حزب الله) اللبناني، حسن نصر الله، في خطوة رمزية تكشف حجم الغضب المتزايد ضد الحزب المتهم من قبل المحتجين بتنفيذه أجندة إيران على حساب مصالح اللبنانيين والذي يسيطر على المرفأ الذي شهد الانفجار».
وفي تصريحات لوسائل الإعلام المختلفة العربية والغربية، قال المتظاهرون إن «المشانق المنصوبة وسط العاصمة مخصصة للسياسيين والمسؤولين الفاسدين في البلاد». إذ لم يتركوا أي مسؤول في الحكومة اللبنانية الحالية والسابقة من دون مجسمات «الإعدام» فأقدموا على شنق مجسمات للرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري، أيضاً.
«إرهابي إرهابي… حزب الله إرهابي»
تحت هذا الشعار، ودون أي حساب للجهات المعنية، أو لـ«شبيحة حزب الله» الذي كانوا يملئون الشوارع فيما سبق، أظهرت لقطات مصورة احتشاد مئات المحتجين، وهم يرددون شعارات تندد بحزب الله الموالي لطهران، والمسيطر والمتحكم على مرفأ بيروت، وهم ينادون بأعلى صوتهم: «إرهابي إرهابي… حزب الله إرهابي».
وتأتي هذه المظاهرات بعد أربعة أيام من انفجار مرفأ بيروت، بسبب شحنة نترات الأمونيوم المتهم فيها أكثر من جهة لبنانية، وسط تسريب معلومات أن «حزب الله» وقائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي قتل في غارة أمريكية بقرب مطار بغداد الدولي بتحمل المسؤولية الأكبر، هذا الانفجار الذي كان سبباً لأن يخرج آلاف المتظاهرين إلى وسط بيروت حاملين أسماء ضحايا الانفجار في المرفأ تحت شعار «يوم الحساب»، مطالبين بالاقتصاص من المسؤولين عن الفاجعة التي دمّرت عاصمتهم وحولت مرفأها ساحة خراب خردة.
وشهدت الساعات الماضية، موجة استقالات لنواب احتجاجاً على ما وصفوه بـ«الإهمال وسطوة السلاح»، والذي كان سبباً بحدوث الانفجار، وبالتالي ظهور مختلف هذه التداعيات، بعد أن اعترف بعض المسؤولين من خلال تصريحات لهم أن الانفجار ربما تسبب في خسائر تصل إلى 15 مليار دولار، وأن هذه الفاتورة لا يستطيع لبنان تحملها بعد أن تخلف بالفعل عن سداد ديون تتجاوز نسبتها 150 بالمئة من الناتج الاقتصادي وفي ظل جمود محادثاته مع صندوق النقد الدولي، وتراخٍ من الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب، بإيجاد أيّة حلول للمطالب الشعبية منذ أشهر.