أصدر الملك الأردني، “عبد الله الثاني بن الحسين”، في يوليو تموز الماضي مرسومًا بإجراء انتخابات مجلس النواب، التي حدد موعدها مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخابات في العاشر من نوفمبر تشرين الثاني وذلك بعد صدور القرار الملكي بساعات.. ليصدر الملك مرسومًا بحلّ مجلس النواب في شهر سبتمبر أيلول المنصرم.
ورغم ما تعيشه البلاد من أزمة صحية متفاقمة جراء تفشي الوباء وعجز الحكومة الأردنية – الفعلي – على التعامل معه، وما ارتبط به من تراجع اقتصادي ملحوظ زادت وطأته على اقتصاد عمان الذي يعاني أصلًا في بلد يرتبط بالمساعدات الخارجية كثيرًا.. يبدو أن السلطات تصّر على إجراء الانتخابات في موعدها رغم بعض الأصوات المنادية بالتأجيل.. نظرًا للواقع الصحي حيث سجلت البلاد حتى مساء الأحد الماضي، 75.866 إصابة بكورونا، بينها 866 وفاة، و8.321 حالة تعاف..
آلية الانتخاب ودخول البرلمان
تتم الانتخابات البرلمانية الأردنية لعام 2020 بحسب نظام “القوائم النسبية المفتوحة” في الدوائر الانتخابية.. فيختار الناخب قائمة انتخابية ثم يختار من يشاء من المرشحين داخل تلك القائمة.
وبحسب القانون، يشترط في تشكيل القائمة ألا يقل العدد فيها عن ثلاثة مترشحين، ولا يسمح بالترشح الفردي في الانتخابات.. كما يحق للنساء التنافس على 15 مقعد، بواقع مقعد واحد لكل محافظة وفقًا لما يعرف بالكوتا النسائية، أو التمييز الإيجابي.
وبحسب ما أعلنته الهيئة المستقلة للانتخابات، بلغت أعداد القوائم النهائية 294، بواقع ألف و674 مرشحًا، للمنافسة على 130 مقعدًا بمجلس النواب.. موزعين على 12 محافظة وكلها مقسمة إلى دوائر انتخابية باستثناء المحافظات الصغيرة.
هذا ويُشترط في طالب الترشح دفع رسوم بقيمة تعادل 700 دولار أميركي، وتقديم شهادة عدم محكومية، إضافة إلى حصول المرشح على الجنسية الأردنية منذ 10 سنوات على الأقل.
ووفق بيانات الهيئة المستقلة للانتخاب، فإن عدد الناخبين يبلغ نحو 4 ملايين و647 ألف ناخب وناخبة، يُفترض أن يختاروا 130 عضوًا في مجلس النواب.
ويبلغ عدد الدوائر الانتخابية في المحافظات الأردنية ما يلي: العاصمة (خمس دوائر)، أربد (أربع دوائر)، البلقاء (دائرة واحدة)، الكرك (دائرة واحدة)، معان (دائرة واحدة)، الزرقاء (دائرتان)، المفرق (دائرة واحدة)، الطفيلة (دائرة واحدة)، مادبا (دائرة واحدة)، جرش (دائرة واحدة)، عجلون (دائرة واحدة)، العقبة (دائرة واحدة)، بدو الشمال (دائرة واحدة)، بدو الوسط (دائرة واحدة)، بدو الجنوب (دائرة واحدة). وتعامل كل دائرة من دوائر البادية الثلاث (الشمالية والوسطى والجنوبية) معاملة المحافظة.
وبعد عودة الحياة الديمقراطية إلى الأردن في عام 1989، جرى استحداث نظام الكتلة بموجب قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 22 لسنة 1986، بحيث يستطيع الناخب اختيار من يريد من المرشحين بحسب العدد المطلوب لكل دائرة. ثم حدث تحوُّل إلى نظام الصوت الواحد (بحيث يمنح الناخب صوتاً واحداً فقط، بغض النظر عن عدد المقاعد المخصص للدائرة الانتخابية التي يقترع فيها) بحسب قانون الانتخاب المعدل رقم 15 لعام 1993.. واستمر الأخذ بنظام الصوت الواحد حتى انتخابات عام 2010.
ثم جاءت التعديلات الدستورية لعام 2011، ليصدر قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 25 لعام 2012، والذي أخذ بالنظام الانتخابي المختلط (نظام الانتخابات المتوازي)، بحيث يتم تقسيم المملكة إلى الدوائر الانتخابية المحلية والدائرة الانتخابية العامة (قائمة نسبية مغلقة)، ويُدلي الناخب بصوتين: صوت للدائرة الانتخابية المحلية، وصوت للدائرة الانتخابية العامة. وفي عام 2016، صدر قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 6 لعام 2016 وتعديلاته، والذي تبنَّى لأول مرة في تاريخ النظام السياسي الأردني نظام التمثيل النسبي.
انتخاب ثم حظر
أعلن رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، الأحد، إن الانتخابات النيابة بموعدها في 10 نوفمبر/ تشرين ثان الجاري، على أن يعقبها حظر شامل لمدة 4 أيام.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي، عقده الخصاونة في دار رئاسة الوزراء، بعد أنباء وتوقعات بتأجيل الانتخابات، خشية ارتفاع إصابات ووفيات كورونا بالمملكة.. حيث قال الخصاونة: “الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري (10 نوفمبر تشرين ثاني)”.
ليضيف: “النتائح ستعلن في اليوم التالي، حيث سيتم فرض حظر شامل بعد إعلانها بساعة ويستمر حتى صباح الأحد”.
وأوضح الخصاونة أنه تقرر تمديد ساعات الحظر الجزئي للمنشآت التجارية والأفراد ساعة إضافية، اعتبارا من يوم الإثنين.
ويبدأ الحظر المستمر منذ أشهر في التاسعة مساء للمنشآت والعاشرة للأفراد، وحتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي، بحسب الخصاونة.
دعم حكومي
أطلق رئيس الحكومة الأردنية، تصريحات صحافية في وقت سابق، أكد فيها دعم الحكومة الكامل للهيئة المستقلة للانتخاب، لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة، وإسنادها في تحقيق الضمانات بأن تكون العملية الانتخابية نزيهة وشفافة وكفؤة وعادلة.
كما أشار “الخصاونة” إلى أن الأجهزة الحكومية المعنية ستعمل، وفي إطار التعامل مع جائحة كورونا، على توفير كل السبل الممكنة لتوفير الحماية الصحية للمرشحين وأنصارهم، والمقترعين والكوادر، والإشراف على عملية الاقتراع وضمان السلامة العامة للجميع.
ليشدّد رئيس الوزراء على الاحترام المقدَّس لاستقلالية الهيئة وقانونها، لافتاً إلى أن الهيئة شكلت علامة فارقة حتى في إطار التعديلات الدستورية عام 2011.
ضرورة الانتخابات
يحظر الدستور الأردني حاليًا غياب مجلس النواب لأكثر من 4 شهور، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 68 من الدستور على أنه يجب إجراء الانتخاب خلال الشهور الأربعة التي تسبق انتهاء مدة المجلس، فإذا لم يكن الانتخاب قد تم عند انتهاء مدة المجلس أو تأخر بسبب من الأسباب يبقى المجلس قائمًا حتى يتم انتخاب المجلس الجديد..
وتجرى الانتخابات البرلمانية في الأردن ضمن قانون القوائم، الذي تم إقراره في عام 2016، كبديل عن قانون “الصوت الواحد” الذي لا يسمح سوى باختيار مرشح واحد.. بعكس قانون القوائم الذي يسمح بمنافسة أكثر من قائمة تفوز منها من تحقق أعلى الأصوات.
جدلية التأجيل
رغم تأكيدات الحكومة، والهيئة المستقلة للانتخابات التي اتخذت إجراءات حاسمة.. تستمر الأقاويل حول مصير الانتخابات النيابية المقبلة، حيث يرى البعض إمكانية تأجيلها بسبب الوضع الوبائي الآخذ في التزايد نحو الأسوأ، بخاصة بعد الانتكاسة الكبيرة في عدد الإصابات بفيروس كورونا بين الأردنيين.
وتواجه الحكومة الأردنية معضلة نسبة الاقتراع المنخفضة التي تتوقعها استطلاعات الرأي، كواحدة من أهم التحديات أمام اكتمال عقد مجلس النواب التاسع عشر في تاريخ البلاد.. بالإضافة للوضع الوبائي
بدوره.. الكاتب الأردني زيد النوايسة، وفي تصريحات إعلامية سابقة، أشار إلى أن “هناك مَن يدعم سيناريو تغيير موعد الاقتراع، طالما أنه متاح دستوريًا، في حال انتشار الوباء بشكل يتعذر معه إجراء الانتخابات بسبب خطورة ذلك، وقلقًا من تدني نسبة المشاركة”.
ليتساءل النوايسة حينها حول ما إذا كان بالإمكان السيطرة على الوباء خلال الفترة المقبلة “ما يجعل الخيار الوحيد حينها دعوة مجلس النواب المحلول إلى الانعقاد من جديد”.
أما وزير الشباب الأردني السابق “محمد أبو رمان”، فاعتبر أن مخرجات نتائج الاستطلاعات الأخيرة حول المشاركة في الانتخابات “جرس إنذار”، حيث يرغب وفق النتائج 25 في المئة فقط من الأردنيين في الاقتراع.
وبحسب “أبو رمان” فإن “سوء إدارة الحكومة لملف كورونا أثّر كثيراً على نسبة الراغبين في المشاركة في الانتخابات، وأن حالةً من الإحباط وخيبة الأمل تسيطر على المزاج الشعبي في الأردن”.
وقبل شهر تقريبًا.. لم يلغ المتحدث باسم الهيئة المستقلة للانتخاب “جهاد المومني”، إمكانية تأجيل الانتخابات، إلا أنه أكد أن القرار النهائي بيد العاهل الأردني.
ليضيف أن “تأجيل الاستحقاق البرلماني خيار وارد، وصلاحياتنا في الهيئة المستقلة للانتخاب تقتصر على تغيير موعد الاقتراع وليس تأجيل الانتخابات، وآخر موعد دستوري ممكن للاقتراع هو 27 يناير (كانون الثاني) المقبل”.. وهذا ما أكده الخبير الدستوري طلال الشرفات، بقوله إن “دور الهيئة المستقلة للانتخاب هو دور تنظيمي بحت لا يرقى إلى مستوى الصلاحيات الدستورية في هذا الشأن”.
في حين يطرح مراقبون إمكانية اللجوء إلى خيار الاقتراع إلكترونيًا في حال استمرار ارتفاع المنحنى الوبائي، وتزايد عدد الاصابات بكورونا.. أما “المومني”فأشار إلى إمكانية اللجوء إلى خيار تأجيل الانتخابات في دوائر بعينها إذا كان عدد الإصابات بالوباء فيها مرتفعًا.
من جهته، أكد رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب “خالد كلالدة” إمكانية إعادة النظر بموعد الانتخابات في حال تطورت الحالة الوبائية للجائحة العالمية.
عقبات أخرى “المال والرشاوي”
بدأ ما يعرف بالمال السياسي، النشاط في مختلف الدوائر الانتخابية، مع قرب الانتخابات البرلمانية المقررة بعد أيام.. مع تشدد الهيئة المستقلة للانتخاب إجراءات الرقابة والمتابعة الميدانية للحد من تلك الممارسات.
وقد جرم قانون الانتخاب أي ممارسات من قبل المرشحين للانتخابات والناخبين تنطوي على تقديم ما يوصف بـ “المال الأسود” بأي شكل من الأشكال .
وفي تصريحات سابقة لوسائل إعلامية، أعلن المتحدث باسم الهيئة المستقلة للانتخاب جهاد المومني، أن “الهيئة تنظر في العديد من البلاغات الواردة إليها بشأن تقديم بعض المرشحين مالاً سياسيًا أسود لكسب أصوات الناخبين، حيث يتم التحقق وإحالة الصحيحة منها إلى القضاء”.
ليوضح المومني حينها أنه ” تم إحالة 3 قضايا الى المدعي العام، بعدم التحقق من البلاغات المقدمة بشأنها، حيث تفرض الهيئة رقابة مشددة على مجريات العملية الانتخابية في الدوائر كافة ومتابعة مدى الالتزام بأحكام القانون”.
ولضبط العملية الانتخابية والتصدي للمال الأسود، قال الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب أن القانون ألزم كل قائمة انتخابية بفتح حساب بنكي مشترك لمتابعة الأمور بتفاصيلها كافة بما في ذلك الحملات الانتخابية والإنفاق عليها.
حيث يجري فتح حساب بنكي بأسماء المرشحين لغايات موارد وأوجه الصرف على الحملة الانتخابية ترصد فيه المبالغ المخصصة للحملة ويتم الإنفاق منه على الأوجه المحددة في نموذج الإفصاح المعد لهذه الغاية، ويغلق الحساب بانتهاء العملية الانتخابية.
وقال المومني إن “قانون الانتخاب تضمن عقوبات بحق المتعاملين بالمال الأسود وأي ممارسات تؤثر في خيارات الناخبين واستمالتهم للانتخاب”.
عقوبات وإجراءات
زادت الشكاوى من بروز ظاهرة المال السياسي وشراء الأصوات، الأمر الذي يعاقب عليه القانون بالسجن لمدة سبع سنوات.. حيث يشير بعض المراقبين أن المال السياسي، أصبح سيد الموقف في العديد من الدوائر الانتخابية، حيث يستخدم بعض المرشحين المال لشراء الأصوات وتغيير اتجاهات الناخبين..(مبالغ محددة تتراوح بين 100 و150 دولاراً للصوت الواحد)
مشيرين إلى أن هذا المال نشط حتى في الانتخابات التمهيدية التي تجريها بعض العشائر والمناطق لفرز مرشح يمثلها في الانتخابات النيابية، وقد تمكن البعض من الحصول على غالبية أصوات قاعدته الانتخابية الصغيرة في الانتخابات الداخلية الخاصة بعدد من العشائر والمناطق والتي تجري منذ أسابيع.
وبحسب المادة 20 من قانون الانتخابات.. يحظر على أي مرشح أن يقدّم من خلال قيامه بالدعاية الانتخابية هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو معنوي، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة غيره بما في ذلك شراء الأصوات.
كما يشدد القانون على أي شخص أن يطلب مثل تلك الهدايا أو التبرعات أو المساعدات أو الوعد بها من أي مرشح.
حيث أنه وبموجب قانون الانتخاب يعاقب بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على سبع سنوات؛ كل من أعطى ناخبا مباشرة أو بصورة غير مباشرة أو أقرضه أو عرض عليه أو تعهد بأن يعطيه مبلغاً من المال أو منفعة أو أي مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع عن الاقتراع أو للتأثير في غيره للاقتراع أو الامتناع عن الاقتراع.
كما يعاقب بهذه العقوبة كل من قبل أو طلب مباشرة أو بصورة غير مباشرة مبلغاً من المال أو قرضاً أو منفعة أو أي مقابل آخر لنفسه أو لغيره بقصد أن يقترع على وجه خاص أو أن يمتنع عن الاقتراع أو ليؤثر في غيره للاقتراع أو للامتناع عن الاقتراع.
يذكر هنا، أن ما يعرف بـ “سماسرة شراء الأصوات” ينتشرون في بعض المناطق، ويعملون بشكل سري خوفًا من الملاحقة القانونية ومهمتهم شراء الأصوات لمصلحة بعض المرشحين.
الإسلام السياسي يشارك
في الـ 21 من أيلول سبتمبر الماضي، أعلن حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) مشاركته في الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في 10 نوفمبر الحالي.. بحسب بيان صادر عن الحزب قرأه نائب الأمين العام وائل السقا.
حيث دعا الحزب الاردنيين إلى أن “يتوجّهوا نحو صناديق الاقتراع لدعمنا، فمنكم الدعم ومنّا الوفاء، رفعةً لهذا الوطن، وإسناداً له في وجه كل المؤامرات والمكائد”.
وشارك الحزب ابسم “كتلة الإصلاح”، بالانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2016، بعد مقاطعتها لدورتين أجريتا عامي 2010 و2013، وحاز على 16 مقعدا.
وأوضح بيان الحزب أن “قرار المشاركة جاء بعد لقاءات مستمرة، ومداولات شورية بمراكز صنع القرار في مؤسسات الحزب”.
حيث برر البيان التراجع عن المقاطعة وقرار المشاركة في المعركة الانتخابية أن غياب الحزب عن البرلمان يُعدُّ “انسحابًا من تلك المعركة وهروبًا من المسؤولية، وتحقيقاً لأمنيات أولئك المُغرضين بإخلاء الساحة لهم، لتخلو لهم الأوطان لتمرير مشروعاتهم”، وفق بيانه.
يذكر هنا أن السلطات القضائية الأردنية في 16 حزيران يونيو، حلّ جماعة الإخوان التي تشكل مع ذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي، المعارضة الرئيسية في البلاد، وذلك “لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية”.. لتنزل محلها “جمعية الإخوان المسلمين” التي نشأت في 2015 على أيدي أعضاء في الجماعة انشقوا عنها.
حيث تأزمت العلاقة منذ ذلك الحين بين جماعة الإخوان المسلمين والسلطات، واتهمت الحركة الإسلامية السلطات بمحاولة شق الجماعة.
ويبعث قرار المشاركة بالانتخابات مؤشرات عن ترجيح كفة جناح المشاركة (الحمائم) على حساب تيار المقاطعة (الصقور) بعد جدل استمر لعدة أشهر..
وانطلق القرار في ظل تخوف من تراجع الدور السياسي وتآكل الحضور المجتمعي ورغبة في تجاوز الانقسام والتفكك الداخلي، وهو ما يعكس إدراك قادة وكوادر الحزب لتكلفة المقاطعة التي سبق أن طبقها في دورتين انتخابيتين في عامي 2010 و2013، أو ما أسماه بيان الحزب بـ “الانسحاب من المعركة والهروب من المسؤولية”.
ضغوط على النساء
يعاني المجتمع الأردني من تحكم أعراف قبلية وتقليدية في مزاجه العام والتي تحكم تصرفاته حيال ترشيح النساء إلى البرلمان.. وبحسب الهيئة المستقلة للانتخاب، فإن عدد القوائم النهائية المترشحة للانتخابات بلغ، بعد تسجيل الانسحابات، 294 قائمة، وعدد المترشحين داخل هذه القوائم 1674 مرشحًا، منهم 1314 ذكور، و360 إناث.
هذا وأظهرت دراسة مسحية استهدفت أكثر من ثلث النساء المترشحات لانتخابات مجلس النواب أن 46 % منهن تعرضن لضغوطات لمنع ترشحهن، سواء من عشيرة المرأة نفسها أو عشيرة زوجها. وقام بالدراسة تحالف “عين على النساء” لمراقبة الانتخابات من منظور النوع الاجتماعي، الذي تقوده جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن”.
حيث أوضحت الدراسة أن ضغوطات مورست على النساء للانسحاب من الترشح، كان أبرزها التنمر الإلكتروني وخطاب الكراهية القائم على الجنس وعلى مظهرهن.
لتوضح الدراسة التي أعلنت نتائجها في الفترة السابقة، أن 91 % من المترشحات اتخذن قرار الترشح وحدهن، لقناعتهن بأهمية دور النساء في المشاركة في إدارة الشأن العام، وأفادت 9 % بأن قرار ترشحهن اتخذ من أشخاص آخرين.. فمنهن من ترشحت بطلب من الزوج أو الأهل، ومنهن من ترشحت بطلب من الحزب السياسي الذي تنتمي إليه، وآخريات ترشحن بطلب من مرشحين آخرين لضمهن إلى القوائم الانتخابية مع التكفل بكل المصاريف، بما فيها الدعاية الانتخابية.
ونوهت الدراسة إلى أن 46 % من المترشحات كانت لديهن تجارب انتخابية سابقة، ما بين الانتخابات النيابية والبلدية واللامركزية، وأن 23% منهن قد نجحن سابقًا في الانتخابات للمجالس المختلفة، و77% منهن لم يحالفهن الحظ، كذلك أفادت 54 % من المترشحات بأنْ ليس لديهن أي خبرات أو تجارب انتخابية سابقة.
وعن شكل النظام الانتخابي الحالي (نظام القائمة النسبية المفتوحة)، أظهرت الدراسة أن 52 % من المترشحات غير راضيات عن النظام الحالي، لأنه لا يوفر فرصًا تنافسية متساوية لكل من الذكور والإناث.. لكونه نظاماً يحدّ من قدرة النساء على التنافس ويعزز العشائرية ويكرس صورة شكلية للنساء في القوائم لا وزن لها، لغايات الحصول على مقعد الكوتا أو لجلب المزيد من الأصوات للقائمة ذاتها، ولا يسمح لهن من الناحية العملية الفوز بالمقاعد التنافسية.
حيث طالبت المترشحات بإعادة النظر بقانون الانتخاب وتعديله ليكون أكثر عدالة، واقترحن الأخذ بنظام القائمة النسبية المغلقة مع التزام التمثيل المتوازن أفقيًا وعموديًا.
ووجدت 48 % منهن أن النظام الانتخابي يوفر هذه الفرص المتساوية، حيث يمكن النساء الفوز تنافسيًا أو الفوز بمقاعد الكوتا النسائية.
في حين واجهت 48 % من المترشحات تمييزاً في حملاتهن الانتخابية لكونهن نساء، وتنوعت أشكال التمييز وتعددت، منها استبعادهن من بعض النشاطات الدعائية كاللقاءات والحوارات والمناظرات والبرامج الإعلامية، إلى جانب التنمر الإلكتروني الممارس على مواقع حملاتهن الإلكترونية، والتعليقات السلبية على صورهن ومظهرهن ولباسهن، والتحريض على عدم التصويت لهن، والتحذير من إمكانية حصولهن على المقاعد التنافسية.
كما أشارت 49% من المترشحات أن ثمة نساءً يقدن حملاتهن الانتخابية – وأغلبهن من القريبات- فيما أفادت 51 % منهن بأن رجالاً من الأقارب يقودون حملاتهن الانتخابية، وتعتمد المترشحات الحزبيات على أحزابهن لإدارة الحملات الانتخابية.
أما 63 % من المرشحات،فذكرت بأن لديهن فرصًا للفوز بالمقاعد التنافسية، مقابل 37 % منهن لا يجدن هذه الفرص، لذا فإنهن ينافسن على مقاعد الكوتا النسائية فقط، ومع ذلك، فإن 92.3 % من المترشحات يخططن للفوز على مقاعد الكوتا النسائية مقابل 7.7% منهن لا يخططن لذلك.
هذا وذكرت دراسات متخصصة أن نظام القائمة النسبية المُطبَّق حاليًا أثار مطالبات بتعديله.. حيث أسهم في إضعاف تمثيل الأحزاب السياسية وزيادة فرص المستقلين والمنتمين للعشائر، وخاصة في المناطق الريفية.
وقد طالب الداعين إلى تعديل هذا النظام بزيادة عدد المقاعد البرلمانية، واعتماد النظام الانتخابي المختلط الذي يقوم على الجمع بين نظام التمثيل النسبي ونظام الدوائر الفردية، وأن يتم تقسيم الدوائر الانتخابية إلى الدوائر الانتخابية الكبيرة على مستوى المحافظات ومناطق البدو والدوائر الانتخابية الصغيرة على مستوى التقسيمات الإدارية داخل المحافظات ومناطق البدو.
إلا أن السلطات الرسمية لم تستجب لهذه الدعوات، وبالتالي سوف تُجرى الانتخابات البرلمانية المقبلة في 10 نوفمبر تشرين ثاني الحالي، وفقاً لمرسوم ملكي صادر في 29 يوليو تموز الماضي 2020.
حقوق النشر والطباعة ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا©