لم تمر سوى ساعات على إقالة وزير الداخلية التونسي، “توفيق شرف الدين”، حتى واجه رئيس الحكومة “هشام المشيشي”، أزمة جديدة داخل قبة البرلمان، عنوانها الرئيسي، الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الحكومة إلى فرنسا، مؤخراً.
يشار إلى أن “المشيشي” كان قد قام بزيارة غير معلنة للعاصمة الفرنسية، باريس، ما أثار حالة من الجدل داخل الأوساط السياسية التونسية حول أسباب الزيارة وأسباب عدم الكشف عنها.
شد الحبل
يوضح المحلل السياسي، “لحبيب داوود” أن طرح مسألة الزيارة إلى فرنسا من قبل الكتلة الديمقراطية، المكونة من حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب، يكشف عن وجود ضغط على الحكومة من جانبين، الأول هو حركة النهضة والمعسكر الموالي لها، والثاني هو التيارات المعارضة للحركة، لافتاً إلى أن الساحة الحكومية تشهد شد حبل بين المعسكرين.
يذكر أن قضية الزيارة تناولتها العضو في الكتلة الديمقراطية، “سامية عبو”، والتي أشارت إلى أنه من الضروري أن يعرف الشعب والنواب أين ذهب رئيس الحكومة ولماذا ذهب إلى فرنسا خلسة، على حد قولها، مضيفةً: “كيف لرئيس حكومة أن يتغيب لأربعة أيام”.
في السياق ذاته، يعتبر “داوود” أن كل معسكر من معكسرات النواب يحاول جذب الحكومة إلى طرفه بأسلوب الضغط على رئيسها، موضحاً: “بالأمس ضغطت النهضة لإقالة وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية واليوم التيار المقابل يضغط على رئيس الحكومة ذاته من خلال تحركاته، هذا يوحي بأن مستقبل الحكومة بات على المحك، على الرغم من أنها لم تمضي سوى أشهر”.
يشار إلى أن المصادر التونسية، أكدت وجود صراع خفي بين الرئيس التونسي، “قيس سعيد” وحركة النهضة، لافتة إلى أن الرئيس “سعيد” يعارض فكرة إجراء تعديل على الحكومة بينما تؤيد الحركة ذلك.
انتخابات مبكرة وأزمة بانتظار الحل
أمام ما يتم تداوله في الأوساط السياسية حول طبيعة الأزمة الحكومية ومحاولات الأطراف السياسية الاستئثار بالحقائب الحكومية، يرجع الباحث السياسي “مراد سليم”، الأزمة في البلاد إلى نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، وعدم وجود فائز صريح، وتقارب أعداد المقاعد البرلمانية بين الكتل، معتبراً أن الحل الوحيد لما تشهده تونس يكمن في انتخابات مبكرة.
كما يعتبر “سليم” أن المشكلة ليست بالحكومة ولا برئيسها وهويته، وإنما في التجاذبات السياسية وتوزيع المقاعد، مضيفاً: “في البداية دخلت البلاد في حالة فراغ حكومي، ثم جاء إلياس الفخفاخ والذي لم يستمر سوى أشهر ومن ثم جاء هشام المشيشي والذي يبدو أن عمره في القصر الحكومي لن يكون طويلاً”.
وكانت حكومة “الفخفاخ” قدمت استقالتها بعد 5 أشهر من تشكيلها وسط، ليتم تكليف “المشيشي”، الذي كان يشغل وزير الداخلية في حكومة “الفخفاخ”.
توقعات “سليم” حول مستقبل الحكومة، يربطها أيضاً بموقف الكتل السياسية من النظام الحاكم، وسط المطالبات بالعودة إلى النظام الرئاسية وإلغاء النظام البرلماني، لافتاً إلى أن الخلافات بين الكتل السياسية تتجاوز الصراع على الحقائب وإنما على شكل الحكم ككل.
يشار إلى أن مصادر تونسية كانت قد كشفت في وقتٍ سابق، عن وجود مطالب سياسية يقودها الرئيس “سعيد” لتغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسي وإلغاء نظام الحكم شبه البرلماني، والذي يقوم على توزيع الصلاحيات بين الرؤساء الثلاثة، وهو ما ترفضه النهضة.
حسابات الخاسر الأكبر
الصراع على الحكم ورسم المستقبل السياسي بين الكتل النيابية، ودورها في الأزمة الحكومية، لم تكن الشيء الوحيد، الذي اتفقت عليه التحليلات، حيث يتفق كل من “سليم” و”داوود” على أن الخاسر الأكبر والوحيد في تلك المعارك هو تونس والشعب التونسي، لافتين إلى أن الكثير من الملفات العالقة والشائكة في البلاد، لن تحل في ظل التوتر الحالي.
من جهته، يؤكد المحلل الاقتصادي، “صلاح بن منصور” أن حالة عدم الاستقرار السياسي تمنع الكثير من الحلول للمشكلات الاقتصادية والمعيشية، والتي تعتبر العنصر الأهم بالنسبة للتونسيين، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب ومعدلات الفقر.
وأظهرت بيانات للمعهد الوطني للإحصاء، أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 746.4 ألف عاطل، بارتفاع 19.63 بالمائة عن عددهم في نهاية العام 2019، حيث سجلت البيانات الرسمية عام 2019 ما يصل إلى 623.9 ألف عاطل.