هيئة التحرير
رغم تراجع تفاؤل السوريين في قدرتها على حل أزمة البلاد الممتدة منذ ما يقارب 10 سنوات، يأتي اجتماع اللجنة الدستورية الجديد في مدينة جنيف، اليوم الاثنين، وسط تواصل التوتر السياسي وخلافات وجهات النظر بين الأطراف المشاركة، ما يطرح إشارات استفهام، وفق المحلل السياسي، “رأفت علي”، لافتاً إلى أن الأجواء والظروف المحيطة بالاجتماع لا تبعث بأي تفاؤل.
وتتألف اللجنة من 150 عضو مقسمين بالتساوي بين 50 عضو للمعارضة و50 عضو للنظام و50 عضو لمنظمات المجتمع المدني.
سقف وشروط لا يمكن تجاوزها
أبرز المعوقات التي تمنع اللجنة الدستورية من إحراز أي تقدم في عملها، يحصرها “علي” في المساحة الضيقة الممنوحة لكافة الوفود المشاركة، موضحاً: “بالنسبة للوفد الخاص بالنظام فإن سقف التنازلات، التي يقدمها لا تتعدى تعديل الدستور الحالي بما لا يمس صلاحيات الرئيس وسلطة بشار الأسد السياسية والعسكرية والأمنية، بالإضافة إلى مدد الولاية الرئاسية، في حين أن أدنى مطالب المعارضة، تتمثل بكتابة دستور جديد والدفع باتجاه مرحلة حكم انتقالي، وهو ما يمثل خطوط حمراء بالنسبة لوفد النظام”.
وكانت آخر جلسات اللجنة، التي عقدت في تشرين الثاني الماضي، قد انتهت بعد أقل من ساعات على انطلاقها، بسبب رفض وفد النظام لجدول الأعمال ورفضه مناقشة كتابة دستور جديد للبلاد.
في السياق ذاته، يؤكد “علي” أن كلا الوفدين لا يملكان أي صلاحيات بالتنازل أو تجاوز الخطوط المحددة من قبل الطرف الذي يمثله، ما يشير إلى صعبة أن يحقق الاجتماع الحالي أو الاجتماعات التي تليه، أي تقدم في القضية السورية، ما يعني أن اجتماعات الدستورية تسير على خطى سلسلة اجتماعات جنيف السابقة، التي امتدت إلى عدة اجتماعات ولسنوات لم تسفر عن أي نتيجة، على حد قوله.
توقعات “علي” حيال عقم اجتماع اللجنة الدستورية، أيدها الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “مصطفى حسين”، مشيراً إلى أن عدم وجود أطراف دولية ضاغطة على الوفود المشاركة، يسهم بشكل كبير في عدم وجود أي نتائج، خاصةً في ظل تراجع وتيرة العمليات العسكرية وثبات كل طرف من أطراف النزاع السوري في مناطق سيطرته الحالية.
إلى جانب ذلك، يذهب “مصطفى” إلى أن الانتصارات، التي حققها النظام على أرض الميدان خلال السنوات الثلاث الماضية، وتراجع الخطر عن العاصمة زاد من تعنته ورفضه لتقديم أي تنازلات لصالح المعارضة، سوى في المجال المقبول بالنسبة له، كمنحهم بعض الوزراءات غير السيادية، معتبراً أن مشاركة النظام في اللجنة ليست سوى لعبة سياسية ومراوغة لكسب الوقت.
ظروف لم تتهيأ ودعم خارجي
تزامناً مع انخفاض التوقعات حول نتائج الاجتماعات في جنيف، يؤكد الباحث “مصطفى” أن بقاء المجتمع الدولي والدول الفاعلة في الملف السوري خارج إطار الاجتماعات قلل من فاعلية تلك الاجتماعات، خاصةً في ظل اقتصار التمثيل الدولي على المبعوث الأممي، “جير بيدرسون”، والذي ينحصر دوره بالتنسيق فقط بين الوفود، على حد قول المحلل.
كما يعتبر “مصطفى” أن الظروف السورية لم تتهيأ بعد حتى تتمكن الوفود من تحقيق نتائج أو الوصول إلى تسويات ولو كانت مبدأية لحل الأزمة، دون وجود تدخل خارجي دولي أو عربي، مشيراً إلى أن ابتعاد المجتمع الدولي عن الاجتماعات ولو بصفة مراقب، عقد المسائل وساهم في استمرار المأساة السورية.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد أكدت أنها لن تحضر الاجتماع المعقود حالياً، على الرغم من أن مبعوثها إلى سوريا، قد استبق الاجتماعات بسلسلة لقاءات مع مبعوثين دوليين إلى سوريا، بالإضافة إلى الاجتماع برئيس وفد المعارضة، “هادي البحرة”.
تطورات المشهد السوري وتشابكاته، تحد بدورها من قدرة السوريين على وضع حد لخلافاتهم وإنهاء الأزمة في بلدهم بشكل منفرد، بحسب ما يراه المحلل “عماد عبد الغني”، موضحاً: “على السوريين شعباً قبل حكومةً ومعارضة، أن يدركوا حقيقة أن قضيتهم لم تعد شأناً داخلياً وأنها باتت قضية سياسية معقدة تمتد إلى ما هو خارج الحدود، أكثر من كونها ثورة شعب على نظام، وبالتالي فإن التواجد الدولي ضمن أي جولة مفاوضات بات أمراً حتمياً لحل المعضلة السورية”.
كما يعتبر “عبد الغني”، أن كلا الطرفين المشاركين لا يمتلك التفكير الواقعي والفعلي حيال القضية التي يناقشها، وكلاهما يسعى لاثبات نفسه أمام الطرف الذي يمثله، حتى وإن ساهم ذلك التصلب بامتداد وتعميق الأزمة الإنسانية في سوريا، لافتاً إلى المعارضة حتى الآن، لم تصل إلى مرحلة تتقبل فيها فكرة أنها باتت فاقدة لأي أوراق ضغط على النظام، الذي بدوره لن يقدم أي تنازلات في ظل الظروف الراهنة، إلا في حال توفر ضغط دولي عليه، على حد قوله.
سياسية أكثر من قضية حقوق
المطالب بإسقاط النظام ومحاسبته على انتهاكاته، يرى فيها “عبد الغني” حقوق مشروعة للشعب السوري وللمنطق الإنساني، إلا أنه يشير في الوقت عينه، إلى أن الظروف المحيطة بسوريا وأخطاء المعارضة وعدم وحدتها حولت القضية السورية إلى جانب سياسي أكثر من كونها قضية محقة، لافتاً إلى أن المعارضة مطالبة اليوم بآلية تفكير تعتمد على الأسس السياسة أكثر من اعتمادها فقط على أنها تمثل قضية محقة.
ويضيف “عبد الغني”: “لا يتوقع أحد من النظام الذي قتل أكثر من مليون واعتقل مليونين ودمر بلد بأكملها وشرد أكثر من 10 مليون، أن يسلم سلطته بمفاوضات مع معارضة بيدين خاويتين، هذا جنون ولعب على المشاعر”، لافتاً إلى أن الورقة الوحيدة، التي لا تزال بيد المعارضة هي العمل على تشكيل جبهة دولية ضاغطة على النظام من خلال الحديث بلغة المصالح والعلاقات والعمل السياسي، بعيداً عن لغة الشعارات، التي تطلقها وتتبناها منذ عشرة أعوام.
وكانت الأمم المتحدة قدرت خسائر سوريا جراء الحرب حتى عام 2014 بـ 200 مليار دولار على المستوى الاقتصادي، وهو ما يعتبر آخر إحصائية رسمية للدمار، في حين قدرت عدد القتلى عام 2016 بنحو 400 ألف قتيل موثق، بينما أشارت منظمات حقوقية إلى أن نسبة الدمار في بعض المدن السورية وصلت إلى 90 في المئة من بناها التحتية.
إلى جانب ذلك، يعتبر “عبد الغني” أن تدويل القضية السورية، بات يدعم مطالب المعارضة، أكثر من مطالب النظام، في ظل سيطرة نظام “بشار الأسد” شبه الكاملة على مناطق سيطرة المعارضة ودخول الدعم الروسي له على خط الثورة، مشدداً على أن وفد النظام شارك أساساً في اللجنة ليكسب الوقت ويمد من عمر الأزمة.