رغم ما يتمتع به اللوبي الصهيوني من وزن وتأثير في الولايات المتحدة.. إلا أن اليهود وإسرائيل ينظران بعين الريبة والشك لساكن البيت الأبيض الجديد في نظرة حاذرة مستطلعة ما قد يصدر عنه من قرارات وما يراه من مقاربات تخص قضايا تراها تل أبيب في عمق استراتيجيتها وأمنها القومي.
وشكل رحيل ترامب وصدمة عدم انتخابه دافعًا لنتياهو والساسة الإسرائيليون لوضع خطوطهم الحمراء أمام ساكن البيت الأبيض الجديد “جو بايدن” الذي سبق لهم وتعاملوا معه جزئيًا في عهد إدارة أوباما التي اعتبرتها تل أبيب سببت خروقات وأزمات انتظروا حتى قدوم ترامب للانتهاء منها، ويأتي على رأسها قضيتي الاستيطان وابتلاع الأراضي الفلسطينية.. والقضية المحورية الأهم، العلاقة مع إيران.
ليطلق مراقبون إسرائيليون تصريحات إعلامية تجعل الخلافات المحتملة بين الطرفين (إسرائيل وبايدن) منحصرة بذينيك الملفين.. وبين الضفة ونووي طهران يبقى التساؤل عن وقوع وشدة الخلاف المحتمل بين بايدن وإدارته الديمقراطية من جهة ونتياهو وتحالف أحزابه اليهودية من جهة أخرى.
شبح أوباما
اتسمت علاقة نتنياهو مع أوباما، بالتوتر، بسبب الخلافات المتكررة بشأن موقفيهما بشأن إيران والاستيطان.
فقد أنفذت إدارة “أوباما” الاتفاق الدولي مع إيران عام 2015، كما سمحت لمجلس الأمن الدولي في ديسمبر كانون الأول 2016، بتبني قرار 2334 الذي أدان الاستيطان، واعتبره (بما في ذلك في القدس الشرقية المحتلة)، غير قانوني ودعا إلى وقفه.
ترامب المتساهل
خلال السنوات الـ 4 الماضية، نشأت علاقة مميزة بين رئيس الحكومة في تل أبيب، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي المثير للجدل والتساؤلات، دونالد ترامب، حيث عُرف عن الأخير التماهي بشكل فاضح مع الخطط والرؤى الإسرائيلية – ولأسباب يطول ذكرها – فخرج ترامب من الاتفاق الدولي مع إيران والذي رعاه وأنجزه سابقه باراك أوباما..
ليمنح بعدها إسرائيل أقصى طموحاتها في الأراضي الفلسطينية حين اعترف بالقدس عاصمة لها.. كما منحهم شرعية الاستيطان، سامحًا للإسرائيليين بـ ضم 30% من الضفة الغربية عبر خطته المزعومة السلام والمعروفة إعلاميًا بـ صفقة القرن.
صفقة القرن نفسها التي رفضها الفلسطينيون، سببت لهم عقوبات أمريكية بيد الرئيس ترامب، حيث قطع كامل المساعدات المالية عن الحكومة، والمؤسسات الأهلية، وكذلك عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” التي ترعى وتهتم بـ أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني.
في زاوية أخرى.. مارس ترامب وإدارته ضغوطًا كبيرة، على دول عربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، قبل إنهاء الأزمة مع الفلسطينيين؛ في مخالفة للمبادرة العربية للسلام لعام 2002، التي تربط التطبيع بإنهاء الاحتلال للأراضي العربية المحتلة.
خلافات رغم العلاقات
رأى محللون إسرائيليون ووسائل إعلام أمريكية – فيما نقلته عنهم وكالة الأناضول – أن خلافات محتملة ستنشب بين تل أبيب والإدارة الأمريكية الجديدة
فالعلاقة الشخصية الطويلة التي جمعت بين الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا تعني أن علاقاتهما المستقبلية، ستكون على أفضل حال.
حيث أشار المحللون أنه ومع قرب تنصيب بايدن في العشرين من يناير كانون الثاني المقبل رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، فإن احتمالية نشوب خلافات بين الرئيسين بخصوص ملفي “النووي” الإيراني، والاستيطان الإسرائيلي ومخطط “الضم” بالضفة الغربية.
يخشى محللون إسرائيليون من أن تلك الخلافات، ستعكر العلاقة القديمة بين الرجلين، على غرار ما جرى في الولايتين الرئاسيتين للرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان بايدن نائبًا له.
النووي والأرض
المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحيم، وفي تحليله لوكالة الأناضول، توقع أن تبرُز خلافات بين نتنياهو وبايدن حول الملف الإيراني، والاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
ليوضح بن مناحيم حيثيات رأيه بقوله: “لقد توصل الرئيس السابق باراك أوباما، للاتفاق مع إيران عام 2015 عندما كان بايدن نائبًا للرئيس، وقد وجّه نتنياهو انتقادات حادة لهذا الاتفاق، وهو لا يُخفي الآن معارضته لنوايا بايدن، العودة لهذا الاتفاق، حتى لو مع تعديلات”.
ثم تابع مؤكدًا: “سيكون الملف الإيراني، السبب الأهم والرئيس لخلافات متوقعة بين نتنياهو وبايدن”.
كما نوّه أنّ: “اتجاه نتنياهو وترامب (قبل انتهاء ولايته) للاتفاق على سلسلة عقوبات جديدة على إيران، سيزيد الأمور سوءا، وسيكون من شأن العقوبات تصعيب أي خطوة يفكر بايدن القيام بها، للعودة الى الاتفاق الدولي مع إيران”.
وأما قضية الاستيطان والضم الإسرائيلي لأراض فلسطينية، فأشار “بن مناحيم” إلى أن موضوعها سيفضي إلى خلافات أيضًا بين نتنياهو وبايدن.
حيث بيّن أنه: “كلنا نذكر أن أزمة سياسية نشبت بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عام 2010، عندما أعلن نتنياهو عن بناء استيطاني في مستوطنة (رامات شلومو) بالقدس أثناء زيارة بايدن كنائب للرئيس الى إسرائيل، وفي حينه اعتبر هذا القرار، إهانة”.
ليضيف المختص الإسرائيلي في حديثه: “نتنياهو يعلم جيدا أن بايدن مع خيار حل الدولتين وضد الاستيطان والضم، وهو ما يخالف بشكل كامل سياسة ترامب”.
وبذلك سيسعى نتنياهو للحصول على رسالة ضمانات من ترامب، قبل انتهاء ولايته في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل، وفق توقعات “بن مناحيم”، حيث ستنص على “حق إسرائيل بضم جميع المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية وغور الأردن، وهذا سيشكل ضربة لمواقف بايدن بشأن الاستيطان وحل الدولتين”.
لا طبيعية ولا متوترة
في تصريحه لصحيفة “إسرائيل اليوم”، اعتبر السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، مايكل أورين، أن الرئيس بايدن سيحافظ على “العلاقة الخاصة القائمة بين إسرائيل والولايات المتحدة”.. حيث أن المرشح الديمقراطي جو بايدن، معروف بتأييده لإسرائيل بشكل واضح، وملتزم بالحلف الاستراتيجي بين تل أبيب وواشنطن”.
وذكّر أورين أن “بايدن والسناتور كاميلا هرس، كانا المرشحين الديمقراطيين الوحيدين اللذين عارضا ممارسة ضغط أمريكي على إسرائيل عبر تقليص المساعدة الأمريكية، ومع ذلك، فإن إدارة بايدن المستقبلية ستتحدى إسرائيل، بسبب الخلافات العميقة في موضوعين جوهريين هما؛ الأول؛ المسيرة السياسية التي ستتنكر فيها الإدارة لخطة القرن لترامب، والعودة لمخطط أوباما وكلينتون؛ أي حل الدولتين على أساس حدود 67، وعاصمة فلسطين في القدس الشرقية”.
وأوضح السفير أن “بايدن لن يتصرف مثل أوباما، ولن يحاول تحويلها إلى علاقات طبيعية’”.
ليفسر رؤيته: “ومع ذلك، فإن التساهل الذي حظينا به خلال عهد ترامب قد انتهى، لقد وضع ترامب معيارًا فريدًا، تضمّن فقط المودة وعدم انتقاد إسرائيل، لن يكون هذا هو الحال بعد الآن، لكنه لن يكون كذلك كما كان في عهد أوباما”.
رؤية بايدن
نقلت القناة الإسرائيلية “12”، عن عاموس هوشتاين، المصنف كـ مساعد كبير للرئيس المنتظر “جو بايدن”، قوله إن من المرجح أن تنضم الإدارة الجديدة إلى الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية، بعد وقت قصير من توليه منصبه في 20 كانو ثاني يناير المقبل.
هوشتاين توقع : “أنه في الأشهر الأولى من رئاسته، إما سنراه – أي بايدن – ينضم مجددًا إلى الصفقة بالكامل، أو ما أسميه عناصر الاتفاق الدولي، أي رفع العقوبات، مقابل تعليق بعض البرامج النووية الإيرانية”.
حيث أشار في تلك الزاوية إلى أن بايدن، يريد ادخال بعض التعديلات على الاتفاق الدولي مع إيران، دون أن يذكرها.
من جهته، موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإخباري قال، إن تل أبيب تعتبر أن منع البرنامج النووي الإيراني، بمثابة أولوية قصوى لها، ويصنفه الجيش باستمرار على أنه “التهديد الأكثر أهمية الذي يواجه دولة إسرائيل”.
ليأكد: “منذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في عام 2018، بدأ في فرض عقوبات اقتصادية ساحقة على طهران، وهي الخطوة التي رحب بها نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون، ردت إيران بإنتاج المزيد والمزيد من التخصيب العالي”.
وأوضح: “إيران الآن على وشك أن تكون قادرة على تطوير سلاح نووي، وهو وضع تعهدت إسرائيل بعدم السماح به”.
حوار مطلوب
بناء على تلك التقاطعات.. طالب وزير الطاقة الإسرائيلي من حزب “الليكود” يوفال شتاينتس، بقيام “حوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة لضمان عدم انضمام بايدن إلى اتفاقية 2015 بموجب شروطها السابقة”.
حيث صرّح لإذاعة الجيش الإسرائيلي، قبل ثلاثة أيام “إن هدف إسرائيل يجب أن يكون تفكيك البرنامج النووي الإيراني، وليس تجميده في مكانه”.
الاستيطان.. الحاضر الغائب
تبقى مشكلة جوهرية بين واشنطن وتل أبيب تتجاوز قضية الملف النووي الإيراني، حيث ينتظر المراقبون أن تنشب خلافات تتعلق بالملف الفلسطيني.
كرر الرئيس الأمريكي المنتخب خلال حملته الانتخابية، أنه مع “حل الدولتين” وأنه يرفض الاستيطان والضم الإسرائيلي لأراض فلسطينية، ومع إعادة المساعدات المالية الأمريكية للفلسطينيين، وفتح قنصلية أمريكية عامة بالقدس الشرقية.
وقال مساعد الرئيس الأمريكي “عاموس هوشتاين”، في تصريحاته للقناة الإسرائيلية “12”، إن بايدن “يرى حل الدولتين، بأنه أفضل من الدولة الواحدة، وهو يخشى من أنه إذا لم يطبق حل الدولتين، فإنه في النهاية سيؤدي إلى دولة واحدة ثنائية القومية”.
ليؤكد أن إدارة بايدن “ستعيد القضية الفلسطينية إلى قلب الخطاب”.
عودة وقرارات
في تصريحات لموقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإلكتروني. . اعتبر السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، دانيال شابيرو، أن بايدن سيعمل على “استئناف المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي ستؤدي في النهاية إلى حل الدولتين”.
شابيرو في تصريحاته الصحفية قال “ستبقى السفارة في القدس، لكننا قد نشهد فتح قنصلية أمريكية للفلسطينيين في شرق المدينة، وعودة أموال المساعدات، ربما حتى للأونروا (وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين)، من المحتمل أن تعود بعثة فلسطينية في واشنطن مرة أخرى، وسيستقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرة أخرى مظاهر الحب والدفء”.
يذكر هنا أن إسرائيل تأملت تنفيذ خطة “الضم”، في فترة الولاية الرئاسية الثانية لترامب.
حيث سبق لنتنياهو أن قال في أكثر من مناسبة في الأشهر الماضية إن تنفيذ الضم، يتطلب تنسيقًا مسبقًا مع الولايات المتحدة الأمريكية وموافقة منها لضمان الاعتراف الأمريكي به.. إلا أن بايدن، أعلن أيضًا إنه يعارض “الضم” كما يعارض الاستيطان.
آراء مغايرة
نقلت BBC عن رشاد أبو داود في الدستور الأردنية أن بايدن سوف يعود، لتأييد مبدأ حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي..
حيث أوضح أن : “المطلوب من الفلسطينيين والعرب الآن دراسة الوضع الأمريكي الجديد، وإعداد خطط لاستغلال عهد بايدن حتى لا نعود إلى الدوران في دوامة حل الدولتين، الذي أقره قرار تقسيم فلسطين عام 1947 ثم قرار 242 عام 1967، وجدد طرحه بوش الابن و لم يأت بدولة فلسطينية حتى الآن”.
في حين توقع أمين محمد حطيط في البناء اللبنانية أن: “صفقة القرن سيكون التجميد فيها هو الوجهة المرجحة، مع وجود بايدن في السلطة مع ما سيشكل تجميدها من ترددات سلبية..”
حيث رأى أنّ “مشروع بايدن لحلّ القضية الفلسطينية قائم على أساس الدولتين في غير صيغة صفقة القرن، وسيعود هذا المشروع إلى الواجهة أخذًا بعين الاعتبار الخطوات التي تحققت، في إطار الصفقة التي لم ينفذ منها ما يجعلها نهائية غير قابلة لإعادة النظر، حيث إنّ حجم العوائق لاكتمال التنفيذ بات الآن أكبر بكثير، من حجم الضغوط من أجل تمريرها”.
أما يوسف مكي في الخليج الإماراتية فاعتبر أن الأمر “الذي لا شك فيه، أن صفقة القرن ستكون من الماضي، وستنتهي بانتهاء عهد ترامب. لكن ذلك لا يعني أن التحالف الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل سيتراجع عما كان عليه في السابق، بل سيأخذ أشكالاً أخرى” بحسب مكي.
أوباما الغائب الحاضر
أطلق جنرال إسرائيلي رؤية صادمة عن خوفه من بقاء واستمرار تأثير للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، على نائبه السابق جو بايدن.
الجنرال “رافائيل بوخنيك” حذر في مقالته على موقع نيوز ون الإخباري، الذي ترجمته وسائل إعلامية إن “مؤشرات وعوامل التقويم في إسرائيل للساكن الجديد في البيت الأبيض تطرح سيناريو يعتبر فيه على أنه “واجهة”، في حين أن من يحرك الخيوط وراء الكواليس هو أوباما، مع العلم أن انتصار بايدن قوبل بنوع من تنفس الصعداء، وبث الأمل في صفوف اليسار السياسي في إسرائيل، ومشاعر خيبة الأمل والقلق مفهومة من قبل اليمين المتطرف”.
الجنرال بوخنيك، الذي هو زميل باحث في معهد بيغن-السادات، نوّه إلى أنه “في الوقت الحالي في إسرائيل اتجاه عام يقدم بايدن كصديق حقيقي، وليس أقل من ذلك لبنيامين نتنياهو، ويلتزم دائمًا بمبادئ العلاقات الخاصة مع إسرائيل، كما يرى الإسرائيليون فيه التزاما بأمنها، والحاجة للحفاظ على تفوقها العسكري النوعي بالشرق الأوسط، وبالتالي فإن الاضطرابات الواضحة بواشنطن ستعكس إلى حد كبير تغييرًا في الأسلوب، ولكن ليس في الجوهر”.
هذا وبعث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد الماضي، بتهانيه لـ جو بايدن على فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. حيث وصفه بأنه “صديق عظيم لإسرائيل”، كما توجه بالشكر للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب على رفع العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة إلى “ذروات لا مثيل لها”.
وكتب نتنياهو في تغريدة على حسابه على تويتر “نهنىء جو بايدن وكامالا هاريس”. وأضاف: “جو نعرف بعضنا منذ حوالى أربعين عاما وعلاقتنا دافئة وأنا أعلم أنك صديق عظيم لإسرائيل”.