تسبب قرار الرئيس الأمريكي – المنتهية ولايته – دونالد ترامب بالخروج من الاتفاق النووي مع إيران.. بتوتير العلاقات بين طهران وواشنطن؛ اتبعت فيها الأخيرة سياسة الضغط القصوى بهدف دفع إيران للدخول في مفاوضات جديدة وفق شروط ونقاط لم يتضمنها الاتفاق السابق.. الأمر الذي رفضته طهران خلال الفترات الماضية مراهنة على الصمود في وجه العقوبات ومتأملة أن انتخاب رئيس جديد – غير ترامب – سيدفع بالعلاقات بين الجانبين لمرحلة أسلس وقد يعيد الحياة للاتفاق القديم الذي دخل بمرحلة موت سريري.
بينما اعتمد ترمب سياسته “ضغوط قصوى” تجاه إيران، وبمقتضاها انسحب عام 2018 بشكل أحادي من الاتفاق حول البرنامج النووي المبرم بين طهران والقوى الكبرى.. أعاد فرض عقوبات اقتصادية قاسية أرهقت كاهل الاقتصاد الإيراني.
إثر ذلك.. قامت إيران بعد نحو عام من هذا الانسحاب، بالتراجع عن تنفيذ التزامات واردة في الاتفاق الذي ثُبت في إطار قانوني مثله، قرار مجلس الأمن الدولي 2231.
نشير هنا أن الاتفاق المبرم في فيينا بين إيران من جهة، وكل من “الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، وروسيا، وألمانيا” من جهة أخرى، قاد إلى رفع العديد من العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران، مقابل خفض طهران بعض أنشطتها النووية وضمان القوى الكبرى أن هذا البرنامج لا يتضمن أي أهداف عسكرية.. حيث أصرت إيران على أنها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي!
إصرار وتعنت
قبل شهرين، أعلن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أنه لم يبق أمام الولايات المتحدة الأمريكية، حل سوى العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه عام 2018.
ليؤكد روحاني في تصريحات أدلى بها، بعد اجتماع للحكومة، أن واشنطن “أخطأت في الحساب” منذ انسحابها من الاتفاق النووي، متبجحًا أن طهران تتعرض لكافة أنواع الضغوط منذ 3 أعوام.
ليشير إلى أن الولايات المتحدة وضعت العديد من الصعوبات والعراقيل أمام إيران، وأن الإدارة الأمريكية لم يعد لديها حل سوى العودة إلى الاتفاق النووي.
وقال وقتها:” الأمريكان لن يستطيعوا الوصول إلى أهدافهم (فيما يخص إيران). إنهم نادمون وعليهم أن يتراجعوا عما هم عليه الآن، وسيفعلون ذلك. إنه طريق مسدود بالنسبة للولايات المتحدة وعليها التراجع عنه، وإلا ستواجه عراقيل كبيرة.”
وبعيد انتخاب المرشح للرئاسة الأمريكية، جو بايدن، وكأول رد إيراني على فوزه في انتخابات الثالث من نوفمبر تشرين الجاري.. دعا الرئيس الإيراني بايدن إلى “تعويض أخطاء الماضي” وإعادة الولايات المتحدة إلى اتفاق طهران النووي لعام 2015 مع القوى العالمية..
ونقلت قبل أيام، وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن روحاني قوله “الآن، سنحت الفرصة للإدارة الأمريكية القادمة لتعويض أخطاء الماضي والعودة إلى طريق الامتثال للاتفاقيات الدولية من خلال احترام المعايير الدولية”.
بايدن ومراجعة الحسابات
أبدى جو بايدن، الناجح في انتخابات الرئاسة الأمريكية مؤخرًا؛ نيته “تغيير المسار” المعتمد مع طهران، حين تحدث عن إمكان عودة بلاده إلى الاتفاق المبرم عام 2015، في حال عادت إيران إلى تنفيذ التزاماتها وفق الاتفاق.
وأثناء حملته الانتخابية، اعتبر بايدن قرار ترامب السابق بالخروج من الاتفاق النووي بأنه “طائش”.. حيث كتب بايدن في مقال افتتاحي لشبكة سي إن إن في أيلول سبتمبر الماضي: “سأقدم لطهران طريقًا موثوقًا به للعودة إلى الدبلوماسية.. إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستنضم إلى الاتفاقية كنقطة انطلاق لمفاوضات المتابعة”.
إلا أن بايدن استدرك وشدد على أنه سيكون “صارمًا” مع إيران، وربط أي عودة محتملة الى الاتفاق النووي، بعودة طهران لكامل التزاماتها.
وتستند رؤية وعقيدة جو بايدن، على عدم اللجوء إلى القوة المسلحة إلا إذا هُددت المصالح الأميركية، وكانت نتيجة توظيف القوة مضمونة، حيث يؤمن الرجل بعقد التحالفات والعلاقات الشخصية لمصلحة السياسة الخارجية، إلى جانب رؤيته ضرورة التعاون مع الشركاء والحلفاء الدوليين.
شروط ظريف (لا شروط)
تلقف الساسة الإيرانيون تصريحات بايدن وتغير السياسة الأمريكية تجاه طهران في عهده.. بتفاؤل حذر؛ خصوصًا مع الشروط التي وضعها بايدن ومعرفتهم بمدى الصعوبات التي قد تعترض طريقه للعودة إلى ماقبل عهد ترامب ببساطة.
ورحب وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف، برغبة بايدن “تغيير المسار”.. حيث أعلن اليوم أن طهران مستعدة للعودة “تلقائياً” إلى الالتزامات الواردة في الاتفاق النووي، في حال رفع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن العقوبات التي فرضها سلفه دونالد ترمب بعد انسحابه منه قبل عامين.
وفي لقاء نشر اليوم مع صحيفة إيران “الحكومية”، قال ظريف: “ثمة أمر يمكن القيام به بشكل تلقائي ولا يحتاج إلى أي شروط أو تفاوض..
تنفذ الولايات المتحدة التزاماتها بموجب القرار 2231، ونحن ننفذ التزاماتنا بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي).” وهو ما لا يحتاج مفاوضات بحسب الدبلوماسي الإيراني.
حيث اعتبر وزير الخارجية الإيراني أن رغبة بايدن في العودة إلى الاتفاق هي أمر “جيد جدًا”، ليشدد على أنه “في حال عودة (واشنطن) إلى التزاماتها، ما سنقوم به سيكون سريعًا. هذا يعني أننا سنعود إلى التزاماتنا؛ هذا الأمر لا يحتاج إلى تفاوض”، وأن إيران “لن تقبل أي شرط” لذلك.
بشكل موازٍ.. حاول نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن يمرر إلى مستشاري بايدن عبر وسطاء إصرار طهران على عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق الإيراني دون قيد أو شرط قبل استئناف أي محادثات – وفق تقرير للحرة – عن دبلوماسيين إيرانيين.
تحديات وعراقيل
حتى لو صدق بايدن في رغبته بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي صاغته إدارة أوباما (التي كان نائبًا للرئيس فيها) فإن عراقيل كبيرة وكثيرة تحول دون عودة الرجل لتلك المرحلة بتلك السهولة.
ويواجه كلا الجانبين تلك العقبات في تحديات قائمة يجب النقاش والحوار والسعي لحلحلتها – لو أثبت بايدن جديته في العودة – حيث يأتي على رأسها العقوبات المالية المفروضة على الاقتصاد وقطاع المصارف الإيراني بتهم تمويل الإرهاب، وهي مسألة أثقلت كاهن إيران بشدة (أشارت تقارير لوجود 10 كليار دولار فقط في احتياطي طهران).. وينجم تعقيد تلك النقطة ما يتطلبه رفع العقوبات من موافقة الكونغرس بغرفتيه (النواب والشيوخ) على تلك الخطوة التي قد يعرقلها – بشكل مرجح – النواب الجمهوريون.
نقطة ثانية مثلتها الشروط الإيرانية بضرورة التعويض “الاقتصادي” عما أصابها من خسائر اقتصادية نتيجة سياسة الضغط الأقصى.. وما أعلنه جواد ظريف سابقًا، أنه لا تفاوض على بنود جديدة، خصوصًا وأن بعض بنود الاتفاق المبرم عام 2015 قاربت على الانتهاء، ولا تريد طهران البدء من جديد.
لكن بايدن ضمنيًا، يميل لتعديل الاتفاق السابق حيث يشترط أن تعود الولايات المتحدة للاتفاق من خلال إطار أوسع يشمل النشاط الإيراني الإقليمي، مع التركيز على ملف حقوق الإنسان في إيران.. ورغم تناسيه الكلام عن منظومة الصواريخ الباليستية، لكن يستبعد مراقبون عدم تضمينها الحوارات المحتملة.. ما يبعث تساؤلات عن موافقة طهران على ذلك التضمين في الشروط الجديدة، خصوصًا وأن طهران استثمرت بكثافة في القدرات اللا متماثلة، كمنظومة الصواريخ الباليستية.. لتعويض أوجه القصور في أسلحة الدفاع التقليدية..
العقبة الثالثة – وفق تقارير إعلامية وآراء خبراء – التي يجب العمل على تداركها ترتبط بكون الرئيس روحاني ومعه الوزير ظريف كانا من أوائل من دعا بايدن إلى العودة للاتفاق.. واحترام الولايات المتحدة تعهداتها الدولية
حيث أكد روحاني أن الأجواء باتت جاهزة لذلك.. في تصريحات تعكس رغبة دفينة لدى الرئيس الإيراني أن تتم العودة للاتفاق أثناء الأشهر القليلة الباقية من ولايته، بشكل يحسن صورة إدارته المتراجعة أمام المواطنين..
وحين سيتسلم بايدن الإدارة الأميركية في يناير كانون الثاني المقبل، ستكون هناك بضعة أشهر قبل الانتخابات الرئاسية في إيران، والمقرر إجراؤها في يونيو حزيران القادم.. أي على بايدن الانتظار حتى إجراء انتخابات جديدة، وما ستسفر عنه من إدارة تريد إيران مواجهة العالم بها.. مع تنامي سيطرة الجناح المتشدد على مفاصل القرار في إيران. (لو وصل رئيس متشدد من الحرس الثوري فذلك يعني بحسب المراقبين عسكرة للسلطة التنفيذية في إيران). أي ما يعني تعقيدًا محتملا في وجه بايدن ورغبته – إن أراد – في إعادة دمج نظام إيران بالمجتمع الدولي في حين قد يحكم العسكر علانية البلاد ويقوضون سلم الإقليم واستقراره ويزيدون وضع المشهد الإقليمي تعقيدًا.
أهمية الاتفاق وضرورة العودة
تدرك طهران أن إطار الاتفاق النووي يمنحها شرعية العودة للمجتمع الدولي والاندماج معه اقتصاديًا وسياسيًا ويعزز الاعتراف بها..
لذلك فإن الاتفاق النووي كإطار دولي متعدد الأطراف يعطيها مكانة دولية أهم من السلاح النووي ذاته..
تقاطعات تفرض نفسها على المشهد الداخلي الإيراني بشكل يستوجب تغير ميزان القوى الداخلية الإيرانية ليصبح لمصلحة الإصلاحيين ضد الجناح المتشدد بشكل يشجع إدارة بايدن على العودة إلى الاتفاق مجددًا..
ففي حال بقاء المتشددين والحرس الثوري ورفضهم المرجح التنازل لمصلحة الإصلاحيين عن المكاسب التي حققوها في ظل إدارة ترمب.. ستبقى تعقيدات الملف النووي قائمة، فببساطة يجب تذليل كل العقبات وحسمها قبل عودة أي مفاوضات.
من زاوية أخرى ، يسمح وجود بايدن بتعزيز رغبة أوروبا بإحداث انفراجة مع طهران في ملف الاتفاق النووي.. حيث يسعون لحني منافع اقتصادي متعلقة بنتائج الاتفاق وشروطه عبر فتح الأسواق الإيرانية أمامهم.. ما قد يوحي باحتمالية استحداث آليات تعامل اقتصادية جديدة لا تعرقلها واشنطن- بايدن بشكل يعطي اغراءات تعزز جناح الإصلاحيين أمام المتشددين بحسب الرؤية الأوروبية..
تشكيك وتشاؤم
اعتبر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز – وفق ما نقلته الحرة – أن تنفيذ الخطوة التي وعد بها بايدن (العودة للاتفاق النووي) مهمة صعبة.
حيث أكدت الصحيفة أن العودة إلى الاتفاق النووي والطريقة التي كان يُدار بها الملف الإيراني قبل تولي الرئيس دونالد ترامب، مستحيلة ومعقدة بسبب السياسة الأميركية الإيرانية الحالية.. فـ واشنطن تقوم بزيادة العقوبات الاقتصادية على طهران وبيع الأسلحة المتطورة لأعدائها التقليديين، ليوضح التقرير أنها سياسات يصعب على أي رئيس جديد التراجع عنها.
ففي الشهور الماضية، فرضت إدارة الرئيس ترامب عقوبات اقتصادية على عشرات الأشخاص والشركات والكيانات الإيرانية، ما تسبب بانهيار الاقتصاد والعملة الإيرانية.. ونهاية أيلول سبتمبر الماضي، وقع ترامب ترامب، مرسومًا يجيز فرض “عقوبات اقتصادية شديدة بحق أي بلد أو شركة أو فرد يساهم في تقديم وبيع ونقل اسلحة تقليدية إلى إيران”.
ليشير تقرير الصحيفة إلى أن إيران ستطالب بثمن باهظ للعودة إلى الاتفاق، بما في ذلك الرفع الفوري للعقوبات العقابية التي فرضتها إدارة ترامب وتعويضات بمليارات الدولارات، وتلك هي المطالب التي من غير المرجح أن يلبيها بايدن، خاصة في ظل معارضة الكونجرس القوية.
بدوره، أكد روبرت أينهورن، مفاوض الحد من الأسلحة النووية في معهد بروكينغز، أن اختيار كلمة “تعويض” لم يكن عرضيًا، وأوضح أن إيران تقول إنها تريد من واشنطن دفع مليارات الدولارات من الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها عندما سحب ترامب الولايات المتحدة من الصفقة الإيرانية في 2018 وأعاد فرض العقوبات التي كانت قد رفعتها.
ليشرح أينهورن أن المفاوضين الإيرانيين يعرفون أن الولايات المتحدة لن تقدم تعويضات مالية، لكنهم قد يخوضون موقفًا تفاوضيًا صعبًا، خصوصًا بالنظر إلى ديناميكيات انتخاباتهم المقبلة، حيث أشار إلى أن إيران لن تطالب فقط بإزالة العقوبات المتعلقة بالمجال النووي، ولكن أيضًا تلك المفروضة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وتطوير الصواريخ الباليستية ودعم الجماعات الإرهابية، وهو الأمر الذي يصعب على إدارة بايدن القيام به سياسيًا وفنيًا.
مضاعفة انتاج اليورانيوم
قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال الأيام الماضية، إن مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب، تجاوز 12 مرة من الحد المسموح به منذ الاتفاق النووي عام 2015.
لتطلب الوكالة من إيران تقديم توضيحات جديدة حول موقع نووي مشتبه به، معتبرة أن المعلومات التي وفرتها “تفتقر للمصداقية”، بحسب تقرير نقلت عنه وكالة فرانس برس.
في حين قال دبلوماسيون إن إيران ليست معنية بالتجميد المؤقت ولن تتوقف في الوقت نفسه عن تخصيب اليورانيوم أو تقليص مخزونها الضخم، وأضافوا أن إيران ستعود إلى الامتثال الكامل للاتفاق عندما تفعل الولايات المتحدة ذلك.
مؤخرًا.. كشفت تقارير إعلامية أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ناقش مع كبار مساعديه للأمن القومي فكرة مهاجمة إيران بسبب تطوير أنشطتها النووية..
ونقلت نيويورك تايمز – بحسب الحرة- عن 4 مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، القول إن الرئيس الأميركي، طلب من كبار مستشاريه معرفة ما إذا كانت لديه خيارات لاتخاذ إجراء عسكري ضد موقع نطنز النووي، خلال الأسابيع المقبلة، وهو الموقع الذي قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخرا إنه يشهد نشاطًا نوويًا متزايدًا.
ومع إقالة وزير الدفاع مارك إسبر، واستبدال وزير دفاع جديد به بالإنابة في الأسابيع الأخيرة من رئاسة ترمب، يرى البعض في ذلك تمهيدًا لحرب أميركية – إيرانية.
من جهتها، حذرت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي – وآخرين – من أن القرار دليل على نية ترمب “زرع الفوضى” في أيامه الأخيرة في منصبه.
يذكر أنه وفي وقت سابق في بداية العام الحالي، وافق مجلسا النواب والشيوخ في الكونغرس الأميركي على قرار يطالب الرئيس بعدم القيام بأي عمل عسكري من دون موافقة الكونغرس.. إلا أن الرئيس الأميركي استخدم، في مايو أيار الماضي، حق الفيتو ضد قرار الكونغرس.
وقال ترمب في بيان للبيت الأبيض، إن القرار مهين جدًا وخطير؛ إذ إنه من شأنه أن يضعف قدرات الرئيس على حماية القوات الأميركية ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها.