في الوقت الذي بدأت ميليشيا “حزب الله” اللبناني إدخال المازوت الإيراني إلى لبنان عبر سوريا اليوم الخميس، يسود المشهد في لبنان انقساماً سياسياً، إذ يعتبره البعض اختراقا لسيادة الدولة اللبنانية وتعزيزا للنفوذ الإيراني الذي يعرض البلاد لخطر العقوبات الأميركية.
تلفزيون “المنار” التابع لـ”حزب الله” أكد أن “قافلة من نحو 20 شاحنة تحمل وقودا إيرانيا دخلت لبنان من شمال شرق البلاد قرب قرية العين وكل صهريج يحتوي على 50 ألف لتر من مادة المازوت”، موضحاً أن “لافتات رُفعت تعلن أن حزب الله كسر الحصار على لبنان”.
وكان الأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله” أعلن يوم الاثنين الماضي أن الوقود الإيراني سيصل برا إلى لبنان بدءا من الخميس، آتيًا من سوريا، اذ أفرغت الباخرة الأولى حمولتها في مرفأ بانياس يوم الأحد الماضي، لافتاً إلى أن “شحنة ثانية من زيت الوقود ستصل إلى ميناء بانياس السوري خلال بضعة أيام تليها شحنة ثالثة من البنزين ورابعة من زيت الوقود”.
المازوت والنفوذ الإيراني..
قرار استيراد الوقود الإيراني يمثل توسعة للدور الذي يلعبه “حزب الله” في لبنان، ويتهمه معارضون بالتصرف كدولة داخل الدولة، بينما يعتبر “نصر الله” أن طهران خرقت جدار الحصار الذي تعيش البلاد بعد نفاذ إمدادات الوقود لعدم امتلاك العملة الصعبة اللازمة لشراء الواردات الأساسية، الأمر الذي اضطر خدمات حيوية مثل بعض المستشفيات لتقليص خدماتها أو الإغلاق الكامل وأثار العديد من الحوادث الأمنية.
وكتبت الوزيرة السابقة “مي شدياق” عبر “تويتر” اليوم الخميس: “مشهد الذل والخنوع يهرّبون مازوت وبنزين عبر الحدود لسوريا واليوم يستقبلون بنثر الأرز والورود وصول 20 صهريج مازوت آتية من إيران لتُفرّغ في خزانات حزب الله في بعلبك”.
كما أضافت “شدياق”، “زغاريد وتمجيد لإيران والرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله حسن نصرا لله”، متسائلةً “اذا لم تكن هذه مظاهر دويلة ضمن الدولة فماذا تكون، وأين الموقف الرسمي من هذا المشهد؟”.
وكان رئيس الوزراء اللبناني السابق “سعد الحريري” أكد في وقت سابق أنه قد يتسبب الوقود الإيراني في فرض عقوبات على بلد يعاني اقتصاده من الانهيار منذ ما يقرب من عامين، رافضا ما وصفه بالتعامل مع لبنان كمنطقة إيرانية، لأن البلاد قد تعاني مصير فنزويلا التي تخضع لعقوبات شديدة.
أما السياسي “سمير جعجع”، أعتبر أنه بعد اغتصاب إيران السلطات الحكومية في كل من المجالين الأمني والعسكري، تستحوذ طهران الآن على صنع القرار الاقتصادي على حساب الشعب اللبناني.
يشار إلى أن الولايات المتحدة، وهي أكبر داعم بالمساعدات الإنسانية والعسكرية للبنان، تساند خطة لتخفيف أزمة الطاقة من خلال ضخ الغاز الطبيعي المصري عبر الأردن وسوريا، إذ أكدت السفيرة الأمريكية أن لبنان لا يحتاج للوقود الإيراني.
العقوبات الأمريكية..
في المقابل، أكدت واشنطن مجدداً أن العقوبات على صادرات النفط الإيرانية ما زالت قائمة، لكنها لم توضح ما إذا كانت تدرس اتخاذ إجراءات ضد لبنان بسبب خطوة “حزب الله” الذي تصنفه واشنطن “منظمة إرهابية” وفرضت عليه عقوبات.
ويرى الأستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية، الدكتور “جاسم عجاقة” أن “لبنان يعيش أزمة وقود خانقة فلا يمكن أن يعيش المواطن اللبناني بدون المحروقات، ومع وصول ناقلة نفط إيرانية إلى سوريا لتغطية السوق اللبناني يعتبر هذا غير كافي، ولبنان يحتاج حمولة نفط يوميا لسد العجز”، لافتاً إلى أنه “في حالة دخول الباخرة الإيرانية مباشرة سيضع لبنان في مشكلة مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وفي حالة توزيع كمية الوقود على المستشفيات والمرافق الحساسة فمن المؤكد أنه تشارك في سد القليل من العجز”.
وحذر المحلل اللبناني من “فرض عقوبات أمريكية على مواطنين لبنانيين أو لبنان كدولة بأكملها”، موضحاً أن “هذا الأمر دفع لإفراغ الحمولة في سوريا وجاري الحديث عن إدخالها عبر الشاحنات، لكن هناك سؤال كيف ستدخل إلى لبنان وهل سيتم إعطاء التراخيص للوزارات المعنية في لبنان وهل سيتم فرض عقوبات؟”.
كما أكد أستاذ الاقتصاد “عجاقة” أنه “مع إبصار حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي النور، فهذا يدل على أن هناك تقاطع مصالح دولية إقليمية ودولية، فضلا عن مصالح أمريكية، ما يشير إلى صعوبة محاصرة واشنطن لحكومة بيروت في الوقت الحالي تجنبا لتعقيد الأمور داخل البلاد”، مؤكداً أن “واشنطن قد تسمح وتغض الطرف عن دخول شاحنة إيرانية أو أكثر، خاصة في ظل إعلان الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله، أن هناك عدة بواخر إيرانية متجهة إلى سوريا، والوقت كفيل للتعرف على رد الفعل الأمريكي، في ظل المكاسب التي تحققها إيران وحزب الله اخل لبنان”.
وكان عضو بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور “كريس ميرفي” أفاد في وقت سابق بأن “حصول لبنان على نفط إيراني يمكن أن يجعله عرضة لعقوبات ولم يوضح نوع العقوبات التي يمكن أن يتعرض لها لبنان”، واصفا مساعي إيران لتزويد لبنان بالوقود بأنها “فرصة للاستعراض”.
توزيع المازوت الإيراني..
بالتزامن مع دخول شحنات المازوت الإيرانية الوافدة عبر بوابة بانياس السورية إلى لبنان عبر الحدود البرية في منطقة البقاع الشمالي، تحتاج الشحنة الأولى من المازوت الإيراني لنحو 1310 شاحنات لنقلها إلى الداخل اللبناني، اذ قدّرت خدمة “تانكر تراكرز” الإلكترونية المعنية بتتبع شحنات النفط، حجم الشحنة الأولى بنحو 33 ألف طن متري من المازوت.
ومن المتوقع أن يُنقل المازوت إلى داخل الأراضي اللبنانية عبر الصهاريج إلى خزانات ومستودعات تابعة لشركة الأمانة للمحروقات، ليتم بعد ذلك نقل المازوت وتوزيعه على المؤسسات والجهات الراغبة بالحصول على المازوت، والتي عليها التواصل مع الشركة والتقدم بطلب الحصول على حصة تكفي حاجتها الاستهلاكية.
مصدر في نقابة أصحاب المحطات أكد أن “شركة الأمانة للمحروقات تتولى المسؤولية كاملة عن ملف المازوت الإيراني، من استقباله إلى تخزينه وتوزيعه”، موضحاً أنه “لا يوجد تعاون بين أي من الشركات او المحطات مع شركة الأمانة فيما خص المازوت الإيراني، وذلك تفادياً لأي إشكالات قد تعرّض المؤسسات المعنية لعقوبات”.
وتشير المصادر إلى أن “كل ذلك استعراض عضالات لان حزب الله يستهلك ربع حاجة لبنان من المحروقات المدعومة من أموال المودعين في المصارف، وهو ومنتسبه لا يودعون فلساً واحدا فيها بل في القرص الحسن، ويُمنن اللبنانيين بباخرة تكفي احتياجات السوق لثلاثة أيام”، لافتة إلى أن “الحزب وحده يستهلك حوالي ربع استهلاك لبنان من المحروقات لاحتياجات سياراته التي تقدر ٣٠٠ الف سيارة، واستهلاك المولدات والآليات العسكرية والسيارات الامنية، بالإضافة إلى الكميات الكبيرة التي تحتاجها المعامل الخاصة به”.
وأوضحت المصادر أن “الحزب يذل اللبنانيين بهذه الباخرة ولو استطاع تأمين ألف باخرة لن يعوض اللبنانيين ما استهلكه من المحروقات الاذين دفعوها من أموالهم، ولا ننسى ان الحزب يقتطع حصة له من المواد الغذائية المدعومة ويخزنها في مستودعاته”.
يشار إلى أن محطات شركة الأمانة للمحروقات كانت شبه متوقفة عن العمل على مدى أكثر من عام، بسبب إدراجها على لائحة العقوبات الأميركية، وبسبب عدم توافر المحروقات لديها، التزاماً من الشركات المستوردة للنفط بعدم تسليمها أي بضائع.