شهدت مدن عراقية خلال الأيام القليلة الماضية احتجاجات على تقليص ساعات تزويد المواطنين بالكهرباء وانقطاعها، في ظل الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة التي وصلت إلى نحو 60 درجة تحت الشمس، و50 درجة تحت الظل، اذ قدم وزير الكهرباء “ماجد حنتوش” أمس الثلاثاء، باستقالته إلى رئيس الحكومة “مصطفى الكاظمي”.
المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية “أحمد موسى” قال إن “الوزير تقدم بالفعل باستقالته إلى رئيس مجلس الوزراء”، رافضا الخوض بمزيد من التفاصيل، ومن المنتظر أن يبحث مجلس الوزراء موضوعة الاستقالة.
الطاقة الإيرانية..
وينتج العراق 19 ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية، بينما يحتاج إلى ما يتجاوز 30 ألفا، وتزداد في فصل الصيف الذي تتجاوز فيه درجات الحرارة 50 درجة مئوية، بسبب ضعف وصول الطاقة الكهربائية إلى المنازل، في المقابل، أكدت تقارير إعلامية اليوم الأربعاء أن “إيران أوقفت تماماً خطوط إمداد الكهرباء إلى العراق بالتزامن مع موجة الصيف”. لافتة إلى أن “إيران التي تعاني من ضائقة مالية ضغطت على الحكومة العراقية للإفراج عن الديون المتأخرة، في ظل درجات الحرارة الحارقة، وقبل الانتخابات في البلاد”.
ويعاني العراق من تردي المنظومة الكهربائية منذ التسعينيات، وتغطي واردات الغاز والكهرباء من إيران ما يصل إلى ثلث متطلبات العراق من الطاقة، وهي تتراوح بين 1.5 و1.8 مليار قدم مكعب يومياً، ولم تنجح الحكومات العراقية المتعاقبة بعد احتلال العراق في إصلاح خطوط الكهرباء، رغم مرور 18 سنة على التغيير.
إلى جانب ذلك، لفتت التقارير إلى أن “اعتماد العراق على واردات الطاقة الإيرانية له عواقب جيوسياسية، وكان مصدرا للتوترات المستمرة مع الولايات المتحدة، وقد اشترطت واشنطن إعفاءات متتالية من العقوبات على أن يصبح العراق أكثر استقلالية في مجال الطاقة”، مشيرة إلى أن “تأثير الأزمة على الانتخابات المقبلة نتيجة الاحتجاجات المتوقعة، وأن النواتج من أربعة خطوط ربط كهرباء عبر الحدود من إيران إلى العراق بلغت صفراً”.
ويشهد العراق احتجاجات واسعة تخرج في كل صيف ضد انقطاع الكهرباء، اذ أعلنت شركة توزيع كهرباء الجنوب في العراق، أمس الثلاثاء، توقف جميع محطات توليد الطاقة الكهربائية عن العمل في مناطق جنوبي البلاد دون معرفة الأسباب، ما تسبب بانقطاع التيار الكهربائي عن محافظات، ذي قار والبصرة وميسان والسماوة.
بين “داعش” والجهات المستفيدة..
ملف الطاقة الكهربائية في العراق لا يتوقف عند قطع الامداد الإيراني، اذ تعرضت عدد من المحطات الكهربائية وخطوط نقل الطاقة لأعمال تفجير وتخريب من قبل جماعات مسلحة في مناطق متفرقة، بينما تحدثت مصادر أمنية، وسياسيون عراقيون، عن وقوف جهات وأشخاص يقفون خلف تلك الحوادث، لتحقيق مكاسب مالية.
وشهدت كل من محافظات صلاح الدين، وكركوك، وأجزاء من ديالى، مؤخراً، موجة “غير مسبوقة” من عمليات استهداف أبراج نقل الكهرباء بين المدن، الامر الذي دعا القوات الأمنية، إلى التحرك سريعاً، لمواجهة هذا المأزق، في ظل النقص الحاصل بتجهيزات المراقبة، والمعدات الخاصة كالمناطيد والطائرات المسيرة.
استهداف المحطات يتم بالعبوات الناسفة التي يتم تفجيرها عن بعد، وهو ما يدعو إلى الاعتقاد بأن تنظيم “داعش” الارهابي هو المتورط بتلك الأعمال، الا أن مصادر أمنية، ونواباً في البرلمان، تحدثوا مؤخراً، عن وجود جهات وشخصيات متنفذة، تقف خلف هذه الحوادث، لتحقيق مكاسب مالية، وتحديداً من مسائل استبدال الأبراج المتضررة، وكذلك وقود المولدات الأهلية، التي تمثل بديلاً في بعض الأوقات عن امدادات الطاقة الوطنية، في كل محافظات البلاد.
وأكد النائب في البرلمان العراقي، عن محافظة وعضو في لجنة الأمن والدفاع النيابية “صلاح الدين جاسم الجبارة” أن “جهات مستفيدة تقف وراء تلك العمليات، فهناك شخصيات تتاجر في الوقود، المجهَز للمولدات الأهلية، وفي حال استمرت الطاقة الكهربائية، فإنه سيتعرض إلى خسائر”. لافتاً إلى أن “الجهات المستفيدة، ربما تكون من وزارة الكهرباء نفسها، خاصة العاملين على الصيانة، أو مصنعي الأبراج، وربما حتى جهات أمنية، تكون مستفيدة من ذلك، ولا ننفي أن يكون داعش متورط أيضاً”.
يشار إلى أن العراق يعمل على مولدات أهلية، يملكها تجار أو مواطنون عاديون، لتغطية جزء من التشغيل اليومي، حيث لا توفر الشبكة الوطنية، ساعات تجهيز كاملة، كخطة بديلة، فيما تمتلك شبكات سياسية وجهات متنفذة بعض تلك المولدات، التي تدر أرباحاً طائلة، مع ارتفاع المبالغ المتحصلة جرّاء الاشتراكات الشهرية.
بدوره، قال رئيس الوزراء “مصطفى الكاظمي” إن “هناك استهدافات متكررة ومقصودة لأبراج الطاقة الكهربائية في عدد من المحافظات.” موضحاً أن “هذه الاستهدافات تؤثر في ساعات تزويد المناطق بالطاقة وتفاقم من معاناة المواطنين”.
وكشفت وزارة الداخلية العراقية، أنه خلال الشهر الماضي، شهد أكثر من 30 استهداف لأبراج الطاقة، في عدة محافظات، أبرزها صلاح الدين، وديالى، وكركوك، ونينوى أغلبها في مناطق بعيدة ونائية.
حلول عربية بديلة..
النقص الحاصل في ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية، توجهت الأنظار إلى مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقوة في ملف إنتاج الكهرباء، ولا سيما أن الحكومة أنفقت نحو 80 مليار دولار على، دون أن تتمكن من إنهاء الأزمة التي تصل ذروتها في الصيف.
وفي سعي الحكومة لإيجاد حلول بديليه تهدف إلى زيادة وتعزيز الإنتاج الوطني من الطاقة النظيفة، وقع رئيس المجلس الوزاري للطاقة وزير النفط “إحسان عبد الجبار إسماعيل” اتفاقية مع شركة مصدر، على عقد توليد 2000 ميغاواط من خلال إقامة مشاريع استثمار للطاقة الشمسية في وسط وجنوب العراق.
المسؤول العراقي أكد أن “بلاده تنفذ خطة إحلال الطاقة النظيفة بدلا من الطاقة المنتجة بالوقود الأحفوري وبنسبة تتراوح بين 20 إلى 25 في المئة من الطاقة المنتجة”، لافتاً إلى أن “التوقيع مع شركة مصدر التي تعد من الشركات الدولية المتخصصة، خطوة مهمة لتطوير قطاع استثمار الطاقة النظيفة واستغلال الطاقة الشمسية في العراق”.
بدوره، أكد وزير الطاقة والبنى التحتية الإماراتي “سهيل المزروعي”، دعم حكومته لمشاريع التعاون الثنائي في قطاع توليد الطاقة النظيفة، مضيفا أن شركة مصدر ستقوم بتسخير كافة إمكانياتها الفنية والهندسية في تنفيذ هذه المشاريع.
ويشير مراقبون أن غياب الخبرات في هذا المجال وعدم تدريب كوادر وزارة الكهرباء على التعامل مع المنظومات الحديثة، وانتشار الفساد وعدم الاهتمام بالبيئة والطاقة النظيفة، كان سببا رئيسا لرفض إنشاء تلك المشاريع، طيلة السنوات الماضية.
يذكر أن وزارة النفط العراقية أعلنت أمس الثلاثاء، عن سعيها لاستثمار 4 مليارات قدم من الغاز المصاحب لاستخراج النفط خلال العامين المقبلين، مشيرة إلى أن ذلك سيساعد البلاد في إنتاج كميات وفيرة من الكهرباء.
وتشير التقديرات إلى أن العراق يمتلك مخزونا يقدر بنحو 131 تريليون قدم مكعبة من الغاز، لكن ثمة كميات تصل إلى 700 مليون قدم مكعبة تُحرق يومياً، نتيجة عدم الاستثمار طيلة العقود الماضية.