تصريحات غير مسبوقة يخرج بها الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان” حيال تحسين العلاقات مع أوروبا، والعودة من جديد إلى طرح انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، تفتح المجال أمام مئات علامات الاستفهام حول دوافع تلك التصريحات وتوقيتها، وفقاً لمحللين وخبراء في العلاقات الدولية.
يشار إلى أن الرئيس التركي، قد أكد لرئيسة المفوضية “أورسولا فون دير لاين”، في لقاء فيديو بينهما، السبت، أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من الأولويات السياسية لأنقرة، أن مستقبل بلاده يكمن في فتح صفحة جديدة مع القارة الأوروبية، عارضاً على المفوضية الأوروبية انطلاقة جديدة في العلاقات بين الجانبين.
تغييرات بدأت من واشنطن
ليس من المصادفة أن تأتي تصريحات الرئيس “أردوغان” عقب أيامٍ قليلة جداً من تثبيت فوز الرئيس الأمريكي المنتخب، “جو بايدن”، في الكونغرس الأمريكي، بحسب ما يؤكد الباحث في العلاقات الدولية، “تحسين الأصمعي”، لافتاً إلى أن حسم مسألة رئاسة “بايدن” بشكلٍ كلي ونهائي، سيغير الكثير في شبكات العلاقات الدولية، خاصة في الشرق الأوسط.
كما يضيف “الأصمعي”: “الحكومة التركية تعلم تماماً أن بايدن لن يكون ترامب، وأنها مطالبة بتسوية خلافاتها الخارجية، تحديداً مع أوروبا، حتى تتمكن من تجنب أي ردود فعلٍ سلبية من الرئيس المنتخب تجاه أنقرة”، لافتاً إلى أن “بايدن” وفريق إدارته يسعون إلى استعادة الدور الأمريكي في رسم العلاقات الدولية ومجريات الأمور تحديداً في الشرق الأوسط.
وكان الكونغرس الأمريكي قد أعلن في 6 كانون الثاني الجاري، مصادقته على فوز “بايدن” بانتخابات الرئاسة، ما يعني تنصيباً فعلياً له كرئيس للولايات المتحدة، بانتظار التنصيب الرسمي في 20 كانون الثاني الجاري.
في ذات السياق، يلفت “الأصمعي” إلى أن العلاقات التركية مع أوروبا بشكل خاص، وطبيعتها خلال الفترة المقبلة، ستمثل حجر الزاوية في تعامل الرئيس الأمريكي مع أنقرة، لا سيما وأن الاتحاد الأوروبي يمثل الثقل الأكبر لحلف شمال الأطلسي، “ناتو”، والذي تعتمد عليه واشنطن في مواجهة روسيا.
إلى جانب ذلك، يشير “الأصمعي” إلى أن مسألة العلاقات الدولية والعلاقات التركية – الأمريكية، هي مسألة معقدة ومتشابكة، موضحاً: “ما يمكن قوله الآن إذا أردنا تبسيط الأمر، فإن هدوء الجبهة والتوتر مع أوروبا، يمثل مصلحة للحكومة التركية في ظل تبدل الإدارة الأمريكية، فحكومة أنقرة تعرف أن البساط الذي فرشه لها ترامب أطول بكثير من البساط الذي سيفرشه بايدن”.
يذكر أن مصادر أمريكية قد كشفت في وقتٍ سابق أن الحد من الانخراط التركي في أزمات دولية وإقليمية، سيكون من أولويات “بايدن”، الذي يدعم أوروبا في ملف شرق المتوسط والخلاف مع تركيا حول حقول الغاز.
استحقاقات وقضايا معلقة
بعيداً عن الإدارة الأمريكية الجديدة وأولوياتها، يشدد الباحث في الشأن التركي، “مصطفى بكرلي”، أن التحديات على الساحة الداخلية لعبت أيضاً وراً كبيراً في دفع الحكومة التركية لمراجعة سياساتها الخارجية والبحث عن علاقات متميزة مع أوروبا.
ويلفت “بكرلي” أن الملف الاقتصادي والمعيشي وتدهور الليرة التركية، تجبر الحكومة التركية على محاولة التركيز على الساحة الداخلية قبيل الانتخابات القادمة، التي تظهر حجم شراستها من خلال تصاعد قوة المعارضة استقطابها لشخصيات حليفة سابقة للرئيس “أردوغان”، معتبراً أن تلك العوامل تتطلب عدم الانشغال بمعارك خارجية، خاصة وأن تلك المعارك واستمرار الحديث عن المؤامرات على تركيا، لم يعد كافياً للتغطية على الأزمات الداخلية.
ارتباط تحسين العلاقات مع أوروبا بالساحة الداخلية التركية، وفقاً “لبكرلي” يأتي من تواجد ملايين الأتراك العاملين في الدول الأوروبية لاسيما في ألمانيا، ووجود ملايين الأتراك الراغبين بالتوجه للعمل في أوروبا في ظل صعوبة الأوضاع المعيشية في بلدهم، معتبراً أن “أردوغان” يسعى من خلال العودة للحديث عن الانضمام للاتحاد الأوروبي، إلى منح الأتراك أملاً جديداً واستثمار ذلك في ملف الانتخابات القادمة.
يذكر أن العدد الأكبر من الأتراك في أوروبا، يقيمون في ولاية شمال الراين، الألمانية، والتي كشفت مطلع العام الجاري أن الأتراك احتلوا المرتبة الأولى بين الأجانب المقيمين في الولاية، بواقع 492300 نسمة، لافتةً أن العدد لا يشمل الأتراك الحاصلين على الجنسية الألمانية.
إلى جانب ذلك، يشير المحلل الاقتصادي، “نعيم حلاق” إلى أن تحسين العلاقات مع أوروبا سيساعد في الكثير من الأمور المعيشية، خاصةً وأن أنقرة قد تتمكن من الحصول على امتيازات اقتصادية وتجارية داخل دول الاتحاد الأوروبي في حال اقتناع الاتحاد في صدق النية التركية بإنهاء الخلافات.
الاقتصاد حجر زاوية في انتخابات مصيرية
مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، تزامناً مع الآثار السلبية لانتشار وباء كورونا، تظهر اهمية العوامل الاقتصادية في الانتخابات القادمة، بحسب حديث “حلاق” مع مرصد مينا، مضيفاً: “اذا فشلت الحكومة الحالية في تجاوز الأزمات الموجودة حالياً، خاصة سعر صرف الليرة التركية، فإنها لن تتمكن من تجاوز الانتخابات المقبلة”.
يشار إلى أن الإحصائيات الرسمية كشفت عن وجود 12 مليون تركي عاطل عن العمل خلال العام 2020، في حين أعلنت اللجنة الاقتصادية لحزب الشعوب الديمقراطي التركي، أن 20 مليون شخص يعيشون تحت خط الجوع.