تسيطر على الليبيين حالة من القلق وخيبة الأمل، بسبب تعثر إجراء الانتخابات الرئاسية التي كان يُفترض إطلاق جولتها الأولى اليوم الجمعة، وقُدمت منذ فترة طويلة على أنها خطوة رئيسية لإخراج بلادهم من عقد من حالة عدم الاستقرار والتشظي، ليُشكل قرار التأجيل تحديا جديدا، بعد أكثر من عشرة أعوام، كانت الأكثر دموية في تاريخ البلاد.
وبينما يرى مراقبون أن قرار التأجيل يشكل تهديدا لعملية الانتقال السياسي برمتها، متحدثين عن سيناريوهات مختلفة بمستويات متفاوتة من الخطورة، يعتبر آخرون التأجيل فرصة لحل الأزمة بين الأجسام السياسية المختلفة، وللتوصل لتوافق بين تلك الأجسام، ما من شأنه أن يبعد شبح أي صراع جديد.
يشار إلى أن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية كانت مقررة اليوم الجمعة 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري، على أن تجرى الجولة الثانية بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية بعد شهر، لكن المفوضية الوطنية للانتخابات اقترحت في بيان الأربعاء، تأجيلها إلى الشهر المقبل.
شهر واحد لا يكفي..
المحلل السياسي الليبي، “خالد إبراهيم”، يقول إنه ليس بالإمكان إجراء الانتخابات، قبل نحو ستة أشهر، مشيرا إلى أن إعادة ترتيب انتخابات جديدة يتطلب وقتا أكبر بكثير من شهر واحد، لأن مجلس النواب، الذي يترأسه المرشح الرئاسي “عقيلة صالح”، سيحتكر مجددا وضع خارطة طريق للانتخابات دون استشارة المجلس الأعلى للدولة، إلا إذا تدخلت المستشارة الأممية “ستيفاني وليامز”، للضغط عليه لاحترام الاتفاق السياسي وقرارات مجلس الأمن، المتعلقة بالتوافق بين المجلسين حول أهم القرارات والقوانين.
وبحسب “إبراهيم”، يمكن إجراء الانتخابات خلال شهر واحد، في حالة اكتفى مجلس النواب بتعديل قانون انتخابات الرئيس، بالشكل الذي يسمح بمستوى تقاضي ثالث بدل اثنين بما يسمح بالطعن مجددا على ترشح “سيف الإسلام القذافي”، و”عبد الحميد الدبيبة”، رئيس الحكومة.
ويضيف، إذ حسم جناح “عقيلة صالح”، مسألة تعديل تشكيلة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، بتولي رئيس إدارة التفتيش رئاسة المجلس بدلا من رئيس المحكمة العليا، فقد ينجح في منع “الدبيبة” و”القذافي” من الترشح للرئاسة.
ضمن هذا السيناريو الذي يقف وراءه كل من “عقيلة” واللواء المتقاعد “خليفة حفتر”، وبموافقة المرشح الرئاسي “فتحي باشاغا”، يمكننا الحديث أن مدة شهر كافية لإنجاز الانتخابات، شريطة ألا تعترض الأطراف المناهضة لهذا المعسكر بمختلف أطيافها، وهذا مستبعد، بحسب المحلل السياسي.
رهان على المجتمع الدولي..
كما الليبيون، ينتظر المجتمع الدولي الأسابيع المقبلة، لمعرفة التطورات المتعلقة بمصير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومدى قدرة الأطراف الدولية اللاعبة والمؤثرة في الملف الليبي على التوافق على موعد يحظى بإجماع بينها ويضمن تجنب الثغرات القانونية والتحديات الأمنية التي واجهت عملية التنظيم لأول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا.
وفي سبيل حلحلة هذه المعضلة، التقت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون ليبيا، “ستيفاني ويليامز”، يوم أمس الخميس، رئيس المجلس الرئاسي، “محمد المنفي”، واللواء “أسامة جويلي”، بالإضافة إلى عدد من المرشحين لانتخابات الرئاسة، يتقدمهم “عقيلة صالح”، حيث أكدت “ويليامز”، على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ظروف مناسبة.
يشدد المحلل السياسي، “عبد الله بلعاج” على أن تأجيل سيزيد احتمالات تجدد الصراع المسلح في البلاد، مستشهدا بأنه في الأيام الأخيرة، حشدت قوات من مجموعات مسلحة مقاتلين في العاصمة، ما دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من أن مثل هذا السلوك “يسبب توترات ويزيد مخاطر الاشتباكات التي يمكن أن تتحوَّل إلى صراع”.
يشار إلى أن مجموعات مسلحة “مجهولة” انتشرت بشكل كثيف في مناطق جنوب العاصمة الليبية، ولم تعلن السلطات أسباب هذا الانتشار الذي كان الثاني في طرابلس خلال الأسبوع الأخير.
في هذا السياق، يشدد “بلعاج” على ضرورة تدخل القوى صاحبة القرار في العالم، للضغط على الأطياف الليبية، بغية التوصل لحلول وإنقاذ العملية الديمقراطية، كما ساهمت سابقا بوقف الاقتتال بين المعسكرين المتنافسين شرقي وغربي البلاد، على حد تعبيره.
يذكر أنه في أكتوبر من العام الماضي، جرى توقيع وقف إطلاق النار بين المعسكرين المتنافسين شرق ليبيا وغربها، وأنهى الاتفاق الحرب التي شنتها قوات “حفتر” على طرابلس وغرب ليبيا، واستمرت 15 شهرا وانتهت بانسحاب قواته إلى سرت منتصف عام 2020.
أعقب ذلك تشكيل حكومة انتقالية بداية 2021، في نهاية عملية بقيادة الأمم المتحدة، مهمتها تنظيم انتخابات رئاسية ومن ثم نيابية.
ويقول “بلعاج”: “إن أراد المجتمع الدولي إجراء الانتخابات وإنقاذ ليبيا من السقوط في مستنقع الاقتتال مجددا، فيجب عليه التدخل بغية الضغط على جميع الأطراف، وربما المشاركة في مراقبة العملية الانتخابية، وعدم الاكتفاء بالتصريحات والتحذيرات.
وفي تعليقها على تأجيل الانتخابات، قالت “أماندا كادليك”، العضو السابقة في مجموعة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، إن الأمر انتكاسة تعيد إغراق ليبيا التي عانت حربين أهليتين منذ عام 2011، في المجهول، مشيرة إلى أنه “من دون مسار مستقبلي هناك خطر اندلاع “صراعات محلية، قد تنتشر إلى أجزاء أخرى من البلاد”.
أما الناطق باسم الحكومة الفرنسية “غابريال أتال”، فقد اكتفى بالقول إن فرنسا ما زالت “متمسكة بحُسن سير العملية الانتخابية حتى نهايتها”، فيما أعرب رئيس الوزراء الإيطالي “ماريو دراغي”، عن أمله باستئناف عملية التشاور السياسي، بين ما أطلق عليها مراكز القوى المختلفة في ليبيا، وتحديد موعد جديد للانتخابات.
المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، “ريتشارد نورلاند”، قال إنه يتعين على القادة الليبيين التعجيل بمعالجة العقبات القانونية والسياسية تمهيدًا لإجراء الانتخابات، بما في ذلك وضع اللمسات الأخيرة على قوائم المرشحين للانتخابات الرئاسية، داعيا إلى تهدئة الوضع الأمني المتوتر في البلاد، وقائلًا إن الوقت ليس مناسبًا لاتخاذ إجراءات أحادية، أو عمليات انتشار مسلح تنطوي على خطر التصعيد وعواقب غير مقصودة، تضر بأمن الليبيين وسلامتهم، على حد تعبيره.
خارطة طريق لما بعد 24 ديسمبر
قرر مجلس النواب الليبي، يوم أمس الخميس، تشكيل لجنة مكونة من 10 أعضاء، مهمتها إعداد مقترح لخريطة طريق ما بعد 24 ديسمبر، حيث ستقدم اللجنة تقريرها إلى مكتب هيئة الرئاسة خلال أسبوع، لعرضه على مجلس النواب خلال جلسته المقبلة.
وتتكون اللجنة من أعضاء المجلس، وهم “نصر الدين مهني غباشي مفتاح” رئيساً، وكل من “عبد السلام عبد الله محمد نصية”، و”مصباح دومة امحمد أوحيدة”، و”محمد سعد حماد صالح”، و”عيسى محمد السنوسي العريبي”، و”مفتاح عيسي الكرتيحي”، و”محمد إبراهيم إسماعيل تامر”، و”خالد علي محمد الاسطي”، و”سليمان محمد محمد الفقيه”، و”المبروك عبد الله منصور الكبير”.
ولم يعلن مجلس النواب الليبي عن موعد جلسته التي سيحدد فيها موقفه من المرحلة المقبلة، فيما أكد رئيس اللجنة البرلمانية المكلفة بالتواصل مع مفوضية الانتخابات الليبية، “عبد الهادي الصغير”، انعقادها يوم الاثنين المقبل، برئاسة عقيلة صالح.
الناشطة والباحثة الليبية “مريم الخليلي”، ترى أن فرض خارطة طريق جديدة من قبل مجلس النواب، سيزيد الانقسام الحاصل في الشارع الليبي، لأنها لن تأتي بالتوافق المطلوب، معتبرة أن ما تصفه بـ”الغموض المتعمد”، أحد استراتيجيات رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” الذي لا يزال يسيطر على قرارات مجلس النواب ويصدر القرارات والقوانين بشكل غامض، ويتركها محل جدل لخلط الأوراق إذا لم يكن اتجاه الأوضاع يسير في صالحه.
وتوضح “الخليلي”، “كل الأجسام السياسية أوصلتنا الآن إلى طريق مسدود، وهؤلاء عليهم إجراء مراجعات، حتى لا نكرر الأخطاء، ومجلس النواب يجب ألا يكرر الأخطاء بإصدار قوانين جدلية دون توافق”.
كما اعتبرت أنّ “سيناريو التأزيم والتعقيد بهدف تجميد الأوضاع على ما هي عليه لتأجيل الانتخابات لمدد أطول، هو أقرب السيناريوهات، في ظل الاختلافات الحادة بين الأطراف الليبية”.