تناقش هذه الورقة الدور الذي لعبه نظام الأسد تاريخياً ضد الفلسطينيين وقضيتهم؛ ودور الأسد الابن في ذلك؛ والمعاناة التي لاقاها فلسطينيو المخيمات في الأزمة السورية، من خلال المحاور الآتية:
- عداء نظام الأسد عسكرياً للفلسطينيين.
- عداء نظام الأسد مدنياً للفلسطينيين.
- معاناة الفلسطينيين في ظل نظام الأسد الابن.
- بثينة شعبان تعلن الحرب على الفلسطينيين.
- شبيحة أحمد جبريل.
- حكاية مخيم اليرموك في الانتفاضة السورية
مدخل
في الوعي الفلسطيني الداخلي لأبناء المخيمات الفلسطينية في سوريا، أن نظام الأسد هو عدو للقضية الفلسطينية، فهم أكثر الشعوب العربية تعرضاً لتوحش النظام السوري، منذ ما يقارب الخمسين عاماً(1)، وفي الوعي الفلسطيني أيضاً أن منطق الضرورة يقتضي التعامل معه بحذر شديد، لأن الوقوف ضده سوف يكبد الفلسطينيين مزيداً من الكوارث، فالنظام السوري الذي بناه حافظ الأسد، هو معقد في بنيته وتركيبته، فهو ثاني الأنظمة البعثية بعد العراق الذي لم يسقط إلاّ بتدخل أمريكي مباشر.
الأنظمة العسكرية في شرق المتوسط، تشكلت في أوضاع سياسية واجتماعية معقدة، لعبت السياسة والنظم الاجتماعية، والمال والصراعات الاجتماعية دوراً مهماً في تشكيلها، والنظام السوري هو جزء من هذه التعقيدات الموجودة، التي ينظر إليها الفلسطينيون بحذر، وحتى عندما كان يكتب الفلسطينيون عن نظام الأسد كانوا يفعلون ذلك بحذر، فهذا النظام قتل آلاف الفلسطينيين، سواء بشكل مباشر أم عبر أدواته الاستخبارية طوال عقود من الزمن.
عداء نظام الأسد عسكرياً للفلسطينيين
كانت بداية الأزمة بين النظام السوري والفلسطينيين عام 1970 عندما أرسل صلاح جديد القيادي البعثي الشهير الجيش السوري إلى الأردن(2) لمساعدة المقاتلين الفلسطينيين، في أثناء الحرب التي كانت دائرة هناك بين الفدائيين الفلسطينيين آنذاك والجيش الأردني، وهي حرب فرضتها تعقيدات سياسية محلية ودولية في حينها. فبينما أرسل صلاح جديد الجيش السوري لنجدة الفلسطينيين، سحب حافظ الأسد الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك الجيش السوري(3) من مدينة إربد في الأردن معتبراً ذلك مغامرة، ما جعل ظهر الفدائيين مكشوفاً، وكان انسحابه من غير اتفاق يضمن خروجاً آمناً للفدائيين الفلسطينيين من الحرب، وأدى خروج الجيش السوري إلى تغيير كبير في المعادلة العسكرية لمصلحة الجيش الأردني، الذي حاصر الوجود العسكري الفلسطيني، وهو ما سرّع نهاية الوجود الفلسطيني المسلح في الأردن، إذ انتهى في العام التالي عندما حوصر من تبقى من المقاتلين الفلسطينيين في أحراش عجلون، حيث فقدوا أبرز قياداتهم العسكرية هناك(4).
المرحلة الثانية من العلاقة مع سوريا كانت في الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد ضد رئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي وحليفه صلاح جديد، إذ أودعهما السجن، وكان انقلاب الأسد بسبب أجواء حزب البعث في سوريا الذي كان يعيش وقعاً قوياً في إثر اتهامات صلاح لـ حافظ الأسد بالمسؤولية عن هزيمة 1967 وبهذا الانقلاب، أقفل حافظ الأسد ملف صلاح جديد، وأقفل معه أحد أبرز الملفات الفلسطينية، وهي طريق العمل المسلح من الجولان المحتل، فقد كان حافظ الأسد يعارض هذا المنهج، وبهذا الشكل دخلت جبهة الجولان المحتل مرحلة طويلة من الصمت، بينما خسر الفلسطينيون ثلاث جبهات، الأولى هي العمل داخل الأراضي التي احتلت في الضفة الغربية بسبب التعقيدات آنذاك، والثانية الجبهة الأردنية، والثالثة كانت جبهة الجولان السوري المحتل.
مع انتقال الفلسطينيين إلى لبنان، تغيرت ملامح القضية الفلسطينية في منطقة الشرق الأوسط بالكامل، فقد أخذ النظام السوري يدفع باتجاه دخول المقاومة الفلسطينية على خط الحرب الأهلية في لبنان، خصوصاً بعدما بلغت ذروتها عامي 1975و1976 وشارك فيها نظام الأسد بقوة، حيث دخل لبنان بعنوان قوات الردع العربية بينما في واقع الحال انحاز ضد الفلسطينيين، خصوصاً بعد مجزرة مخيم تل الزعتر الشهيرة(5) التي قضى فيها آلاف المدنيين الفلسطينيين، وكانت علامة مهمة في تغيير قواعد الصراع، إذ دخل نظام الأسد ضمن قوانين اللعبة التي تعمل على إضعاف الفلسطينيين.
عام 1978 في آذار خاض الفلسطينيون معركتهم ضد إسرائيل في جنوب لبنان منفردين، حيث دخلت إسرائيل ووصلت القوات الإسرائيلية إلى مسافة قريبة من حواجز جيش حافظ الأسد، ولكن جيش حافظ الأسد لم يتدخل مطلقاً.(6)
في تموز من العام 1981 خاض الفلسطينيون مواجهتهم الثانية ضد إسرائيل منفردين أيضاً، بينما كانت أبواق نظام الأسد تتحدث عن الاستعداد للمعركة، وعن فكرة التوازن الاستراتيجي التي اخترعتها أجهزة الأسد الإعلامية التي كانت تروج بأن سوريا تعمل على قيام توازن استراتيجي مع إسرائيل تمهيداً للانتصار عليها في الحرب المقبلة.
عام 1982 وأثناء الاجتياح الإسرائيلي تعرض الفلسطينيون إلى خيانة كبرى قام بها نظام الأسد، تمثلت بانسحاب جيش الأسد من مناطق )جزين( وهو ما سمح بوصول إسرائيل السريع إلى أطراف بيروت، إضافة إلى محاصرة صيدا، وتسبب نظام الأسد في هزيمة إضافية للفلسطينيين في القاطع الشرقي في جنوب لبنان عندما انسحب الجيش السوري من مواقعه في منطقة راشيا الوادي والقسم الأكبر من البقاع الغربي، وهو ما سمح لإسرائيل بتطويق القواعد العسكرية للفلسطينيين والمقاومة اللبنانية.
كان الإعلام السوري آنذاك عبر راديو دمشق يبث بيانات كاذبة عن صموده وعن معارك وهمية، وهو ما تسبب في وقوع مئات المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين في الأسر واقتيادهم إلى معتقل أنصار الشهير(7) وسبب ذلك أن شبكة الاتصالات اللاسلكية الفلسطينية كانت قد خضعت للتشويش، فوقع الفلسطينيون ضحايا بيانات جيش الأسد الكاذبة حول سير المعركة.
وأما الطعنة القاتلة فكانت قيام نظام الأسد بتوقيع اتفاقية الهدنة بينه وبين إسرائيل عبر الوسيط الأمريكي فليب حبيب، في الحادي عشر من يونيو 1982 أي في اليوم الخامس للمعركة بحسب ما نشرت وزارة الدفاع السورية(8) بينما استمر الفلسطينيون في الحرب ثلاثة اشهر.
بعد أقل من سنة على الدماء الفلسطينية في بيروت، كان نظام الأسد في مطلع أيار 1983 يصنع الانشقاق ويرعاه داخل حركة فتح، في ما سمي في حينه بالانتفاضة(9)، وهي المرحلة الدموية الصعبة في تاريخ القضية الفلسطينية، فما بين ليلة وضحاها، تحول الإعلام السوري إلى مناهض قوي للرئيس ياسر عرفات، وطُرد من دمشق، في ما كانت مرابض المدفعية السورية تشق طريقها صوب تجمعات المقاومة الفلسطينية في البقاع الغربي، وكان الانشقاق الذي صنعه الأسد يعتمد على اثنين من أعضاء اللجنة المركزية في فتح، جرى إقصاؤهم لاحقاً، إضافة إلى العقيد أبي موسى الذي كان يشغل نائب مدير غرفة العمليات المركزية الفلسطينية، وبعض الكوادر الذين لم يكن لهم دور فاعل في حركة فتح، مثل أبي خالد العملة الذي تبين في وقت لاحق أنه كان شريكاً في دعم منظمة فتح الإسلام الإرهابية عام 2007.
تعذر على نظام الأسد في بداية الأمر إحداث انشقاقات كبيرة في جسم حركة فتح، فلجأ إلى سكان مخيم النيرب، في ريف حلب، حيث نجح البعثيون إضافة إلى أحد المكاتب التابعة سابقاً لحركة فتح الذي كان معروفاً باسم (القطاع الغربي اللجنة 100) وكان هذا المكتب مخصصاً للعمل داخل الأرض المحتلة، ولكن نظام الأسد نجح في تطويعه حيث اشتغل سراً مع المخابرات السورية، وبدأ بتجنيد شباب مخيم النيرب تحضيراً للمهمة القذرة، وكان هذا المكتب في حينها تحت إمرة قاسم أديب جرار المعروف باسم فراس الذي لعب دوراً مهماً في بناء هذا الجسم الجديد، وهنا الملاحظ، أن نظام الأسد نجح في وقت سابق في العبور إلى بعض مكاتب فتح التي كانت مخصصة للعمل داخل الأرض المحتلة، وحرفها عن مسارها لكي تعمل في خدمته، وأما السبب في استغلاله لهذه المكاتب، كونها كانت منفصلة عن الجسم العسكري وحتى المدني لحركة فتح، باعتبارها كانت تقوم بمهمات سرية في الداخل الفلسطيني، قبل أن تسطوا عليها المخابرات السورية، وهكذا دخلت مليشيا مخيم النيرب لكي تضرب الجسم الفلسطيني عام 1983 .
الخطوة اللاحقة للانشقاق الفلسطيني كانت جولة الأسد في مخيمات بيروت، عندما أوعز حافظ الأسد إلى حركة أمل اللبنانية باقتحام المخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب التي وجدت الفرصة ملائمة لهيمنتها على المشهد اللبناني، وذلك بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من بيروت وصيدا وصور، ودارت الحرب الدموية ما بين مايو 1985 ويوليو 1988 وشاركت فيها قوات خاصة من الحرس الجمهوري السوري، إضافة إلى اللواء السادس من الجيش اللبناني، وهو اللواء الذي كان قد انشق عن الجيش اللبناني والتحق بحركة أمل، ثم تلا ذلك حرب داخلية في مخيمات بيروت بين منشقي فتح الانتفاضة ومقاتلي ياسر عرفات، ومع ظهور الانتفاضة الفلسطينية الأولى، انتفاضة الحجارة، توقف اللعب الدموي العلني الذي كان يلعبه حافظ الأسد ضد الفلسطينيين، لكي يتحول بعد ذلك إلى بطل قومي راعٍ للقضية الفلسطينية، لكن ياسر عرفات الذي دخل في اتفاق أوسلو عام 1993 كان قد وضع حافظ الأسد جانباً، وباتت المرحلة التالية للعمل داخل فلسطين.
نتيجة للتطورات السياسية التي أفرزتها الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي هدأت عام 1991 بدأ حافظ الأسد بالإفراج عن آلاف المعتقلين الفلسطينيين الذين اعتقلهم مع بدء الانشقاق الذي صنعه في جسم حركة فتح عام 1983 وكانت تلك بداية مرحلة جديدة لعودة الانفراج على المدنيين الفلسطينيين الذين ذاقوا مرارة الهجمة الشرسة التي كانت تقودها المخابرات السورية، مدعومة بمنظمة أحمد جبريل، وعناصر فتح الانتفاضة، وهي المرحلة التي بدأ حافظ الأسد يحد فيها من نشاط الفصائل الفلسطينية، الموجودة في دمشق، حتى باتت محض مكاتب رمزية بلا أي فعل.
عداء نظام الأسد مدنياً للفلسطينيين
ورث نظام الأسد عن حزب البعث تلك العلاقة الخاصة التي كان يعيشها الفلسطينيون في سوريا، ومع تسلم حافظ الأسد مقاليد السلطة بدأت عملية تصفية الوجود الفلسطيني في الدوائر المدنية السورية، وبالذات المراكز القيادية، حيث كانت تعمل نخبة واسعة من الفلسطينيين مستشارين وخبراء في وزارة الاقتصاد ورئاسة الوزراء والتعليم وغيرها، ومع مجيء حافظ الأسد، بدأ بتصفية الوجود القيادي الفلسطيني داخل الدولة، عبر طرائق شتى، ثم استبدال بهم أعوانه، وعلى مدار سنوات قليلة، أصبح الوجود الفلسطيني (القيادي) محدوداً.
الخطوة الثانية كانت بمنع اللاجئين الفلسطينيين الجدد من الحصول على بطاقة الهوية التي كانت سوريا تمنحها تلقائياً لكل لاجئ فلسطيني تقوم إسرائيل بطرده، ولذلك ومنذ عام انقلاب حافظ الأسد، وقعت أول وأكبر أزمة للفلسطينيين، فقد حرم نظام الأسد مئة وخمسين ألفاً من أفراد العائلات الفلسطينية التي غادرت الأردن عقب معارك أيلول من الحصول على أي أوراق ثبوتية، وما تزال هذه الأزمة موجودة إلى يومنا هذا، فقد أدى ذلك القرار، إلى ولادة جيل كامل لا يحمل أوراقاً ثبوتية، وبعد جدل طويل، سمح نظام الأسد للفلسطينيين بحمل ورقة تعريف فقط، كانت تصدر من مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في دمشق، وكانت هذه الورقة تُجدد مرة كل ثلاثة أشهر، ولكن هذه المعاملة، أدت إلى هرب قسم كبير من الفلسطينيين عبر طرائق شتى إلى أوروبا، وهو الهرب الذي بدأ بعد الخروج من بيروت، وما يزال مستمراً حتى هذه الساعة.
وأما في عهد بشار الأسد الذي مع بداية الثورة السورية، أوقف معاملة الفلسطينيين في البعثات والمنح الدراسية والوظائف التي كانوا يحصلون عليها تلقائياً، فالبيانات التي كانت تصدر عن الدولة السورية تستخدم العبارة الآتية (السوريون ومن في حكمهم) والمقصود بالذين في حكمهم (الفلسطينيين) الذين يحملون وثائق لجوء سورية التي حصلوا عليها ما قبل مجيء حافظ الأسد إلى السلطة.
تلا ذلك إصدار الجامعات السورية معاملة الفلسطينيين الذين كانوا يعرفون بفلسطينيي السبعين(10) معاملة الطلبة العرب في الدراسة، وهذا يعني أن على هؤلاء الفلسطينيين أن يدفعوا الرسوم بالدولار بدلاً من الرسوم الرمزية التي كان يدفعها الطالب السوري، وكانت قيمة الرسوم للطلبة الفلسطينيين من هذا التصنيف تبدأ من 2000 دولار في السنة الأولى إلى 5000 دولار بحسب الفرع الدراسي، يضاف إليها الرسم الابتدائي الذي يصل إلى 700 دولار لمرة واحدة، وكانت هذه الإجراءات تهدف إلى مزيد من الضغط على هؤلاء الفلسطينيين، ما عجل فكرة هجرتهم من سوريا.
معاناة الفلسطينيين في ظل حكم الأسد الابن
مع مجيء بشار الأسد إلى الحكم، عانى هؤلاء الفلسطينيون معاناة شاقة، إذ اعتقل عشرات منهم ومكثوا في السجن سنوات طويلة، بانتظار الحصول على كفيل يسمح بتسلمهم من السجن، وكانت المخابرات السورية تشترط أن يكون الكفيل من الفصائل الفلسطينية الموالية لدمشق، وهو ما أجبر مئات الفلسطينيين على موالاة منظمة أحمد جبريل، بغية الاحتماء بها، وهذا بالطبع كان يحدث قبل بدء الثورة السورية.
هنا بالضبط نود أن نشير إلى أن التضخم الذي حصل في منظمة أحمد جبريل بعد الثورة السورية لم يكن نتيجة رغبة قطاع من الفلسطينيين في الانضمام إلى هذه المنظمة، ولكن ذلك كان بقصد الاحتماء بها من الاعتقالات العشوائية، باعتبار أن هؤلاء الفلسطينيين كانوا بلا وثائق رسمية، وخصوصاً بعض الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى هذه المنظمة من مخيم اليرموك، حيث استخدموها وسيلة للاحتماء، ولكن ومع خروج الثورة السورية من المرحلة السلمية إلى المرحلة العسكرية، حدثت هناك تبدلات عدة، نتجت منها أول حالة انشقاق فلسطينية داخل مخيم اليرموك، هي التي حدثت في الخامس عشر والسادس عشر من كانون الأول عام 2012 في منطقة حي التقدم جنوب مخيم اليرموك، إذ رد النظام السوري عليها بإعلانه الحرب على مخيم اليرموك الذي قصفه بالطائرات، وهو ما أدى إلى الخروج الكبير من مخيم اليرموك.
بثينة شعبان تعلن الحرب على الفلسطينيين
بالعودة قليلا إلى الوراء، ومع بداية التظاهرات في مدينة درعا في آذار 2011، أطلت بثينة شعبان في تصريح متلفز تتهم فيه الفلسطينيين بالوقوف وراء أحداث درعا(11) وكان ذلك عقب قيام الأمن السوري بقتل الفلسطيني وسام الغول بسبب إنقاذه بعض الجرحى في سيارته في 23 آذار 2011 في تلك التظاهرات، وكانت تلك هي الرسالة التي فهمها الفلسطينيون جيداً، فقد باتوا منذ الشرارة الأولى في عين العاصفة.
من الصعب جداً اختيار توقيت واحد لمشاركة الفلسطينيين في الثورة السورية، فالمزاج العام بأغلبه كاره للنظام باستثناء البعثيين والمرتبطين بالنظام مثل تنظيم أحمد جبريل وفتح الانتفاضة، ولعل بداية المشاركة في منطقة درعا هي الأدق والأصح، ثم تلا ذلك مخيم الرمل، وبدأت المسألة تتدحرج باتجاه حضور عموم الفلسطينيين في المشهد السوري، وهناك أكثر من عامل دفع الفلسطينيين إلى هذا الأمر ومن بينها مسألة التزاوج بين الفلسطينيين والسوريين، فهناك أخوال وأعمام وأنسباء وأقرباء امتزجت دماؤهم معاً، ومن الصعب جداً أن تجد عائلة فلسطينية ليست مرتبطة بعلاقة مصاهرة مع العائلات السورية، من درعا، وحتى اللاذقية، لكن عموماً كانت الأنظار تلقى على مخيم اليرموك الذي كان حالة خاصة فريدة من نوعها، بسبب كثافة الفلسطينيين فيه، إذ يتجاوز عددهم مئتي ألف وكان يقيم في مخيم اليرموك قرابة 800 ألف سوري، والطريف جداً أن السوريين الذين كانوا يقيمون في مخيم اليرموك، عاشوا حياتهم منذ عام 1970 وما قبل، عاشوا كفلسطينيين، والسبب، أن مخيم اليرموك رمز من رموز النضال الفلسطيني، شارك السوريون المقيمون فيه طوال عقود في نشاط المقاومة الفلسطينية، من مسيرات واعتصامات واحتفالات، وحتى عندما كان مخيم اليرموك يدعو إلى الإضراب تضامناً مع فلسطين، كان المخيم يغلق أبوابه بالكامل مع أن أكثر أصحاب المتاجر من السوريين.
تلت ذلك أحداث مخيم الرمل(12) في 16/8/2011 تلتها مجزرة شارع الجاعونة في الثاني من آب 2012 بحسب (مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا) ما أودى بحياة أكثر من 20 فلسطينياً وكان المخيم حتى ذلك الوقت خالياً من المعارضة السورية المسلحة.
شبيحة أحمد جبريل
أعداد عناصر القيادة العامة (منظمة أحمد جبريل) إضافة إلى البعثيين، هي التي كانت تحدد ميول المخيمات الفلسطينية نحو شكل المشاركة، مع النظام أو مع المعارضة، ففي الجنوب، في مخيمات درعا وجلين إضافة إلى المزيريب، كان وجود البعثيين محدوداً، وكانت نسبة المحرومين من الأوراق الثبوتية (فلسطينيو السبعين) كانت كبيرة، وهؤلاء أغلبهم يعانون مشكلات تاريخية مع النظام، وبالعودة إلى جنوب دمشق، فهناك ميول في مخيم خان الشيح نحو اليسار الفلسطيني وهذا اليسار كان يميل إلى التريث ما قبل 2014، وأما مخيم خان دنون في جنوب دمشق، فكان محسوباً على فتح الانتفاضة والقيادة العامة، وهو مخيم صغير، ولهذا كانت الميول فيه نحو النظام، أمام مخيم اليرموك فالجميع كان يترقب دخوله في حركة الثورة، غير أن قرار المشاركة كان موضع جدل كبير بين النخبة المثقفة، أمام مخيم جرمانا في دمشق أيضا، فهو متنوع ولكنه من المخيمات الفقيرة جداً، يشبه حالة مخيم النيرب في حلب الذي ما يزال سقف القسم الأكبر من المنازل فيه من ألواح التوتياء ولم يتمكن أهله من تجديده ولكنه كان محسوباً منذ عام 1983 على النظام السوري، وهكذا وفي هذه الخريطة الجديدة كان المخيم يدخل ضمن لعبة الشبيحة، إذ بدأ منذ اللحظة الأولى على خط المشاركة الفعلية ومع النظام، من خلال العمل شبيحة، ثم قاعدة مسلحة لإعداد المقاتلين، ثم قاعدة إيرانية أفرزت سموم المشهد الطائفي واللاإنساني، حتى أن شبيحة مخيم النيرب ساهموا في تهجير مخيم اليرموك ونهبه بدلالة أن ارتباطهم الأخلاقي تجاه شعبهم كان معدوماً.
حكاية مخيم اليرموك والمشاركة مع الانتفاضة السورية
في الخامس عشر من أيار 2011 كانت مسيرات العودة التي دعت إليها مجموعة تابعة لأحد الأثرياء الفلسطينيين المعروف باسم ياسر قشلق، خرجت مئات عدة من الفلسطينيين يشاركهم مئات البعثيين، وكان هدف المسيرات الاعتصام في منطقة الجولان المحتل، وهي منطقة حدودية معروفة، كان النظام السوري عادة يجري هناك الاحتفالات السنوية، لكن الذي حدث هذه المرة، أن الفلسطينيين انقسموا إلى نصفين، المجموعة الأولى التي تضم البعثيين ذهبت تحمل شعارات بشار الأسد وصوره، بينما المجموعة الثانية اقتحمت الجولان واشتبكت مع الجيش الإسرائيلي ووقع شهداء وجرحى.
هذه الحادثة أثارت فضول الإعلام، ووجد الإيرانيون ضالتهم فيها، فكلفوا حليفهم ياسر قشلق بتكرار المشهد في الخامس من حزيران من العام نفسه، وحدثت بالفعل المسيرات الجديدة، لكن النظام قاد أغلب الفلسطينيين إلى مكان ضيق يسمى الحميدية في منطقة الجولان، وهناك حدثت الكارثة، فقد سقط 25 فلسطينياً و400 جريح، ونتج من ذلك استثمار الإعلام السوري للمشهد عادّاً إياه تأييداً لبشار الأسد من جموع الفلسطينيين، وهذا ما أدى إلى غضب شديد في مخيم اليرموك، انعكس في لحظة تشييع الضحايا، إذ هاجم الفلسطينيون المسؤولين الفلسطينيين المشاركين، وكان ماهر الطاهر مسؤول الجبهة الشعبية آنذاك في الواجهة حيث تعرض لاعتداء من المشيعين، تلا ذلك هجوم المشيعين على الموقع الرسمي للجبهة الشعبية القيادة العامة، وإحراقه، وكان في داخله أحمد جبريل الذي نجى بأعجوبة بعد تدخل الجيش السوري وإطلاق الرصاص وفض المتظاهرين.
هناك تماماً دخل مخيم اليرموك خط المعركة، وهناك بدأت التشكيلات السرية التي دعمت بعضها حركة حماس، وانتهت إلى تشكيل أكناف بيت المقدس الذي ظهر لاحقاً لكن في ما بعد أجهضت فكرته حركة حماس، وتشكلت مجموعات فلسطينية عدة، وانخرط فلسطينيون كثر في فصائل سورية، في أطراف مخيم اليرموك في منطقتي حجيرة والحجر الأسود، يضاف إلى ذلك مشاركة فلسطينية لعدد من الشبان الفلسطينيين من مخيم درعا الذين التحقوا مع فصائل سورية عدة هناك، وأما في الغوطة الشرقية، فقد شارك بعض الفلسطينيين ضمن تشكيلات فصائل المعارضة عام 2012 وكان من بين المشاركين، إبراهيم الشقاقي، وهو ابن مؤسس حركة الجهاد الإسلامي.
عموماً لا يمكن فصل الفلسطينيين عن المشهد السوري، وهم جزء من المكون السوري العام، لأن عموم المصائب والقتل الذي تعرض له الفلسطينيون على يد النظام السوري، شكلت لديهم معرفة مسبقة بطبيعة هذا النظام، وخصوصاً بعد مجزرة تل الزعتر عام 1976 وأما الحالة الشاذة في مخيم النيرب وبعض الشبيحة في بعض المخيمات، فهي حالة مرتبطة بحزب البعث وبالفصائل الفلسطينية المرتبطة بالمخابرات.
حتى الرابع من شباط 2018 نشرت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا ومقرها لندن الإحصائية الآتية:
حصيلة الضحايا الفلسطينيين الذين تمكنت مجموعة العمل توثيقهم –-3645 بينهم (463) امرأة.
عدد المعتقلين الفلسطينيين في أفرع الأمن والمخابرات التابعة للنظام السوري (1656) بينهم (105) إناثاً.
وصل حوالى (85) ألف لاجئ فلسطيني سوري إلى أوروبا حتى نهاية 2016، في حين يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بحوالى (31) ألف، وفي الأردن (17) ألف، وفي مصر (6) آلاف، وفي تركيا (8) آلاف، وفي غزة ألف فلسطينيي سوري.
أخيراً يمكن القول، إن الفلسطينيين عاشوا في سوريا كسوريين، مثلما كان هناك في مخيم اليرموك 800 ألف سوري إلى جانب 200 ألف فلسطيني، عاشوا حياتهم جميعاً كفلسطينيين، في المخيم الذي كان يضم مليون نسمة تقريباً. لا يمكن الفصل بين السوريين والفلسطينيين في الأزمة السورية، باستثناء الحالة الشاذة والشائنة لمخيم النيرب، ولتنظيم أحمد جبريل المعروف بالقيادة العامة.
مصادر
- العربي الجديد، الفلسطينيون والثورة السورية، نصري حجاج، 2 فبراير 2016.
- موسوعة الجزيرة، صلاح جديد الزعيم السوري الصامت، 28 فبراير 2016.
- الموقع الرسمي للتلفزيون السوري، الحركة التصحيحيّة من منظور آخر. 17 تشرين الثاني 2013.
- أبو علي إياد، أبرز القادة العسكريين في الثورة الفلسطينية وقتل في أحراش عجلون في 27 تموز 1971.
- مذبحة تل الزعتر التي شارك فيها النظام السوري والمليشيا الانعزالية اللبنانية في 12آب 1976.
- كتاب حياة غير آمنة.. جيل الأحلام والإخفاقات، شفيق الغبرا.
- معتقل أنصار، افتتح في 14 تموز 1982، وأقفل في 4 نيسان 1985.
- موقع وزارة الدفاع السورية.
- حدث الانشقاق في فتح في التاسع من أيار 1983 واعتمد على ضباط واثنين من أعضاء اللجنة المركزية كان مقر إقامتهم في دمشق.
- فلسطينيو السبعين هو الاسم الذي يطلق على الفلسطينيين الذين غادروا الأردن بعد أحداث أيلول عام 1970 وتشمل هذه التسمية مختلف الفلسطينيين الذين وصلوا إلى سوريا من العراق والضفة الغربية بعد عام 1970 وبقوا من دون وثائق رسمية.
- موقع أورينت نيوز 3 شباط 2013.
- الإمارات اليوم 16 آب 2011.
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.