تارة تجدها في متاحف رسمية لدول، وأخرى في مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي بيد أفراد وعصابات!
منذ عشر سنوات ومع انطلاق الثورة السورية 2011، والحرب التي تلتها، تكالب الكثيرون على اغتصاب المواقع الأثرية السورية بين تدمير من جهة بقصف مباشر لها، وسرقة مستمرة عبر ميليشيات بحثاً عن المكسب المادي فقط، مستغلة الانفلات الأمني والوضع الاقتصادي السيئ.
مصادر حقوقية، أكدت أن فصائل معارضة سورية مدعومة من أنقرة تواصل عمليات البحث والتنقيب عن الآثار في مناطق مختلفة من قرى وبلدات منطقة عفرين شمالي غربي حلب، وأنها مستمرة بذلك منذ سيطرة الفصائل على تلك المناطق، بدعم تركي في آذار 2018، وبتسهيلات من الاستخبارات التركية.
بين ايران و”داعش”
بينما أكدت مصادر “مينا” أن هذه “العمليات مستمرة بشكل فاضح يقوم بها كل من يسيطر على منطقة من المناطق منذ العام 2012” فيما شكل نظام الأسد وحزب الله اللبناني، ورشات عمل برفقة آليات مهمتها الحفر والتنقيب عن الآثار في محافظة دير الزور وريفها الشرقي، ويتم تصريف وتهريب الآثار التي يتم العثور عليها بإشراف الحرس الثوري الإيراني في دمشق.
المصادر أوضحت أن عمال من أبناء المنطقة يعملون في هذه الورشات بـ “ورديتينن”، وكل فريق يعمل بوردية لمدة ثلاث ساعات صباحاً ومساء، مشيرة إلى أن “كل عامل يحصل على مبلغ 3000 ليرة سورية عن كل وردية يقوم بها، وأن العاملين وقعوا على تعهد بعدم الإفصاح عن طبيعة عملهم لأي جهة تحت طائلة المسؤولية”.
مصادر خاصة بـ مينا أكدت أن ميليشيات “حزب الله” اللبناني تركز عملياتها في التنقيب عن الآثار، في منطقة القلمون الغنية شمال العاصمة دمشق وكذلك مدن وبلدات الغوطة الشرقية، بالإضافة إلى مواقع تسيطر عليها الميليشيات في منطقة اللجاة الواقعة بين محافظات درعا ودمشق والسويداء، بينما تستهدف الميليشيات الإيرانية المواقع الأثرية في محافظة دير الزور شرقي سوريا.
يذكر أنه عند سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق واسعة من شرق وشمال شرق سوريا، التي تعد من أغنى المناطق في سوريا بحكم وجود مملكة ماري الأثرية هناك، تداولت الكثير من وسائل الإعلام تحقيقات عن دعم من جهات خارجية بالسلاح لداعش، مقابل الآثار.
وفي يونيو حزيران السابق سلط تقرير لـ”فرانس برس” الضوء على تورط الأمين السابق لمتحف “لوفر” في المتاجرة بآثار سوريا المنهوبة، مؤكدا أن خمسة أشخاص اعتقلتهم باريس في هذه القضية، شكلوا “عصابة” تورطت في تهريب وتسويق مئات اللقى والقطع الأثرية، تقدر قيمتها بعشرات ملايين اليوروهات، وتم استجلابها من بلدان شرق أوسطية تمزقها الصراعات، لاسيما سوريا واليمن.
تقارير وأرقام..
مؤسسة “جيردا هنكل” الألمانية أصدرت بالتعاون مع جمعية حماية الآثار السورية في “فرنسا” في يونيو/ حزيران الفائت، تقريرا رصد فيه أحوال المتاحف الأثرية في سوريا بين عامي 2011 و2020، وما تعرضت له من تدمير وسرقة جراء الحرب.
ووفق التقرير فإن هناك 55 مؤسسة ثقافية تعنى بحفظ الإرث الثقافي في “سوريا”، بينها 49 متحفاً، بالإضافة لمستودع واحد ضخم لحفظ القطع الأثرية، و5 دور عبادة تحوي قطعاً أثرية وتاريخية، فجميعا تعرضت للنهب.
التقرير ذكر أمثلة عدة كان منها متحق “تدمر” الذي كان يحوي 12 ألف قطعة أثرية قبل الحرب، وأن 3450 قطعة أثرية تعرضت للسرقة من المتحف، كذلك تناول التقرير واقع “المتحف الأركيولوجي” إلى الشمال الغربي من “تدمر”، تحديداً في “إدلب” الخاضعة لسيطرة المعارضة المدعومة من “تركيا”، الذي كان يحوي عند افتتاحه في العام 1987 مجموعات فنية هامة عددها 15 ألف قطعة فنية تمتد إلى مرحلة ما قبل التاريخ وفترة الاحتلال العثماني لسوريا، وقد نهب الكثير من محتوياته أو إتلافها خصوصاً الأرشيف، وتقدر أعداد القطع المسروقة بـ5844 قطعة.
قرارات الأمم المتحدة..
بعد كثرة الإتجار بالآثار السورية ولا سيما من قبل تنظيمي “داعش” و”القاعدة” وميليشيات ايران، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2199 في عام 2015، الذي يشدد العقوبات المالية المفروضة على هذه الجماعات لتعطيل أنشطتها العنيفة من خلال تجميد مصادر تمويلها وإنفاقها، مثل الموارد المالية الناجمة عن أعمال النهب والتهريب والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.
وأكد مجلس الأمن حينها على القرار 1483 لعام 2003، الذي يقضي بأن تمنع جميع الدول الاتجار أو نقل الممتلكات الثقافية التي أخذت بصورة غير قانونية من العراق (اعتبارا من 6 أغسطس 1990) وأن تعمل على تيسير عودتها بسلام إلى العراق، يعيد القرار 2199 التنصيص على تلك التدابير المُلزمة بخصوص الممتلكات الثقافية التي يشتبه في أنّها قد نقلت بصورة غير مشروعة من سوريا بعد مارس 2011.
إلى جانب ذلك، أصدر القرار رقم 2253، الذي صدر في العام 2015، ليلزم الدول على الإبلاغ عن المواد الثقافية الآتية من العراق وسوريا التي قامت بمصادرتها وتقديم تقرير عن نتائج الإجراءات المتخذة ضّد مهربي الآثار الذين يمولون تنظيم داعش وجبهة النصرة والقاعدة وشركائهم. كما عزّز مجلس الأمن هذه التدابير بإصداره القرار 2347 سنة 2017، والذي يطالب الدول الأعضاء بحظر الاتجار بالممتلكات الثقافية أو نقلها من كافة مناطق النزاعات.
دول عديدة أ:دت أنّها اتخذت إجراءات تساهم في تنفيذ قرار مجلس الأمن 2199، إلا أن العديد من الدول التي «حققت شيئا ما» على مستوى الآليات، لم تذهب إلى أبعد من التأكيد على التدابير العامة القائمة بالفعل.
وقد اضطرت اليونسكو إلى توجيه النداء من جديد إلى الدول الأعضاء حتى تتخذ على أقل تقدير، الحد الأدنى من التدابير العملية، مثل الإبلاغ عن مصادرة المواد الثقافية الآتية من مناطق النزاعات. كما قامت المنظمة بحث الأطراف في اتفاقية عام 1970 بشأن وسائل الحظر والحيلولة دون استيراد وتصدير ونقل الملكية الثقافية بصورة غير مشروعة على إدراج قراري مجلس الأمن 2199 و2253 ضمن القوانين المحلية.
في سابقات الأيام كان الحديث عن كبار شخصيات نظام البعث وأزلامه، والتي تستمر حتى اليوم في نهب آثار سوريا، وبعدها تنظيم “داعش” الذي سيطر ولسنوات على مساحات شاسعة من سوريا، إذ هيمن على مواقع أثرية مهمة للغاية مثل مملكة ماري ومدينة تدمر، وبعدها ميليشيات بأجندات خارجية، وأفراد لغايات مادية، حتى باتت اليوم الآثار السورية تعرض للبيع على صفحات التواصل الاجتماعي، في مشهد يستنزف تاريخا عريقا امتد لآلاف السنين.