اعتمدت طهران سياسة خاصة في تعاملها مع الغرب (أوروبيًا وأمريكيًا) بهدف تحقيق مكاسب تعجز عن تحقيقها بطرق أخرى.. حيث يسمح اهتمام الغرب ببعد حقوق الإنسان وحماية المتعاملين معه أو مواطنيه، بلجوء سلطة الملالي لقضية الابتزاز السياسي بملف المعتقلين عندها وعند الغربيين بين مسائل تبادل ومسائل تهديد بإعدام أو محاكمات لمواطنين مزدوجي الجنسية لتحقق عبر قضيتهم اختراقات مختلفة..
تبادل وابتزاز
يوم أمس الاربعاء، جرت عملية تبادل لأسرى بين إيران ودول غربية.. فقد أطلقت طهران سراح الباحثة الأسترالية البريطانية كايلي مور- جيلبرت المتهمة بقضايا تجسس خلال عام 2019 والمعتقلة لذلك في سجن إيفين بطهران، بعد أكثر من عامين.
وضمن سياسة استغلال الرهائن ومعتقلي مزدوجي الجنسية للضغط على الدول الأوروبية، أفرجت إيران عن “جيلبرت” مقابل معتقلين.. فقد أورد الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء والتلفزيون الإيرانية “إيريب نيوز”، أنه جرى الإفراج عن 3 سجناء إيرانيين في الخارج مقابل إطلاق سراح الباحثة الأسترالية البريطانية.
التلفزيون الإيراني بدوره أكد الإفراج عن رجل أعمال وإيرانيين إثنين، محتجزين في الخارج مقابل مور- جيلبرت.
ونقلت وكالة أنباء “مهر” المحلية، عن مصادر (لم تسمها)، أن “طهران أجرت عملية تبادل لرجل أعمال إيراني إلى جانب مواطنين آخرين معتقلين في الخارج بتهم كاذبة، بجاسوسة تعمل مع النظام الصهيوني” بحسب الوكالة التي لم تذكر الجهة التي اعتقلت المواطنين الإيرانيين، ولا تاريخ اعتقالهم.
وكانت وسائل الإعلام العالمية قد ركزت عام 2018 على إيران، عندما تم نشر نبأ اعتقال امرأة ” كايلي مور جيلبرت” تبلغ من العمر 31 عاما، اسمها .
جيلبرت، مواطنة بريطانية أسترالية وصفتها وسائل الإعلام الأجنبية بأنها باحثة وأستاذة جامعية، وفق الوكالة الإيرانية.
حيث سافرت بصفة باحثة إلى جميع البلدان المهمة في منطقة غرب آسيا، بما في ذلك إيران ومصر وسوريا والعراق والبحرين والكويت، وحضرت التجمعات العلمية والدينية.
تكتم واعتقال تعسفي
على غرار قضايا العديد من السجناء مزدوجي الجنسية والسياسيين.. اعتقلت السلطات الإيرانية، كايلي مور جيلبرت، العاملة كأستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة ملبورن الأسترالية في خريف عام 2018 خلال مغادرتها إلى بلادها من مطار طهران.. ثم تكتمت على تفاصيل الملف القضائي للباحثة الأسترالية.
لتدخل “مور جيلبرت” اضرابًا عن الطعام لفترة داخل سجنها، نهاية ديسمبر كانون الأول 2019، كخطوة احتجاجية على استمرار احتجازها وحرمانها من حقوقها القانونية.
وصرحت أنها أضربت عن الطعام إلى جانب الباحثة الفرنسية المحتجزة في إيران فريبا عادل خواه، لأن سلطات طهران تسجنهما بسبب أنشطتهما الأكاديمية.
وفي رسائل مسربة من السجن، قالت جيلبرت إن مسؤولين أمنيين إيرانيين عرضوا عليها التعاون معهم في التجسس مقابل تخفيف عقوبة سجنها، لكنها رفضت.
استراليا تتحفظ
رغم تأكيدات طهران على إطلاق سراح المعتقلة الأسترالية.. لم تظهر بلادها أي تأكيدات على الصفقة المحتملة التي أطلق سراحها بموجبها.. خصوصًا أن الأنباء المتداولة في كواليس القضية تشير إلى تبديل جيلبرت بـ “ثلاثة إيرانيين متورطين في محاولة اغتيال فاشلة لدبلوماسيين إسرائيليين قبل ثماني سنوات”.. (أدينوا بمحاولة تنفيذ هجمات إرهابية على الأراضي التايلاندية).
في حين اعتبرت أوساط كثيرة أن إدانة الباحثة المذكورة عبر محاكمة سرية لا تستند للجدارة أو الاصول الفعلية للمحاكمات حيث لم يعلن عن أي دليل على جرائم مور جيلبرت المزعومة.. وفق تحفظ سلطات بلادها.. حيث نفت المزاعم ضده ورفضتها الحكومة الأسترالية ووصفتها بأنها لا أساس لها.
بدوره، رئيس وزراء أستراليا ، سكوت موريسون.. تحفظ رافضًا التعليق على صفقة الإفراج عن مور جيلبرت والمفاوضات من أجل إطلاق سراحها..دون أن يؤكد أو ينفي ما إذا كان الإفراج عنها هو تبادل للأسرى.
وقال موريسون: “نحن لا نؤكد أو نعلق على أي اقتراح بخصوص إطلاق سراحه.. هذا سبب وجيه والسبب هو أن أستراليا تعمل من خلال القنوات الدبلوماسية لحل العديد من القضايا من هذا النوع.”
أما وزيرة الخارجية الأسترالية “ماريس بي إي” فأعلنت للصحفيين ردًا على سؤال حول المشاورات الأسترالية مع إسرائيل وتايلاند: “لن أعلق على المناقشات الدبلوماسية مع الحكومات الأخرى”.
عودة الإيرانيين
نقلت وسائل إعلام إيرانية رسمية، لقطات للإيرانيين الثلاثة (سيد مرادي ، محمد خرزي ، مسعود صداقات زاده) راجعين إلى إيران مستقبلين بحفاوة..
الأول كان متورطًا في تفجير هائل في بانكوك في فبراير شباط 2012 تسبب بمقتل دبلوماسيين إسرائيليين ، لكنه فجر شقته المستأجرة فقط ، ما أدى إلى إصابة خمسة أشخاص.
ليخسر مرادي ساقيه عندما ألقى قنبلة يدوية على الشرطة، اصطدمت بشجرة وارتدت عليه.. وحُكم عليه فيما بعد بالسجن المؤبد.
أما خارزي، اعتقل لمحاولته الفرار من تايلاند عبر مطار بانكوك، فحُكم عليه – فيما بعد – بالسجن 15 عامًا.
في حين اعتقل “زاده” ، أثناء محاولة العودة إلى إيران في ماليزيا ، تم تسليمه إلى تايلاند في عام 2017.
شكر وتقدير
وجهت “مور جيلبرت” الشكر للحكومة الأسترالية، خصوصًا الموظفين الدبلوماسيين في السفارة الأسترالية في طهران ، الذين عملوا بكد طوال العامين والثلاثة أشهر الماضية على إطلاق سراحها “.
وقالت الباحثة: “شكر لكل الذين دعموني وناضلوا من أجل حريتي ، بعد إهمال العالم”
بدورها، عائلة جيلبرت قالت إنهم “شعروا بالارتياح والسعادة” لإطلاق سراحها.. “لا يمكننا أن نعطي كل واحد منا نهاية سعيدة لهذه الأخبار الرائعة.”
وأصرت الباحثة المتهمة بالتجسس، على إنكار الاتهامات والمزاعم ضدها طوال فترة الاعتقال.. وعبر رسائل جرى تهريبها من سجن إيفين خلال العام الماضي، قالت: “أنا امرأة بريئة، مسجونة في جريمة لم أرتكبها ولا يوجد دليل حقيقي عليها”.
لتعلق: “إنه ظلم خطير ، لكن للأسف لم يكن الأمر مفاجئا بالنسبة لي.. كان من الواضح أن الادعاءات ملفقة ولا أساس لها”.
كما كتبت حينها أنها سترفض إجراءات التجسس التي اتخذتها الحكومة الإيرانية مقابل إطلاق سراحها.
“أنا لست جاسوسة.. لم أكن جاسوسة أبدًا وليس لدي مصلحة في العمل لدى أي منظمة تجسس في أي بلد.. و عندما أغادر إيران ، أريد أن أكون امرأة حرة وأن أعيش حياة حرة ، لا تخضع لأي ابتزاز وترهيب”.
مطالب بالضغوط على إيران
مراسل صحيفة واشنطن بوست، جيسون رضائيان، الذي قضى أربعة أيام في إيران ، قال إنه “مسرور” لرؤية جيلبرت يطلق سراحها.. بعد أكثر من عامين من احتجازه كرهينة من قبل الحكومة الإيرانية”.
وقال: “بقدر ما أنا سعيد ، أعرف الصدمة والمفاجأة على وجهها. أتمنى لها الصحة والعافية والخصوصية والصبر.
وقال رضائيان إن الحكومات في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى الضغط على إيران للتخلي عن دبلوماسية الرهائن.
بدورهم أكد أصدقاء وزملاء “جيلبرت” الذين دافعوا عن إطلاق سراحها ، اعتبروا أنه ما كان يجب أن يحدث ماجرى أبدًا”.
مجموعة الاصدقاء – وبحسب وسائل إعلام أجنبية – قالت: “ألقت الحكومة الإيرانية القبض على كايلي للحصول على فدية ، التي رأت أنه من المناسب احتجاز امرأة أسترالية بريئة كرهينة من أجل إعادة سجنائها المدانين إلى بلادهم في الخارج”. . ليؤكدوا في بيان عما جرى: “إنه نموذج أعمال لا يغتفر.. له عواقب بشرية لا تغتفر”
رعايا استراليون
في عام 2019.. تم الكشف عن اسم الباحثة بعد إعلان أستراليا، توقيف ثلاثة من رعاياها في إيران.. من بينهم صاحبا مدوّنة لتوثيق الرحلات، مارك فيركن وصديقته جولي كينغ التي تحمل الجنسية البريطانية كذلك والمتحدّران من بيرث غرب أستراليا.
وبحسب الاندبندنت، أفادت عائلتاهما، بأنّهما يسافران ويوثّقان تفاصيل رحلتهما الطويلة بين أستراليا وبريطانيا على مدونة خاصة بذلك.
رغم غموض أسباب توقيف الثلاثة حينها، استبعدت تقارير أن يكون احتجاز كايلي مور جيلبرت مرتبطاً بتوقيف جولي كينغ ومارك فيركن..
حينها أكّدت وزيرة الخارجية الأسترالية ماري باين، أن الأستاذة الجامعية محتجزة “منذ أشهر عدة” بينما الآخران موقوفان منذ “بضعة أسابيع”.
في مستوى أعمق، وبين افتراضات مختلفة تتعلق باعتقال الأستراليين خصوصًا، بعد موافقة استراليا قبل عام؛ على المشاركة في مهمة بقيادة الولايات المتحدة تهدف إلى حماية السفن التجارية في مضيق هرمز، (يمرّ عبره ثلث النفط المنقول بحرًا في العالم).. بعد وقوع سلسلة هجمات استهدفت ناقلات نفط وإسقاط طائرة من دون طيار أميركية في منطقة الخليج، في عمليات نسبتها واشنطن إلى طهران التي تنفي ضلوعها في هذه الأحداث.
بدورها وزيرة الخارجية الأسترالية قالت إن هذه التوقيفات غير مرتبطة بالتوترات في المنطقة.
أما صحيفة “تايمز” البريطانية، وفي تقرير قديم قالت إن الأستراليين الثلاثة يقبعون في سجن بطهران، حيث تُحتجز فيه نازانين زاغاري راتكليف، الموظفة في مؤسسة “تومسون رويترز” الخيرية، وهي بريطانية إيرانية محبوسة منذ عام 2016 لاتهامها بالتجسّس.
لتدعو أستراليا وقتها، طهران إلى التعامل “بطريقة إنسانية” مع الموقوفين الثلاثة من مواطنيها.
وأكّدت وزيرة الخارجية أنها تطرّقت “مرات عدة” إلى قضية مارك فيركين وجولي كينغ مع نظيرها الإيراني محمد جواد ظريف، قائلةً إن “الحكومة تبذل جهودًا كبيرة للتأكد من أنهم يلقيان معاملة إنسانية وبشكل سليم وفق المعايير الدولية”.. وأشارت كذلك إلى أن “لا سبب” للاعتقاد أن لتوقيفهما دوافع سياسية.
مناورات إيرانية
تؤكد تصريحات قيادات نظام الملالي في طهران، على البعد السياسي في قضايا الاعتقالات لمزدوجي الجنسية حيث تعرض عمليات تبادل لأولئك السجناء..
ففي سبتمبر أيلول الماضي، أكد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن إيران مستعدة لتبادل جميع السجناء مزدوجي الجنسية.
وفي تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية للأنباء قال ظريف: “لسنا مستعدين للتفاوض مع الحكومة الأميركية، نحن نستخدم الحكومة السويسرية أو أي دولة أخرى ترغب في لعب دور إيجابي في هذا الصدد”.
ليشدد حينها على أنه ليس هناك أي مواطن أميركي مسجون حاليًا في إيران، ولا يوجد سوى عدد قليل من السجناء “مزدوجي الجنسية”..
موضحًا: “مستعدون لتبادل جميع المسجونين في الولايات المتحدة أو المسجونين بضغط أميركي في دول أخرى، مع مزدوجي الجنسية في إيران”.
وكان وزير الخارجية الإيراني قد أعلن قبل تلك التصريحات في مؤتمر عبر الإنترنت مع مركز الفكر الأميركي “مجلس العلاقات الخارجية” أن طهران مستعدة لتبادل كامل للسجناء مع الولايات المتحدة، إلا أنه قال في الجلسة ذاتها، ردًا على أسئلة حول إعدام المصارع نويد أفكاري: “لدينا قضاء مستقل، والحكومة لا تتدخل في اتخاذ قرارات المحاكم”.
لتفجر تلك التصريحات ردود فعل واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الاجتماعية، باعتبارها متناقضة.. حيث أشار العديد من المستخدمين إلى أن المسؤولين الحكوميين أثاروا قضية استقلال القضاء ردًا على أسئلة حول إعدام وتعذيب ومضايقة السجناء، لكنهم يطرحون بقوة قضية تبادل الأسرى التي هي أيضًا، بحسب القانون الإيراني، بيد القضاء.
وقبل شهور، تسبب إطلاق سراح مايكل وايت وماجد طاهري وسيروس عسكري من سجون إيرانية وأميركية، بإثارة قضية تبادل الأسرى بين البلدين.
حينها، اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إطلاق سراح مايكل وايت علامة على إمكانية التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن.
ليدعو وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إيران إلى إطلاق سراح ثلاثة مواطنين أميركيين من أصول إيرانية مسجونين في إيران (سيامك وباقر نمازي، إضافة إلى مراد طاهباز).
يذكر أنه من السجناء مزدوجي الجنسية في إيران، توجد نازنين زاغري، المواطنة البريطانية من أصل إيراني، وكذلك فريبا عادلخاه، أستاذة جامعية إيرانية فرنسية.
وكانت وسائل إعلام غربية قد ذكرت في أيلول سبتمبر أن ثلاث دول، هي “فرنسا وألمانيا وبريطانيا”، استدعت السفراء الإيرانيين للاحتجاج على وضع السجناء السياسيين واحتجاز مزدوجي الجنسية من قبل حكومة الجمهورية الإسلامية.