هيئة التحرير
في ظل ظروف استثنائية، وبعد أن ملأ رئيس الوزراء العراقي، «مصطفى الكاظمي»، الشواغر في تشكيلته الوزارية، تنطلق اليوم الأربعاء، أولى جولات المفاوضات بين واشنطن وبغداد، بينما لا يمكن التغاضي عن الصعوبات التي تواجه فريق التفاوض العراقي، وفي مقدمتها تباين سياسي داخلي حول آليات ومرجعية هذا الحوار الذي سبقته جولات من التصعيد الأميركي الإيراني على الأراضي العراقية.
المفاوضات بين الجانبين، لن تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل ستشمل أيضاً العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، كما تشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، المثبتة ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي، والتي من المفترض أن تحدد بناءً عليها شكل وإطار العلاقة بين الحكومة الاتحادية، وإقليم كردستان العراق، هذه العلاقة التي أيضاً عاشت تحولات ومتغيرات عند أيّ تشكيل حكومي؛ أو انتخابات برلمانية.
انقسام «سني شيعي»
وينقسم السياسيون العراقيون حول هذا الحوار، فغالبيةُ القوى «الشيعية» تُصر على تحديدِ موعدٍ زمني لإخراج ِ القواتِ الأجنبيةِ والأميركية من الأراضي العراقية، وهذا ما لا يُؤيده الأكرادُ و«السنّة». يقول الكاتب والباحث السياسي العراقي، الدكتور «باسل حسين»، في ذلك: إن «الولايات المتحدة تتطلع إلى حوار شامل لغرض وضع عتبة تأسيسية للعلاقة الأميركية العراقية مستقبلا ولسنوات مقبلة». متوقعاً أن «المؤشرات الإيجابية للحوار لم تأت من فراغ، بل جاءت بسبب التوجهات الأكثر اعتدالاً لحكومة الكاظمي، والرغبة في استعادة التوازن بعلاقاتها الخارجية، التي تضررت كثيرا في حقبة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي».
ويُشير الدكتور باسل حسين، إلى تقييد حرية اتخاذ القرار لدى المفاوض العراقي، بفعل قوة التأثير المتنامي لوكلاء إيران داخل العراق والتهديدات المستمرة، بل ومحاولة فرض شروط خاصة بتلك الميليشيات على طاولة المفاوضات، لعل في مقدمتها التأكيد على الانسحاب الأميركي من العراق.
من جانبه، انتقد سياسيون «سنّة» تفرّدَ نظرائهم «الشيعة» في ملفِ المفاوضات مع الجانبِ الأميركي، أسوّة بما جرى في توقيع ِ اتفاقيةِ الإطارِ الاستراتيجي في العام 2008، بهدفِ التناغم المصلحةِ الإيرانية لكنهم في المقابل أكدوا ثقتَهم الكاملةَ بحكومةِ مصطفى الكاظمي لإدارةِ هذا الحوار، الذي جاء بعد نحو 12 عاماً من توقيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية التي حددت أطر التعاون بين البلدين.
ظروف استثنائية
ومن المتوقع، أن يبدأ الحوار عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بين وفدين على مستوى السفراء، لعدم التصويت على وزير خارجية في حكومة الكاظمي، فإن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، سيشرف على الحوار بين الطرفين.
وتعليقاً على ذلك قالت عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، «ألا طالباني» خلال تصريحات إعلامية: إن «مقترح تحديد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والعراق جاء عقب حادثة مطار بغداد الدولي (مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة أميركية في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي) وقرار البرلمان العراقي سحب القوات الأميركية من العراق».
ويأتي الحوار بعد زيارة وفد إيراني برئاسة وزير الطاقة «رضا إركادنيان» إلى بغداد والتقى كبار المسؤولين العراقيين، وفي مقدمتهم الرئيس، «برهم صالح». وكان من ضمن الوفد «إسماعيل قاآني» الذي قام بأول زيارة معلنة لبغداد منذ توليه قيادة الحرس الثوري الإيراني خلفا لقاسم سليماني.
أتي هذا الحوار أيضاً في ظل التغيرات الأمنية والسياسية التي شهدها العراق في الأسابيع والأشهر الماضية، بدءاً بتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، وانفتاح السلطات الجديدة في العراق، على دول الخليج.
وسبق التطور الحكومي في العراق، سلسة من التظاهرات المطالبة بمحاربة الفساد وإجراء انتخابات نيابية جديدة، ووضع حد للنفوذ الإيراني والميليشيات التابعة لطهران في العراق، إضافة إلى إخراج أبرز اللاعبين الإيرانيين على الساحة العراقية والشرق أوسطية، عبر تصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني فور وصوله إلى مطار بغداد.
محاور الحوار الست…
الموفد الأميركي الخاص إلى التحالف الدولي، جيمس جيفري، كشف خلال لقاء مع أعضاء التحالف الدولي لهزيمة «داعش»، أبرز النقاط التي سيتطرق إليها الحوار الاستراتيجي. ونقل «جيفري» عن وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، «ديفيد هيل» الذي يترأس الحوار عن الجانب الأمريكي، إن «ما نبحث عنه ليس مجرد الحديث عن وجود قوات التحالف في العراق، ولكن أيضاً عن العلاقات الثنائية الأميركية العراقية بأكملها، وذلك فق اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 وفي المجالات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية والطاقة وكذلك الأمن… إضافة إلى الجهود الشاملة للمجتمع الدولي لمساعدة العراق على الوقوف على قدميه».
المتابعون للملف العراقي في واشنطن، أكدوا أن القضايا الأساسية التي ستركز عليها العاصمة الأمريكية، هي:
– اتخاذ الحكومة العراقية إجراءات لحماية الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين، وقوات التحالف الدولي لهزيمة «داعش» العاملة على الأراضي العراقية.
– وقف اعتماد العراق على إيران لاستجرار الطاقة الكهربائية، ووجوب الإسراع في إيجاد البدائل.
– دور إيران المزعزع للاستقرار في العراق، والمنطقة وضبط وكلائها والميليشيات المدعومة من قبلها، ووضع حد للتدخل الإيراني في الشؤون العراقية.
– انفتاح العراق على محيطه العربي وتشجيع الخطوات التي اتخذتها الحكومة العراقية مؤخراً في هذا المجال.
– كيفية مساعدة العراق على مواجهة وباء كورونا، وتخطي الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط التي يعتمد عليها العراقيون إلى حد كبير.
– مستقبل الوجود الأميركي وقوات التحالف الدولي في العراق، لضمان عدم ظهور «داعش» من جديد.
موقف أمريكي ثابت
لم يكتف الموفد الأميركي إلى التحالف الدولي، جيمس جيفري، والذي عمل أيضاً سفيراً للولايات المتحدة في العراق، في إبراز أهم نقاط الحوار، وإنما أكد: أنه «ليس هناك أيّ تغيير في الموقف الأميركي، وهو أنه سنواصل الحفاظ على وجود قواتنا طالما رغبت الحكومة العراقية في وجود قوات أميركية، ومن التحالف الدولي لهزيمة (داعش) على أراضيها إلى حين الانتهاء من هزيمة التنظيم». لافتاً إلى أن «هذا لم يكتمل بعد».
ويرى «جيفري» أن العراقيين منقسمون حيال الانسحاب الأميركي من بلادهم، موضحاً أن «الناصرية والنجف تحت قيادة السيستاني اتخذت موقفاً بأنه لا يجب اتخاذ قرار فيما يتعلق بالوجود العسكري الدولي قبل إجراء انتخابات جديدة، وهذا هو موقف جزء مهم من النظام السياسي العراقي. والأطراف المختلفة الأخرى لديها وجهات نظر مختلفة بهذا الشأن. فالأحزاب الكردية مثلاً لم تدعم دعوة البرلمان للانسحاب».
ووفقاً لمختصين في القانون، فإن أفضت هذه المفاوضات إلى عقد معاهدة بين العراق والولايات المتحدة، فستكون كلمة الفصل للبرلمان العراقي، وذلك طبقاً للمادة (61) من الدستور، والمادة (17) من قانون عقد المعاهدات. فيما تضع واشنطن في حساباتها، بناء شراكة مع بغداد لحماية مصالحها بالداخل العراقي، وضمان تواجدها العسكري بوصفه عاملاً مهما في توطيد الاستقرار السياسي والأمني، لاسيما مع وجود التهديدات المتعددة التي تحيط بالعراق.