أبوبكر الرمح
تحديد بداية الأشهر القمرية، وبخاصة في شهري رمضان وشوال، من القضايا التي تثير جدلاً واسعًا بين العلماء والفقهاء والفلكيين في العالم العربي والإسلامي. وهناك طريقتان أساسيتان لتحديد بداية الشهر القمري؛ الأولى: الرؤية البصرية (الشرعية). والثنية الحسابات الفلكية (الرؤية الفلكية)، ولكل طريقة مزاياها وعيوبها.
أولًا: طريقة الحساب الفلكي:
تعتمد هذه الطريقة على الحسابات العلمية الدقيقة لتحديد وقت ولادة الهلال الجديد (الاقتران) وموقعه وارتفاعه فوق الأفق بعد غروب الشمس. وتتميز هذه الطريقة بالدقة العالية، حيث تصل نسبة الخطأ فيها إلى الصفر تقريبًا. مثال على هذه الدقة حد دانجون (Danjon) الذي يوضح استحالة رؤية الهلال إذا كانت المسافة بينه وبين الشمس أقل من (7) درجات.
الحسابات الفلكية توفر نتائج قطعية مسبقة، مما يسمح بإصدار تقاويم هجرية موثوقة لسنوات عديدة قادمة؛ كما في تركيا. كذلك فإنها لا تتأثر بالعوامل الجوية أو الخطأ البشري في الرصد.
ورغم دقتها العلمية، تواجه الحسابات الفلكية معارضة فقهية بسبب ارتباط بداية الأشهر بالصوم والفطر برؤية الهلال فعليًا، كما جاء في الحديث النبوي «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته». ولذلك يرفض العديد من العلماء التقليديين الاعتماد على الحسابات الفلكية بالكامل.
ثانيًا: طريقة الرؤية البصرية:
تعتمد هذه الطريقة على تحري الهلال بالعين المجردة؛ أو باستخدام المناظير والتلسكوبات في مساء يوم (29) من الشهر الهجري. وتتميز هذه الطريقة بسهولة فهمها وتطبيقها من قِبل عامة المسلمين، كما أنها تلتزم حرفيًا بالنصوص الشرعية وتوفر راحة نفسية وإيمانية للمسلمين عند رؤية الهلال بالعين.
ومع ذلك، تعاني الرؤية البصرية من عيوب عدة أهمها احتمال الخطأ البشري، فالتاريخ الحديث شهد أمثلة على أخطاء في الرصد أدت إلى إعلانات غير صحيحة لبداية الشهر، مثل حادثة التي وقعت في السعودية عام 1984 حين تم الاعتماد خطأً على رؤية كوكبي عطارد والزهرة كهلال شوال، مما تسبب في صيام المسلمين هناك 28 يومًا فقط! كذلك تتأثر الرؤية بالعوامل الجوية مثل الغيوم والغبار، مما يؤدي إلى اختلاف بدايات الشهور بين الدول.
أما بالنسبة للموقف الفقهي والشرعي تاريخيًا، فقد قال جمهور العلماء باعتماد الرؤية البصرية؛ أو إكمال عدة الشهر 30 يومًا في حال عدم الرؤية، ورفض الاعتماد الكامل على الحساب الفلكي.
لكن مع الزمن ظهرت آراء فقهية قليلة أجازت استخدام الحسابات الفلكية في نفي المستحيل علميًا. فقد أجاز الإمام السبكي وبعض الشافعية رفض شهادة الشهود إذا كانت الحسابات تؤكد استحالة الرؤية.
في العصر الحديث، ظلت معظم المؤسسات الشرعية الرسمية متمسكة بالرؤية البصرية، لكن بدأ بعضها باستخدام الحساب كعامل مساعد. على سبيل المثال، أفتى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث عام 2004 بأنه إذا ثبت علميًا استحالة الرؤية، فلا عبرة بشهادة من يدعي الرؤية.
تطبيقات معاصرة تتفاوت الدول الإسلامية في اعتمادها للطريقتين:
- السعودية والمغرب من الدول التي تعتمد الرؤية البصرية حصرًا وبشكل صارم.
- تركيا وماليزيا وبعض دول جنوب شرق آسيا تعتمد الحساب الفلكي بالكامل، وتعلن مسبقًا عن بدايات الشهور.
- مصر والإمارات والأردن والكويت تجمع بين الحسابات الفلكية والرؤية البصرية، فتستخدم الحساب لتأكيد أو نفي إمكانية الرؤية، ثم تتحرى الهلال فعليًا.
ومن الأمثلة على الجدل والتباين؛ فقد تعتبر حادثة شهر شوال عام 1984 في السعودية مثالاً واضحًا على إشكالية الاعتماد الكامل على الرؤية دون تحقق علمي، كما حدث عام 2011 حين ثار جدل حول رؤية الهلال التي أكد الفلكيون استحالتها، وأعلنت عُمان العيد مخالفًة لبقية دول الخليج. وفي عام 2025، عادت المشكلة مرة أخرى حين أعلنت بعض دول الخليج رؤية الهلال رغم تأكيدات مراكز الفلك بعدم إمكانية رؤيته، مما أدى إلى اختلاف موعد العيد.
خاتمة
إن الجمع بين الحسابات الفلكية الدقيقة والرؤية البصرية من خلال تشكيل لجان مشتركة من الفقهاء والفلكيين، يبدو حلاً أمثل لتحقيق الدقة العلمية والالتزام بالنصوص الشرعية. يتزايد الاهتمام بضرورة التوافق بين المنهجين، لتحقيق تقويم إسلامي دقيق وموحد يقلل من الخلافات السنوية حول بداية الشهور الهجرية، ويجمع بين قطعية العلم وصحة الشرع.
المصادر والمراجع:
- مشروع تقويم أم القرى – وزارة الشؤون الإسلامية السعودية
- قاعدة بيانات ناسا الفلكية للهلال (NASA Moon Data) – https://moon.nasa.gov
- مجلة الجمعية الفلكية بجدة – https://www.jas.org.sa
- المركز الدولي لعلوم الفضاء – https://www.space.gov.ae