رفع المدعي العام في تركيا أمس الأربعاء التماسا إلى المحكمة الدستورية للمطالبة بحظر حزب الشعوب الديموقراطي المؤيد للأكراد لاتهامه بأنشطة “إرهابية”، وذلك بعد تجريد ثالث نائب عن الحزب من حصانته الدبلوماسية منذ منتصف العام الماضي 2020.
وذكرت وكالة الأناضول أن المدعي العام قدم التماسا إلى المحكمة العليا طالبا بدء آلية لحظر الحزب، معتبرا في قراره الاتهامي أن “أعضاء حزب الشعوب الديموقراطي يسعون من خلال تصريحاتهم وأفعالهم، إلى نسف الوحدة غير القابلة للتقسيم بين الدولة والأمة”.
ويتعيّن أن تقبل المحكمة الدستورية القرار الاتهامي من أجل تحديد موعد لبدء المحاكمة، اذ يأتي هذا التطوّر على خلفية انتقادات يوجّهها منذ أسابيع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وشريكه في الائتلاف الحكومي حزب الحركة القومية المتشدد، لحزب الشعوب الديموقراطي.
اتهامات..
تتهم الحكومة التركية حزب الشعوب الديمقراطي بأن له صلات بحزب العمال الكردستاني المحظور، لكن الحزب ينفي أي صله له بالحزب الكردي المحظور.
” أردوغان” يوجه اتهاما صريحا للشعوب الديمقراطي بأنه “واجهة سياسية” لحزب العمال الكردستاني الذي يشنّ حركة تمرد في تركيا وتصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون “منظمة إرهابية”.
وتضاعفت حدة الانتقادات الموجّهة إلى بعد عملية عسكرية تركية فاشلة لتحرير 13 رهينة يحتجزهم حزب العمال الكردستاني في العراق، انتهت بمقتل جميع المحتجزين منتصف شباط/فبراير الماضي.
وينفي حزب الشعوب الديموقراطي بشدة الاتهامات الموجّهة له بممارسة “أنشطة إرهابية”، ويقول إنه ضحية حملة اضطهاد بسبب معارضته لأردوغان، ويعتبر “حزب الشعوب الديموقراطي” ثاني أكبر فصيل معارض في البرلمان التركي، ويقول إنه يتعرّض لحملة قمع عنيف منذ اعتقال زعيمه صلاح الدين دميرتاش في العام 2016.
ثاني أكبر أحزاب المعارضة..
“الشعوب الديمقراطي” حزب سياسي يساري في تركيا، يمثل الحزب الأخوي لحزب المناطق الديمقراطية الكردي، يشتهر الحزب وسط العامة الأتراك بدعمه الكبير لحقوق الأقليات، ويلتزم أيضاً بموقفه القوي المدعم للمساواة بين الجنسين .
شكل نواب سابقون عن حزب السلام والديمقراطية اللبنة الأولى للحزب المعارض، وحمل مؤتمره الأول في 27 أكتوبر 2013 شعار “هذه البداية فقط”.
وتأسس حزب الشعوب الديمقراطية في 15 أكتوبر 2012، وقدم نفسه بوصفه حزباً لكل مكونات وأطياف المجتمع التركي، مؤكدا أنه لا يمثل هوية أو عرقاً بعينه، وينفي أن يكون حزباً كردياً.
في حين يعتبره آخرون حزباً كردياً ونسخة عن حزب السلام والديمقراطية الكردي، لكنه موجه إلى مناطق تركيا الغربية، كما أن هناك من يعتبره حزباً ذا توجه اشتراكي، ويتهمه آخرون بأنه قوة تنفذ قوانين حزب العمال الكردستاني.
ويهدف الحزب وفق نص قانونه الداخلي إلى “محاربة الاستغلال والتمييز وتوفير حياة كريمة ومساواة للجميع”، كما يسعى “لتسليم سلطة الديمقراطية للشعب وتغيير النظام” الذي يعتبره غير ديمقراطي في تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية.
ومن مكوناته العديد من الحركات التي شاركت في احتجاجات ميدان تقسيم، وتبلغ نسبة تمثيل النساء في الحزب 50 بالمئة، والشباب 10في المائة، في حين تشكل فئة المثليين والمتحولين جنسيا 10في المائة أيضا من مكونات الحزب. ويرأس الحزب صلاح الدين ديمرطاش بالمشاركة مع السياسية الكردية فيغان يوكسيك داغ.
شارك الحزب بالتعاون مع حزب السلام والديمقراطية في الانتخابات البلدية بتركيا عام 2014، وتقاسما الدور، اذ شارك حزب السلام والديمقراطية في المناطق ذات الأغلبية الكردية، أما حزب ديمقراطية الشعوب فشارك في بقية مناطق البلاد.
وتم تنظيم صفوف الحزبين بعد الانتخابات على شكل هيكل مشترك، كما انضمت كتلة نواب حزب السلام والديمقراطية في البرلمان التركي إلى حزب ديمقراطية الشعوب.
وحظي المولود السياسي الجديد بمباركة قوية من زعيم حزب العمال الكردستاني “عبد الله أوجلان”، الذي أرسل برقية إلى مؤتمر الحزب الذي أقيم في 27 أكتوبر 2013، وجاء فيها أن “الحزب الجديد يمثل محطة تاريخية مهمة في النضال من أجل الديمقراطية في تركيا”، معتبرا أن بإمكانه الوصول إلى فئات كبيرة من الأكراد والأتراك لم يستطع حزب السلام والديمقراطية أن يخاطبها.
ويعتبر مراقبون أن هذا الحزب لم يكن ليبصر النور دون رغبة أوجلان، في رسالة تشير إلى أن خيوط اللعبة السياسية ما زالت بيده.
وحسب الحكومة التركية فإن حزب ديمقراطية الشعوب هو المتهم الأول بالتحريض على الاحتجاجات وأعمال العنف التي شهدتها شوارع العديد من المدن التركية في سبتمبر وأكتوبر 2014، فيما عرفت باحتجاجات عين العرب (كوباني)، ويلقي المحتجون فيها اللوم على الحكومة بالسماح بسقوط المدينة بيد تنظيم الدولة الإسلامية.
“قصقصة أجنحة”..
قبل دعوى المدعي العام لحظر الحزب المعارض، أعلن البرلمان التركي أمس الأربعاء، رفع الحصانة النيابية عن النائب “عمر جرجرلي أوغلو” من حزب “الشعوب الديمقراطي” المعارض لمعروف بتأييده للأكراد.
وسائل إعلام معارضة قالت إن البرلمان التركي عقد جلسة طارئة لرفع الحصانة النيابية عن “جرجرلي أوغلو” دون تصويت، وهو ما تم بعد تلاوة رئيس البرلمان “مصطفى شنطوب” لحكمٍ قضائي صدر الشهر الماضي، بحق النائب “جرجرلي أوغلو” كان كافياً لإلغاء عضويته، وهو ما يمهد الطريق لسجنه في وقتٍ لاحق.
وحضر الجلسة الاستثنائية ممثلون عن منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية التي سمحت أنقرة بدخولهم إلى البرلمان.
يشار إلى ان محكمة تركية كانت قد أدانت “جرجرلي أوغ”لو أواخر شهر فبراير الماضي بتهمة “الإرهاب”، وأصدرت حكماً بسجنه لعامين ونصف، لكنه لم يُعتقل حينها لتمتعنه بالحصانة النيابية في ذلك الوقت.
وينفي “جرجرلي أوغلو” كلّ التهم الموجهة إليه وهي متعلقة بنشره لخبرٍ على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي على صلة بحزب “العمال الكردستاني” الذي تصنفه أنقرة كجماعةٍ “إرهابية”، وهو ما وجدت فيه المحكمة التركية ترويجاً لـ “الإرهاب”.
الجدير بالذكر انها ليست المرة الأولى التي يقوم بها البرلمان التركي بهذه الخطوة تجاه أعضاء برلمان، إذ يعتبر “جرجرلي اوغلو” ثالث نائب من بين نواب حزب “الشعوب الديمقراطي”، يجرّده البرلمان من حصانته النيابية منذ العام الماضي، بعد “ليلى غوفن” و”موسى فارس أوغلاري” القابعين خلف القضبان، واللذين جُرِدا من عضويتهما في البرلمان مطلع يونيو 2020.
كذلك كانت وزارة الداخلية التركية، قد عزلت بين عامي 2019 و2020 العشرات من رؤساء البلديات المنتخبين الذين ينتمون لحزب “الشعوب الديمقراطي” واعتقلت عدداً منهم بعد تعيين وكلاء من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم عوضاً عنهم.
والشهر الماضي أعلنت وزارة الداخلية عن عزمها رفع الحصانة النيابية عن 9 نواب آخرين من الحزب المؤيد للأكراد بينهم رئيسته المشاركة الحالية “بروين بولدان” مع 8 آخرين.
ردور أفعال..
بدأ نواب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المعارض بتركيا اعتصاما داخل البرلمان التركي، وذلك احتجاجًا على إسقاط عضوية النائب “عمر فاروق جرجرلي أوغلو”.
صحيفة “آرتي غرتشك”، قالت اليوم الخميس، إن الاعتصام بدأ بالقاعة الرئيسية للبرلمان بعد تلاوة بيان إسقاط عضوية الناشط الحقوقي البارز، “جرجرلي أوغلو”، نائب الشعوب الديمقراطي، وانتقل النواب المعتصمون بعد ذلك، إلى القاعة المخصصة للمجموعة البرلمانية للحزب، ولا يزالون معتصمين بداخلها.
جاء ذلك، بعد أن ندد الحزب الكردي، مساء أمس، بما وصفه بالانقلاب السياسي، بعد المدعي العام بحظر الحزب، وفي بيان للرئيسين المشتركين للحزب “بروين بولدان” و”مدحت سانجار”، طالب الحزب كل القوى الديمقراطية وكل قوى المعارضة الاجتماعية والسياسية والشعب التركي للنضال صد ما وصفوه بـ”الانقلاب السياسي”.
وفي اول لرد فعل دولي على مساعي حظر حزب الشعوب ، حذرت واشنطن اليوم الخميس من الخطوة التركية لحظر الحزب الموالي للأكراد ، ما سيؤدي حسب وزارة الخارجية الاميركية إلى “مزيد من تقويض الديمقراطية”، داعية أنقرة إلى “احترام حرية التعبير”.
المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “نيد برايس” قال “نراقب بدء الجهود لحل حزب الشعوب الديموقراطي، وهو قرار سوف يطيح بدون مبرر بإرادة الناخبين الأتراك ويؤدي إلى مزيد من تقويض الديمقراطية في تركيا وحرمان ملايين الأتراك من تمثيلهم الذي اختاروه”، مضيفا “ندعو الحكومة التركية الى احترام حرية التعبير بما يتوافق مع الحمايات التي ينص عليها الدستور والتزامات تركيا الدولية”.
كما وصفت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها تجريد نائب حزب الشعوب الديمقراطي والمدافع عن حقوق الإنسان عمر فاروق جرجرلي أوغلو من مقعده بالبرلمان بأنه “مثير للقلق”.