ليس مستغربًا أي تطورات سلبية في الواقع اللبناني الذي عانى من انهيار اقتصادي فعلي توازى مع انتفاضة شعبية عارمة أجبرت حكومة الحريري على الاستقالة لكنها لم تستطع فرض حكومة وطنية تعمل لصالح لبنان واللبنانيين، حيث توصف حكومة حسان دياب بحكومة الصوت الواحد لولائها بطهران وارتباطها بحزب الله وحلفاءه في الداخل اللبناني.. لتستمر الأوضاع الأقتصادي بالتدهور الذي زاد من حدته كارثة وباء كورونا وما جره من أزمات عالمية وإقليمية وداخلية.. التي فرضت سكونًا شعبيًا مؤقتًا على الاحتجاج يبدو أنه لن يستمر..
فلا تزال المصارف تفرض إجراءات تمنع بموجبها المودعين من سحب أموالهم بالدولار الأمريكي، مع غياب أي خطة اقتصادية واضحة من الحكومة، التي مرّ على تشكيلها نحو 100 يوم.
ولليوم الثالث على التوالي، سجلت تحركات احتجاجية في الشارع اعتراضًا على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، رغم إجراءات التعبئة العامة المفروضة لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد.
حيث نظم عدد من الناشطين اعتصامًا رمزيًا، أمام مدخل وزارة الاتصالات لجهة اسواق بيروت، مطالبين باسترداد ادارة قطاع الاتصالات للدولة.
وكان لافتا التحركات الشعبية التي شهدتها مدن طرابلس وعاليه وصيدا خلال الأيام الماضية، تحت عناوين المطالب المعيشية، فقد وقعت مواجهات في طرابلس بين الجيش والمحتجين الذين وقع جرحى بين صفوفهم.
تحذير ووعيد
ريشار قيومجيان وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني السابق أطلق مخاوف فعلية من “إنهيار كبير ومزيد من الفقر والبطالة” خلال الفترة المقبلة؛ بسبب الظروف الاقتصادية، وعدم تحرك الحكومة حتى الآن لطلب مساعدات مالية.
الوزير السابق الممثل عن حزب القوات اللبنانية، وفي سلسة تغريدات عبر حسابه الرسمي على موقع “تويتر” قال:” الآتي انهيار كبير، ومزيد من الفقر، والعوز والإفلاس والبطالة، الله يكون بعون الناس”.
ليتابع:” ماذا تنتظر الحكومة لتطلب مساعدة وتدخل المؤسسات النقدية الدولية لإنقاذ لبنان، والشعب؟ حتى الكلام عن إصلاحات بنيوية واجراءات قاسية وخطط اقتصادية سيكون عديم الجدوى بعد وقت قصير”.
وأضاف:”لقد أُعطيت الحكومة فترة سماح 100 يوما كي تضع خطة اقتصادية إنقاذية للبلد، ولكن للأسف لم نر بعد هذه الخطة الواضحة، أو اطلاق قطار الاصلاحات”.
بدوره، غسان حاصباني، نائب رئيس الحكومة ووزير الصحة اللبناني السابق، أكد في تصريحات سابقة أطلقها لصحيفة “العين الإخبارية” أن خطة حكومة “حسان دياب” للإصلاح ستفشل، وفي أحسن الأحوال ستستبدل الإصلاحات بمصالح خاصة بها”.
ليوضح حاصباني حينها، أن فشل خطة الحكومة للإصلاح، مرده إلى أنها تفتقد الدعم الداخلي أو تأييد المجتمع الدولي.. كونها غير مستقلة وتتحكم بها مليشيات “حزب الله”.
إن الهجوم على الحكومة الحالية بسبب تجليّات الوضع الاقتصادي الحالي، لم يقتصر على تيارات المعارضة أو أعضاء الحكومة السابقين، بل جاء النقد من حلفائها أيضًا، فقد أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري في تصريحات اليوم: على الحكومة ألا تبقى في موقع المتفرج، أو الشاهد على ما يجري من فلتان مالي والادعاء بالحرص على عدم تجويع الناس”.
ليوضح القيادي اللبناني الأبرز، نبيه بري :”مظلة الامان الاجتماعي الحقيقية للبنانيين هي أن تبادر الحكومة حاليًا، وقبل فوات الاوان لممارسة سلطاتها القانونية والاجرائية؛ بهدف وقف الانهيار الدراماتيكي لسعر صرف الليرة اللبنانية”.
مؤشرات وخطر قادم
الأزمة المالية، حضرت في اجتماع بين حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، ورئيس الحكومة حسان دياب، ووزير المال غازي وزني، ثم التقى سلامة برئيس الجمهورية ميشال عون. للبحث في التعميمات التي يصدرها حاكم المصرف المركزي.. في ظل تكاثف مؤشرات تؤكد على أن وجه المنطقة كله إلى تغيّر في الشهور القادمة فلبنان ليس استثناءً، خصوصًا مع تحاوره وارتباطه بسورية وأزمتها.. ما يعني ببساطة احتمالية انهيار شديد لسعر صرف الليرة اللبنانية قريبًا.
وفيما كانت الأزمة بدأت تضرب لبنان منذ أشهر عدة فإن وطأتها تزايدت على اللبنانيين مع الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن يبدأ لبنان حربه على وباء كورونا في فبراير/شباط الماضي، حيث عطلت الإجراءات المفروضة ما تبقى من أعمال ومؤسسات وتضاعفت نسبة المفصولين من العمال.
بدوره وزير الصناعة عماد حب الله، صرّح الأربعاء الماضي، خلال إطلاق خطة وزارته للنهوض بالقطاع الصناعي، إن نسبة الفقر في لبنان وصلت لـ 55% بناء على تقديرات البنك الدولي، ونعاني بطالة وأزمة سيولة وعجزا في الميزان التجاري.
تبادل اتهامات
يبدو أن الجميع في كواليس السياسة اللبنانية يبحث عن “أضحية” يتم تحميله مسؤولية ما جرى. حيث تلعب التوازنات والحسابات السياسية دورها في تحديد واختيار تلك الشخصية.
أطراف توجه أصابع الاتهام صوب المصارف، والتي ستكون أمام تهديدات ميدانية مباشرة بسبب إجراءاتها التي أغضب الجمهور وتعرضت لهجمات متكررة مع تهديد باختراقها.
البعض الآخر يوجه السهام نحو حاكم مصرف لبنان. في وقت يريد طرف ثالث إحالة المسؤولية على القوى المعارضة، وتحديداً على أحزاب الاشتراكي والمستقبل والقوات.. وحركة أمل.
التعقيد دوليًا
يسعى كل طرف للحصول على بادرة دولية تدعمه.. فالحكومة الحالية والعهد (الرئيس عون) يراهنان على فرنسا ودورها ونشاط سفيرها على الساحة المحلية، حيث يظهر السفير “برونو فوشيه”، المعجب بالتجربة الإيرانية والمتواصل الدائم مع حزب الله، بمظهر الحريص جداً على حكومة دياب. فيقدّم لها كل سبل الدعم والنصح والإرشاد، كما يشدد على وجوب إنجاز الخطة الاقتصادية بأسرع وقت ممكن، من أجل أن تنجح الحكومة في الحصول على بعض المساعدات.. وبذلك يبدو أن الدعم الفرنسي لعهد ميشال عون لازال مستمرًا.
فوشيه، التقى رئيس الحكومة حسان دياب، مرتين خلال ثلاثة أيام. الهدف الأساسي كان البحث في الخطة المالية وضرورة إنجازها، حيث تشدد فرنسا على وجوب الحفاظ على الاستقرار.
هنا لابد من الإشارة لموقف يعاكس الموقف الفرنسي، فالسفيرة الأميركية تنشط على الساحة، مدعومة بتصعيد جديد من قبل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي يعتبر أن لا مساعدات للبنان إلا بتلبية مطالب الشعب اللبناني، وإنجاز الإصلاحات الحقيقية واعتماد مبدأ الشفافية، وعدم استفادة حزب الله سياسياً ومالياً من الدولة اللبنانية. لذلك كله ستحمل الأيام المقبلة المزيد من التصعيد، والتحركات.