ملخص تنفيذي:
ربما، لا يجادل أحد اليوم أنّ الأزمة الأوكرانية ستكون واحدة من تلك الأزمات التي ستغيّر وجه العالم عموماً، ولها تأثير كبير على أوروبا خصوصاً.
فالأزمة الأوكرانية ليست وليدة اليوم، إنما هي إحدى مفرزات نهاية الحرب الباردة؛ وعالم القطبين الذي هيمن على العالم لنحو 70 عاماً تقريباً، فبعد نهاية الحرب الباردة تمّ الاتفاق بين الاتحاد السوفييتي والغرب على عدم اقتراب حلف الأطلسي عسكرياً من الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، إلا أن الحلف استغل الضعف الروسي؛ وبدأ يتمدّد نحو دول أوروبا الشرقية، وتابع سعيه للتقدّم نحو الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي الأمر الذي يهدّد الأمن القومي الروسي، بأن تصبح صواريخ الناتو على حدود موسكو! وهو ما عارضته موسكو مراراً، وإحدى هذه الدول التي عمل الحلف على ضمها كانت أوكرانيا، التي كانت تسعى عملياً منذ زمن للانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوربي معاً، ودخلت بذلك مجال الصراع الغربي الروسي.
هذه الحرب هل ستفرض تحولات مزعجة على أوروبا؟ نتناول الإجابة على هذا التساؤل من خلال المحاور التالية:
- المدخل
- بأي اتجاه يسير بناء النظام العالمي الجديد؟
- الحرب الأوكرانية في سياقها تاريخي
- الاختلاف الأوكراني/الأوكراني في الولاء بين الشرق والغرب!
- مطامع بوتين في أوكرانيا؟
- لماذا تسعى كل الدول التي تفككت عن الاتحاد السوفييتي إلى الدخول في الاتحاد الأوروبي؟
- الحرب الأوكرانية تكشف أزمة الديمقراطية الغربية!
- هل يدفع الغرب ثمن ازدواجيته؟
- هل الحرب الأوكرانية وحدت أوروبا؟
- تصدعات في حلف بوتين!
- موقف الغرب من الحرب الأوكرانية؛ وانقساماته!
- الخلاصة
المدخل:
ربما، لا يجادل أحد اليوم أنّ الأزمة الأوكرانية ستكون واحدة من تلك الأزمات التي ستغيّر وجه العالم عموماً، ولها تأثير كبير على أوروبا خصوصاً، وهي بدأت بالفعل منذ لحظتها الأولى تفعل ذلك، فخلال أيام معدودة وبعد دخول القوات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية، بدأ سباق التسلح من جهة، وانقسم العالم بين محورين من جهة ثانية. وبدأ شبح استخدام السلاح النووي يطل برأسه على العالم من جهة ثالثة.
وبدأت أسئلة الشك في إمكانية الحفاظ على النظام العالمي القائم، بما يعني ذلك الشك أيضاً في كافة الأحلاف القائمة ومدى قدرتها على الصمود، مضافا لها أسئلة من نوع:
إذا كان النظام العالمي القائم يتفكك، فبأي اتجاه يسير بناء النظام العالمي الجديد؟ وهل ثمّة نظام عالمي جديد حقاً؟ الأمر الذي يعني أننا نعيش تحولات كثيرة على أكثر من صعيد، وبما يعني أن الأزمة الأوكرانية بمثابة نقطة تحوّل كبرى في مسار العالم، نقطة ستفضي إلى تحولات كثيرة، وهي كما يبدو لنا تحولات عميقة ومتداخلة في آن معاً، منها ما هو على الصعيد السياسي ويتمثل في العلاقات القائمة بين الدول الكبرى والأحلاف القائمة (حلف الناتو، الاتحاد الأوروبي، الحلف الروسي الصيني، سواء بين الدول داخل كل حلف (العلاقات التركية الروسية، العلاقات الروسية الألمانية، موقع تركيا داخل حلف الناتو). أو بين الأحلاف نفسها، ومنها ما هو على صعيد الثقافات والبنى الإيديولوجية المهيمنة على العالم، وعليه ستعمل هذه الدراسة على محاولة رصد التحولات المحتملة في هذا السياق.
الحرب الأوكرانية في سياقها تاريخي
ليست الأزمة الأوكرانية وليدة اليوم، فهي أحد مفرزات نهاية الحرب الباردة؛ وعالم القطبين الذي هيمن على العالم لنحو 70 عاماً تقريباً، فبعد نهاية الحرب الباردة تمّ الاتفاق بين الاتحاد السوفييتي والغرب على عدم اقتراب حلف الأطلسي عسكرياً من الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، إلا أن الحلف استغل الضعف الروسي؛ وبدأ يتمدّد نحو دول أوروبا الشرقية، وسعى للتقدّم نحو الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي الأمر الذي يهدّد الأمن القومي الروسي، بأن تصبح صواريخ الناتو على حدود موسكو! ([1])
وهو ما عارضته موسكو مراراً، وإحدى هذه الدول التي عمل الحلف على ضمها كانت أوكرانيا، التي كانت تسعى عملياً منذ زمن للانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوربي معاً، ودخلت بذلك مجال الصراع الغربي الروسي، مرّة كانت على مقربة من روسيا ومرة من الاتحاد الأوربي.
الاختلاف الأوكراني/الأوكراني في الولاء بين الشرق والغرب!
انعكس هذا الصراع على الداخل الأوكراني بين الناطقين بالروسية الموالين لروسيا والموالين لأوكرانيا، بكل ما يعني هذا الانقسام من اختيار بين نمطين من أنماط الحكم، ومع الزمن تنامى التيار الموالي للغرب داخل أوكرانيا، حتى بات مطلب الانتساب إلى الاتحاد الأوربي على الأقل مطلباً أوكرانياً لأكثرية الأوكرانيين، الذين باتوا يعرفون أنفسهم كأوربيين وليس كروسيين أو سلافيين. ([2])
وقد تمكن هذا التيار من إسقاط حلفاء موسكو في كييف أكثر من مرة، وهو ما أغضب القيصر فلاديمير بوتين، فاشتدّ الصراع الذي دفع كييف لتجد نفسها بحاجة إلى حماية من الدب الروسي الساعي لاستعادة أمجاده السوفييتية، والذي تعاظمت قوته، وبدأ يهدّد بالتدخل العسكري في أوكرانيا بعد أن فعل ذلك في جورجيا عام ٢٠٠٨ ثم ضم شبه جزيرة القرم ٢٠١٤ وكذلك تدخله في سورية وليبيا. ([3])
هذا كله دفع أوكرانيا؛ لتدخل بمطالبها هذه لعبة الأمم؛ حين توّهمت أنّ الغرب قادر على حمايتها وساعد على ذلك وجود رئيس أوكراني قادم من خارج النسق السياسي، وغير مدرك أنّ السياسة تصنعها موازين القوى والأوراق المضمونة باليد لا الوعود والرغبات.
مطامع بوتين في أوكرانيا؟
وفَّرت تلك الحسابات غير الدقيقة سياساً واستراتيجياً لروسيا ما تحتاجه من ذرائع استغلها فلاديمير بوتين لدخول أوكرانيا، دون أن يعني هذا أي تبرير للغزو الروسي أبداً، إذ لا شيء أبداً يبرّر احتلال بلد لآخر عسكرياً في القرن الواحد والعشرين، وهذا دليل آخر على أن نيات بوتين ومطامعه تكمن في مكان آخر تماماً.
إذ رغم أنّ أوكرانيا لم تكن قد انضمت فعلياً إلى حلف الناتو ولا الاتحاد الأوربي فعل بوتين ما فعله، لأنّ الطموحات الروسية لفلاديمير بوتين معقدة ومتداخلة، فهي تجمع بين الثأر لانهيار الاتحاد السوفييتي واستعادة روسيا لموقعها على الساحة العالمية كدولة عظمى لها قوتها واحترامها، وهذا في حقيقة الأمر نوع من استعادة أوهام الماضي الذي قد يكلف بوتين كثيراً في عالم اليوم، خصوصاً أنّه ليس لدى بوتين ما يعطيه للعالم، سوى الدكتاتورية والعنف والتسلّط والسلاح، وهنا نصل إلى جوهر أحد المشكلات القائمة في عالم اليوم، ونعني بذلك مسألة الديمقراطية والشمولية. ([4])
إذ ثمّة سؤال يُسأل هنا: لماذا تسعى كل الدول التي تفككت عن الاتحاد السوفييتي وكل الدول التي كانت جزءاً من حلف وارسو في أوربا الشرقية إلى الدخول في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو؟
السؤال على هذا الجواب يكمن في النمط الاقتصادي السياسي الاجتماعي السائد، ونعني بذلك أن الدول التي جرّبت النظام الشمولي الدكتاتوري حين كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي أو منظومته؛ لا تريد العودة إلى ذلك النظام، وهو نفسه النظام الذي يعدها به بوتين، وهي لا تريد الانتماء إلى الغرب لمجرّد أنه غرب، بل لأن هناك الديمقراطية والتنمية وفرص العمل… وهنا نصل إلى أحد أبرز التحولات التي ستصيب عالمنا المقبل.
الحرب الأوكرانية تكشف أزمة الديمقراطية الغربية!
كشف مؤشر الديمقراطية لعام ٢٠٢١ عن تراجع الديمقراطية عالمياً، مبيّنة أنّ ثلث دول عالمنا تعيش في دول دكتاتورية. وأزمة النظام الديمقراطي هي جزء من أزمة عالم اليوم؛ وجزء من حلوله في آن معاً، ولذلك هي أحد مسببات الحرب الأوكرانية.
فآخر ما يريده بوتين هو رؤية انتخابات ديمقراطية وحريات على حدوده وبالقرب منه، لإدراكه جيداً أن حجر الدومينو سيصل إلى موسكو غداً أو بعد غد على أبعد تقدير، إن لم يتحرك سريعاً لاحتوائه، فالنسبة لبوتين يشكل النظام الليبرالي الديمقراطي عدواً لطموحاته وساسته!
وقد أعلن بوتين أكثر من مرة عن إفلاس الديمقراطية الغربية، وهو يروّج مع الصين وباقي الدكتاتوريات لنظام الحكم الشمولي القوي، الأمر الذي يعني أن المسألة بالنسبة لبوتين ليست مسألة أنّ تكون صواريخ الناتو في كييف والمدن الأوكرانية فحسب، بل بما تحمله معها من أفكار، وديمقراطية، وانتخابات، وحقوق إنسان، ونمو اقتصادي، يهدّد الأنموذج الذي يبنيه في موسكو، ويسعى لأن يكون الحامل الإيديولوجي لمشروعه.
الأمر الذي يعني أن المشروع الديمقراطي برمته في خطر اليوم، وستطال التحولات هذا المشروع برمته، إما باتجاه تسيّد الشمولية الروسية/ الصينية ومن يدعمها من بلدان العالم الثالث؛ أو باتجاه تجذر الديمقراطية الغربية؛ لتشمل أكبر عدد ممكن من دول العالم، وهذا يتوقف على نتيجة الصراع العسكري الدائر في أوكرانيا اليوم.
هل يدفع الغرب ثمن ازدواجيته؟
مما سبق، لا يعني أبداً أن المشروع الديمقراطي مهدّد من قبل بوتين فحسب، بل إن الغرب يدفع اليوم في أوكرانيا أثمان سياسته الازدواجية فيما يتعلق بمسألة الديمقراطية، التي استغلها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي كغطاء لسياساته، إلى جانب الحرب على الإرهاب.
فعودة إلى السياسات الغربية تجاه دول الجنوب خلال العقود الثلاثة الماضية، تبين لنا أن التدخل الغربي استند على ركيزتين أساسيتين؛ الأولى: دعم الديمقراطية والحرب على الإرهاب.
الأمر الذي تسبّب في نفور الناس من الديمقراطية، خاصة تلك القادمة مع الدبابة الأميركية؛ كما شهدنا في العراق أو على أجنحة طائرات حلف الناتو كما شهدنا في ليبيا، ناهيك عن عدم التدخل الغربي الفعلي لدعم النضالات الديمقراطية في دول الجنوب والشرق ما لم تصب في مصلحتها.
وهنا كان الغرب يتعامل مع دول العالم بازدواجية، تقوم على احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وتعزيزها في الشمال، مقابل استغلالها في الجنوب، الأمر الذي صبّ في سلال الدكتاتوريات وكشف الوجه القبيح للغرب؛ وهو ما يعمل بوتين على استغلاله اليوم، بخاصة بعد مشاهد التفرقة العنصرية بين اللاجئين الهاربين من أوكرانيا، بناء على لون البشرة، الأمر الذي كشف عن مسألة أخرى لا تقل فداحة عن الأولى وهي العنصرية الكامنة في الشمال تجاه أهل الجنوب والشرق. ([5])
وأيضاً تعرضت الديمقراطية الغربية للتآكل في الغرب، بعد أن بدأت تجنح نحو المزيد من اللبرلة التي تعزّز من ثروات من يملك لصالح من لا يملك، الأمر الذي أعاد مسألة التفاوت الطبقي مجدّداً، وبما يعني في نهاية المطاف أنّ إحدى التحولات التي سيشهدها العالم بعد الحرب الأوكرانية، تتعلق بمسألة الديمقراطية، إذ على الغرب أن يكتشف الأخطاء التي ارتكبها في سياسته تجاه أهل الجنوب، ويدفع ثمن هذه الازدواجية؛ وفي عدم مواجهة التمدد الروسي في سوريا وغيرها، حين قدّم مصالحه على مسألة دعم الديمقراطية، فهل تكون الحرب الأوكرانية بداية لاستعادة الغرب المبادرة والاستفادة من أخطائه أم تكون بداية النهاية لهذه الديمقراطيات؟
هل الحرب الأوكرانية وحدت أوروبا؟
على خلاف ما أراد بوتين، أعادت الحرب الأوكرانية اللحمة إلى حلف الناتو؛ الذي كان تعرّض لاهتزاز الثقة به وبين أعضائه، إذ على امتداد تاريخ الحلف لم يسبق لتركيا أن وجدت نفسها مهمشة داخله؛ كما حدث إبان الحرب السورية؛ حيث وجدت نفسها بمواجهة روسيا وحيدة؛ ما دفعها لتحسين علاقتها مع القيصر على حساب الأوربيين.
كما أن وصول ترامب إلى السلطة ومطالبته دول الاتحاد الأوربي وغيرها بزيادة قدراتها الدفاعية داخل الحلف، دفع الرئيس الفرنسي ماكرون إلى القول إن حلف الناتو ميت سريرياً.
ولم يتحسن الأمر كثيراً مع بداية حكم “جو بادين”، إذ كانت أزمة الصواريخ بين أستراليا وواشنطن وبريطانيا من جهة وفرنسا من جهة أخرى، تعزيزاً لمسألة غياب الثقة قبل أن تتراجع واشنطن عن الأمر.
وأيضاً كان الإتحاد الأوروبي يعاني من خلافات كثيرة بين أعضائه، عدا عن وجود مشاكل جمّة داخل دول الاتحاد منها صعود اليمين والعنصرية المتزايدة. إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية، دفعت الغرب بأسره إلى التوحد، حيث بدأ حلف الناتو يستعيد حيويته، وكانت عمل الاتحاد الأوروبي للأزمة الأوكرانية تحت قيادة ألمانية مثار إعجاب الجميع، ليجد بوتين نفسه خلال عشرة أيام فقط في عزلة دولية غير مسبوقة؛ نجح الغرب في تعزيزها، وهو يستعد لجعل القيصر يدفع ثمن غزوه أوكرانيا وتهديده النظام الدولي القائم. ([6])
تصدعات في حلف بوتين!
مقابل ذلك، بدأت التصدعات تظهر فيمن كان يعتقد أنهم حلفاء بوتين (الصين وإيران وفنزويلا…)، حيث تعمل إيران على إنجاح الاتفاق النووي بأي ثمن؛ وهو الذي تعمل روسيا اليوم على عرقلته، وسط تصارع بين الطرفين على حصص الطاقة من الأسواق، حيث تسعى إيران لاستعادة حصتها من السوق النفطية وزيادتها على حساب الحصة الروسية؛ التي ستتقلص بعد العقوبات المفروضة على موسكو، وهي بذلك ترد على القيصر الذي أخذ حصتها من السوق حين ألغى ترامب الاتفاق النووي، ما يبين أن العلاقة الروسية/ الإيرانية هي علاقة تكتيك؛ وليست علاقة استراتيجية.
والأمر نفسه ينطبق على العلاقة الروسية/ التركية الحديثة، إذ أول ما طالب به الرئيس التركي هو معاملة تركيا مثل أوكرانيا بشأن الانضمام للاتحاد الأوربي، وينطبق الأمر أيضاً على العلاقة الصينية/ الروسية، الأمر الذي يعني أنّ ليس لدى القيصر ما يعتمد عليه، ودون أن يعني ذلك أن إيران وتركيا والصين والهند هي في صف الغرب أيضاً.
وهنا ميدان التغيّير الذي سيشهده العالم إن طالت هذه الحرب، حيث ستراقب هذه الدول تطورات الحرب وتقرر مواقعها بناء على نتائجها التي قد لا تُبقي على تماسك حلف الناتو والاتحاد الأوربي إن طالت هذه الحرب، فالتصدعات ستظهر عاجلاً أم آجلاً بين الدول الأعضاء، خاصة مع ارتفاع فاتورة الحرب وكلفتها وانعكاسها على مستوى معيشة السكان، وهي ارتدادات بدأت تطل برأسها على خلفية الصراع على أسواق الطاقة في العالم وإمدادات الغذاء، بكل ما يسبّب ذلك من توترات في دول الجنوب التي قد تكون مقبلة على احتجاجات تحت عنوان الخبز لا الحرية هذه المرة.
موقف الغرب من الحرب الأوكرانية؛ وانقساماته!
وعلى صعيد الغرب، يمكن أن نلاحظ منذ الآن وجود تيارين، واحد يسعى للتهدئة بقيادة ألمانيا وفرنسا؛ والثاني يسعى للتصعيد بقيادة بريطانيا وأميركا، وهذا طبيعي لأن الأخيرتين بعيدتين نسبياً عن تأثيرات الحرب، فيما فرنسا وألمانيا تحصدان انعكاساتها المباشرة، عدا عن كون أنهما تشكلان عصب الاتحاد الأوربي، فيما بريطانيا وأميركا تشكلان عصب حلف الناتو، والفرق بين الحلفين ــ الناتو والاتحاد الأوربي ــ يبين لنا بوضوح الفرق بين الطرفين، فالناتو حلف عسكري؛ وهو أحد بقايا الحرب الباردة وهو السبب الرئيسي باستفزاز بوتين وهو حقاً يهدّد، لا الأمن الروسي فحسب، بل أيضاً أمن الصين وأمن العالم، وليس شنّه الحروب هنا وهناك ومن خارج الشرعية الدولية، خاصة في الشرق الأوسط، إلا دليلاً على ذلك. ([7])
فيما يشكل الاتحاد الأوربي العالم الحديث حقاً، فهو تكتل اقتصادي ثقافي سياسي ديمقراطي يمثل أمل العالم، كونه المساحة الوحيدة الباقية للحريات في هذا العالم، خصوصاً بعد تراجع واشنطن كثيراً في هذا المجال، الأمر الذي يضعنا بمواجهة أسئلة كبيرة، منها:
ما انعكاس الحرب الروسية الأوكرانية على كلا من حلف الناتو والاتحاد الأوربي؟
هل تؤدي الحرب إن طالت إلى تعزيز الناتو على حساب الاتحاد الأوربي كما تريد بريطانيا والولايات المتحدة؟
أم تؤدي إلى تعزيز الاتحاد الأوربي على حساب الناتو؟
هذا أمر مهم، لأنه حين يتعزز الاتحاد الأوروبي، تصبح العلاقة مع روسيا ممكنة على أسس جديدة؛ وذلك على خلاف الأمر مع الناتو الذي يحمل تركة الحرب البادرة بكل ثقلها؛ هنا ثمة تفصيل مهم جداً، إذ نجحت الحرب الروسية الأوكرانية في دق إسفين في العلاقة الروسية/ الألمانية، وهو ما ستعمل واشنطن على تعزيزه وتعميقه خدمة لمصالحها، وهو ما يبدو أن ألمانيا سائرة به من خلال عودتها للتسلح وسعيها للتحرّر من الحاجة لروسيا في مجال الطاقة، رغم محاولات “أولاف شولتز” حل الأزمة الأوكرانية دبلوماسياً، لكن المؤكد أن الثقة بين الروس والألمان أصبحت شبه معدومة، وعليه، والحال هذا، فهل تتمكن ألمانيا وفرنسا من قيادة سفينة الاتحاد الأوروبي بعيداً عن جموح حلف الناتو؟
الخلاصة
يبدو أننا أمام أسئلة كثيرة تطرحها الحرب الأوكرانية بإلحاح، كما أننا أمام انقسامات غربية؛ وانحيازيات في التحالفات الدولية، كما يبدو أن الحرب الأوكرانية توريطة كبيرة للعالم الغربي؛ خصوصاً أن آثارها الاقتصادي؛ بدأت تظهر سلبياً على مظاهر الرفاهية الغربية، ويبدو أن بوتين أجاد اللعب على هذا الوتر المهم جداً في الغرب، ولكن هل يستطيع إنشاء تحالفات جديدة؛ تحميه من العقوبات الغربية؟ وهل سيصمد أمام العقوبات؟
المراجع
[1] ـ Shaun Walker; Oksana Grytsenko; Leonid Ragozin (4 September 2014). “Russian soldier: ‘You’re better clueless because the truth is horrible'”. the Guardian. Retrieved 21 March 2015.
[2] ـ Channel 4 News, 2 September 2014 tensions still high in Ukraine
[3] ـ “Russia said to redeploy special-ops forces from Ukraine to Syria”. Fox News Channel. 24 October 2015. Retrieved 24 October 2015. “The special forces were pulled out of Ukraine and sent to Syria,” a Russian Ministry of Defense official said, adding that they had been serving in territories in eastern Ukraine held by pro-Russia rebels. The official described them as “akin to a Delta Force,” the U.S. Army’s elite counterterrorism unit.
[4] ـ Fighting breaks out near Chernobyl, says Ukrainian president
[5] ـ ازدواجية المعايير في الحرب الأوكرانية: محمد علي السقاف:
[6] ـ الحرب الروسية الأوكرانية وحدت أوروبا والناتو:
[7] ـ “الأزمة الأوكرانية”.. انقسام المعسكر الغربي بين “أمل” بوتين و”أماني” بايدن:
https://al-ain.com/article/ukrainian-crisis-europe-top-of-the-seven-biden
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.