بعد اعتصام أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت اليوم الجمعة، أمام قصر العدل في بيروت، احتجاجاً على تنحية القاضي “فادي صوان”، طالب عدد من الأحزاب المعارضة لـ”حزب الله”، بإسناد ملف انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 أغسطس/آب الماضي إلى محكمة دولية.
“رامز حطيط” المتحدث باسم أهالي ضحايا تفجير قال: “تعرضنا أمس لتفجير للتحقيق وتفجير للعدالة، وتفجير للحقيقة والحق في لبنان”. لافتاً إلى أن “التحركات التصعيدية سيستمر في الشارع”.
وأصدرت محكمة التمييز الجزائية أمس الخميس، قراراً بنقل الدعوى في انفجار مرفأ بيروت من يد المحقق العدلي في الملف القاضي فادي صوان، ورفع يده عنها.
كما، طالب المتحدث باسم أهالي الضحايا “حطيط” بتعيين قاض عدلي اليوم قبل الغد، تتوفر فيه صفات النزاهة والشجاعة وعدم التسييس”. مشيراً إلى أنه “الأهالي تقبل الأمر الواقع ولكن ستجعل القاضي الجديد يعمل تحت الضغط”.
تدخلات سياسية..
بدوره دعا رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع” رئاستي الجمهورية والحكومة، بإرسال طلب فوري إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية لكشف ملابسات جريمة المرفأ”. لافتاً إلى أن “التكتل النيابي لحزب القوات سيقوم بتوقيع عريضة وتوجيهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة للغرض نفسه.
وقال “جعع” في بيان له: “بكل أسف حصل ما كنا قد توقعناه، وكفّت يد القاضي صوان بقضية المرفأ بعد أن وٌضعت العراقيل تباعا على طريقه، ولا يقنعنا أحد بأن أي تحقيق محلي ممكن أن يوصلنا إلى أي نتيجة جدية في جريمة المرفأ”.
إلى جانب ذلك، أكد الرئيس اللبناني السابق “فؤاد السنيورة”، أنه “كرؤساء حكومات سابقين، وفي صباح اليوم التالي لوقوع جريمة التفجير في مرفأ بيروت، أي في الخامس من آب، أصدرنا بياناً طالبنا الحكومة اللبنانية بوجوب تعيين لجنة تحقيق دولية نظراً لما يكتنف هذا التفجير الكبير والخطير من أشياء مريبة وشكوك ولقد تبين لنا بعد ذلك صحة هواجسنا وصوابية موقفنا، وذلك من خطورة الملابسات التي ظهرت وتبين أنها تحيط بهذا التفجير”.
وتجري السلطات اللبنانية تحقيقات في انفجار مرفأ بيروت الذي تسبب في مقتل وإصابة أكثر من 2000 شخص، وأدى لتفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعد أسوأ أزمة يواجهها لبنان منذ الحرب الأهلية.
إلى جانب ذلك أشار “السنيورة” إلى التدخلات السياسية في هذا التحقيق واغلاق الملف، لافتاً إلى أنه “تمنى، ومنذ البداية، لو جرى التحقيق تحت مسؤولية التحقيق الدولي لذلك وفي حال عدم التمكن من إجراء تحقيق دولي، فإننا سنشهد المزيد من المصاعب، ولا يُكْتفي ملاحقة أولئك الموظفين والأجهزة الذين ينبغي ملاحقتهم”.
وأضاف رئيس لبنان السابق “السنيورة”: “لكن الأساس هي في إجراء التحقيقات اللازمة مع الجهات الأساسية أكان ذلك ما يتعلق بمسؤولية من كان وراء الإتيان بتلك المواد إلى لبنان أو مسؤولية أي دولة من الدول أو حزب من الأحزاب كانوا متورطين في هذا الأمر”.
كما أكد النائب السابق “إميل إميل لحود”، أن “التحقيق في انفجار المرفأ لن يصل إلى أي نتيجة، لأننا للأسف هذا ما وصلنا إليه في لبنان، حيث أنه لا يوجد تحقيق حقيقي ولا هناك نتائج ملموسة ولا محاكمات، ولن نحصل على نتيجة في التحقيقات مهما كانت الآليات التي سيتم استخدامها في هذا المجال”.
حزب الله والعهدة..
الحزب التقدمي الاشتراكي، لم يذهب بعيداً عن المطالبات باجراء تحقيق دولي متهماً عدد من الجهات والأحزاب بالوقوف وراء جريمة التفجير، وأكدت مفوضية العدل والتشريع في الحزب في بيان لها: إن “حزب العهد وحلفاءه يجهدون في محاولة إسقاط كل ما بقي من مؤسسات الدولة؛ فبعد أن شلوا التشكيلات القضائية وكبلوا القضاء، ها هم يعلنون حكما بإعدام فرصة الحقيقة في الجريمة الكارثة التي أصابت كل اللبنانيين دون استثناء”.
وأضافت المفوضية أن “مفوضية العدل والتشريع في الحزب التقدمي الاشتراكي، إذ تذكر بموقف الحزب ورئيسه وليد جنبلاط وكتلة اللقاء الديموقراطي منذ اللحظة الأولى لانفجار المرفأ، وتمسكهم بضرورة السير بالتحقيق بأسرع وتيرة حتى كشف الحقيقة واستدعاء كل المسؤولين بدءا من رأس الهرم، فإنها تعتبر أن القرار الصادر عن محكمة التمييز الجزائية قرار أسود في تاريخ القضاء اللبناني”.
كما طالبت المفوضية “وكلاء المتضررين بالتفكير الجدي بنقل الدعوى إلى المحكمة الجنائية الدولية لعدم إمكان التوصل إلى أي نتيجة تخدم العدالة والحقيقة في ظل وجود طغمة الفساد الحاكمة”.
بدوره، ألمح “حزب الكتائب” على لسان نائب رئيسه “جورج جريج” إلى مسؤولية “حزب الله” في قرار تنحية صوان، معتبراً أن “أن تنحية المدّعي العام في قضية مرفأ بيروت “جريمة إنسانية وليست سياسية، الامر الذي يؤكد على عدم استقلالية القضاء عن المنظومة الحاكمة”.
وأكد “جريح”، أن “توقيت صدور حكم نقل القاضي فادي صوان وتعيين قاضٍ آخر جاء لأسباب عديدة، أبرزها إعلان الأمين العام لحزب الله أن التحقيقات انتهت ودعوته الجيش اللبناني إلى نشر نتيجة هذه التحقيقات والقضاء إلى اعلان النتيجة”، لافتاِ إلى أن “هذه الجريمة ليست سياسية وإنما جريمة ضد الانسانية وكل من يساهم في الافلات من العقاب سواء من خلال الاختباء وراء الحصانتين المهنية والنيابية، أو من خلال تسخير القضاء في خدمة السياسة، هو شريك في الجريمة”.
حصانة دستورية..
محكمة التمييز الجزائية في لبنان قررت، استبعاد المحقق العدلي القاضي “فادي صوان” من التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت، كما دعت لنقل الملف إلى قاض آخر، اذ أكد مصدر قضائي لبناني، أن “محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الحجار قررت نقل ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت من يد القاضي صوّان إلى قاض آخر” لم تسمه بعد، موضحاً أنّ القرار اتُخذ رغم معارضة أحد أعضاء الهيئة.
وكلفت السلطات اللبنانية “صوان” بالتحقيق في الانفجار الذي عزته إلى تخزين كميات هائلة من “نيترات الأمونيوم” لسنوات في أحد عنابر المرفأ من دون إجراءات وقاية، وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 6500 آخرين بجروح.
وفقاً لمصادر قضائية لبنانية فقد، بينت التحقيقات أن مسؤولين على مستويات عدة سياسية وأمنية وقضائية كانوا على دراية بمخاطر تخزينها من دون أن يحركوا ساكناً.
وادعى القاضي “صوان” في 10 كانون الأول/ديسمبر الماضي، على رئيس حكومة تصريف الأعمال “حسان دياب” وثلاثة وزراء سابقين، هم وزير المالية السابق “علي حسن خليل” ووزيري الأشغال السابقين “غازي زعيتر” و”يوسف فنيانوس”، إلا أنهم رفضوا المثول أمامه في جلسات حدّدها لاستجوابهم كـ”مدعى عليهم”.
وتقدّم كل من “زعيتر” و”خليل” المقربين من رئيس البرلمان “نبيه بري”، على إثر ذلك، بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية طلبا فيها نقل الدعوى إلى قاض آخر، بعدما اتهما “صوان” بخرق الدستور بادعائه على وزيرين سابقين ونائبين في البرلمان، بينما يتمتع هؤلاء بحصانة دستورية ويفترض أن تمرّ ملاحقتهم بمجلس النواب، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية عن معارضي قرار الادعاء.
يشار الى أن “المفكرة القانونية”، وهي منظمة غير حكومية تُعنى بشرح القوانين، اعتبرت أن “الحصانة الدستورية تشمل الإخلال بالوظيفة الوزارية ولا تشمل استغلال هذه الوظيفة وتالياً لا القتل ولا الفساد”.
وقال المدير التنفيذي للمفكرة المحامي “نزار صاغية” في تصريحات صحفية حينها إنه “مجرد أن يرفض الوزراء والطبقة السياسية أن يكونوا موضع محاسبة فهم بذلك يضعون خطاً أحمر للتحقيق، وهذا أمر خطير للغاية”، معتبراً أن “وضع خطوط حمر، وهو أمر تقليدي في لبنان يحول دون تحقيق أي عدالة”.
بينما، علق “صوان” التحقيقات لمدة شهرين قبل أن يستأنفها الأسبوع الماضي، بعدما أعادت محكمة التمييز الملف إليه في انتظار البتّ في طلب الوزيرين.
وتبيّن بعد وقوع الانفجار أن مسؤولين سابقين وحاليين من الجمارك وإدارة المرفأ والحكومة كانوا على علم بمخاطر تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في المرفأ، ما أدى إلى ادعاء صوان الشهر الماضي، على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، بتهمة “الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة” وجرح مئات الأشخاص.
ورغم توقيف 25 شخصا، بينهم مسؤولون عن المرفأ وآمنه وصيانته، لم تحرز التحقيقات تقدما حتى الآن، إذ دخلت السياسة على خط التحقيق وساهمت في عرقلته خصوصاً بعدما ادعى قاضي التحقيق على مسؤولين سياسيين.
يذكر أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، اتهمت السلطات اللبنانية في وقت سابق بـ”التقاعس” عن تحقيق العدالة في انفجار مرفأ بيروت، عقب نحو 7 أسابيع على تعليق التحقيقات، مطالبة بإجراء تحقيق دولي مستقل بالحادث.
وأكدت المنظمة الدولية أن “التحقيقات المحلية المتوقفة المليئة بالانتهاكات الجسيمة للإجراءات القانونية، ومحاولات الزعماء السياسيين لوقف التحقيق تعزز الحاجة إلى إجراء تحقيق دولي مستقل”.