أخيراً، تطوى واحدة من أعقد وأصعب المشكلات، التي واجهت الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، خلال ولايته الرئاسية الأولى، ليحمل قرار الكونغرس تبرئته من القضايا والتهم الموجهة له، إعلان انتصاره على معارضيه في الحزب الديمقراطي، على الأقل مؤقتا، وذلك قبيل أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي يسعى خلالها للظفر بولاية جديدة.
أخر فصول محاكمة الرئيس المثيرة للجدل، كان بقرار الكونغرس يوم – الأربعاء، الذي رفض قبول الاتهامات الموجهة “لترامب” بعرقلة عمل الكونغرس واستغلال السلطة، في قضية هي الثالثة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة.
تبرئة الرئيس الأمريكي، من القضايا الموجهة له، ومن بينها الضغط على الرئيس الأوكراني لفتح تحقيقات فساد ضد منافس “ترامب” المحتمل في الانتخابات القادمة، “جو بايدن”، لم يكن مستغرباً، خاصةً مع قرار الحزب الجمهوري الاصطفاف خلفه ودعمه بشكل كامل، ولكن وعلى الرغم من ذلك، إلا أن موقف النائب الجمهوري، والمرشح الرئاسي السابق “ميت رومني” كان هو المفاجأة الأكبر، عندما قرر التحليق خارج السرب، ومنح صوته لصالح الدعوة الديمقراطية لإدانة “ترامب”، حتى وإن كانت تلك الخطوة منه غير مؤثرة في مسار المحاكمة ونتيجتها.
محور المفاجأة في موقف “رومني”، تجلى في مخالفته لتصريحاته السابقة، التي برأ خلالها “ترامب” من تهمة عرقلة عمل الكونغرس، بالإضافة إلى ما عرف عنه من تأييد للرئيس منذ انتخابه، حيث وصفه بعد فوزه بالانتخابات الماضية أمام منافسته “هلاري كلينتون”، بأنه الرجل الذي سيقود الولايات المتحدة إلى نحو مستقبلٍ أفضل.
خيوط تلك المفاجأة وتفسيراتها، صدرت من الرئيس الأمريكي ذاته، الذي ربط في تغريدة له على تويتر، بين عدم تعيينه “ميت رومني” وزيراً للداخلية وبين تصويت الأخير ضده، لافتاً إلى أن بعد نجاحه في الانتخابات تم طرح اسم السيناتور الجمهوري لتولي منصب وزير الداخلية، إلا أنه عدل عن الفكرة في ما بعد، الأمر الذي دفع السيناتور للانقلاب على الرئيس.
بعيداً عن نزاعات البيت الواحد، أظهرت تبرئة “ترامب” حجم العداء السياسي، الذي يجمعه برئيسة مجلس النواب الأمريكي “نانسي بيلوسي”، والتي قادت الحملة بكل ما أوتيت من قوة لإدانة الرئيس، الذي لم يوفر الوقت لتوجيه موقف محرج لها أثناء كلمته عن حالة الاتحاد، بعد أن رفض مصافحتها، لترد الأخيرة بتمزيق خطاب “ترامب” قبل أن ينهي كلمته، الأمر الذي يشير بحسب محللين إلى أن محاكمة “ترامب” طويت، ولكنها لم تطوي الحرب بينه وبين غريمته، “بيلوسي”، بل على العكس فتحت الباب أمام تصاعد واشتداد المعارك القادمة بين القطبين.
واعتبرت “بيلوسي” أن ترامب سيبقى تهديداً مباشراً ومستمراً للديمقراطية في البلاد، موضحةً: “إنه يصر على أنه فوق القانون وأنه يمكنه إفساد الانتخابات إذا أراد ذلك”، منتقدة تبرئته من جانب مجلس الشيوخ.
أما عن ردود الأفعال حول قرار الكونغرس، فلم يخف الحزب الجمهوري سعادته بما وصفه بالانتصار على الحزب الديمقراطي، حيث جاء أول رد فعل من الرئيس الأمريكي، الذي غرد على تويتر بعبارة: “ترامب إلى الأبد”، واصفة محاكمة العزل بـ “الخديعة”.
من جهتها، صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض “ستيفاني غريشام” عقب الحكم مباشرة: “الرئيس مسرور بطي هذا الفصل الأخير من السلوك المشين للديمقراطيين”، متهمة المعارضة الديمقراطية بالسعي للتأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومتسائلة “ألن يكون هناك انتقام؟”.
إلى جانب ذلك، اعتبر زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، “ميتش ماكونيل” أن أعضاء الحزب الديمقراطي أخطأوا التقدير بتناولهم لقضية العزل، مشيراً إلى أن النتائج النهاية صبت في مصلحة الجمهوريين، مضيفاً: “العزل بات قضية خاسرة للديمقراطيين، اعتقدوا أنها فكرة سديدة، ولكنه خطأ سياسي فادح”.
وتأتي تبرئة الرئيس من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي، بعد أن أدانه مجلس النواب في كانون الأول الماضي، وصوت لصالح عزله، متهماً إياه بإساءة استخدام منصبه للضغط على أوكرانيا لإعلان تحقيق بشأن منافسه السياسي قبل إجراء الانتخابات العام الجاري، ثم عرقلة تحقيق الكونغرس.