منذ أسبوع والقنوات الإخبارية والأوساط الإعلامية الفرنسية، تناقش مشروع قرار يمنع الأم المحجبة من مرافقة أولادها في الرحلات المدرسية.
موجة الجدل الجديدة، حول الحجاب في فرنسا، فجرتها رئيس المجموعة اليمينية الفرنسية المتطرفة “جوليان أدول”، والتي هاجمت فيها سيدة محجبة دخلت مقر المجلس الإقليمي لمنطقة “بورغون-فرانش-كونتي” الفرنسية، برفقة مجموعة من التلاميذ، ومطالبتها رئيسة المجلس “ماري غيت دوفاي” إلزام المرأة نزع حجابها باسم “مبادئ الجمهورية العلمانية”.
من جهتها، رفضت رئيسة المجلس، طلب رئيس مجموعة اليمين، مضيفةً: “ليس هناك بالأنظمة والقوانين ما يبرر خروج هذه المرأة من الجمعية الإقليمية، ولديها الحق الكامل بأن تحضر مع حجابها”.
ورغم إدانة الوزراء لتصرف البرلمانية، فإن الحادثة أعادت فعلياً قانون حظر الحجاب في الأماكن العامة إلى دائرة الضوء، وبات التساؤل واضحاً عما إذا خالفت المرأة القانون بحضورها الاجتماع بحجابها أم لا؟ خاصةً مع اعتراف السلطات بوجود خلاف حقيقي بشأن فهم النص القانوني المتعلق بالحجاب.
الجدل والخلافات حول الحجاب، وصل حتى إلى دائرة الحكومة، التي انقسم أعضاءها بين من يرى أن ارتداء الحجاب لمرافقات الرحلات المدرسية غير محبب، في حين يعتبر البعض الآخر أن منع المرافقات من ارتداء الحجاب قد يضر الرحلات المدرسية ويؤثر سلبا عليها خاصة، وأن النص القانوني لم يمنعهن صراحة من ارتدائه.
من جهتها، تناولت العديد من الصحف الفرنسية، حالة التباين فيما يتعلق بالحجاب، مشيرةً إلى أن السيدة المحجبة ستتقدم بشكوى أمام محكمة باريس، والادعاء العام بمدينة “ديجون” ضد السياسي المذكور.
صحيفة الباريزيان كانت من بين الصحف التي أثارت قضية المرأة، حيث نشرت تقريراً بعنوان هل يلزمنا قانون حول ارتداء المرافقات للحجاب في الرحل المدرسية؟
وخلال التقرير، عرضت الصحيفة، آراء عدة مسؤولين فرنسيين حيال الموضوع، حيث قال رئيس المجموعة الديمقراطية في مجلس الشيوخ السينا “برونو روتايو “: “الحجاب ليس فقط قطعة قماش هو علامة تقديم، وأحيانا علامة فصل وتمييز، دعونا نواجه الأمر، يوجد اليوم إسلام راديكالي لديه استراتيجية المطالبة والاستفزاز، لا يمكننا أن ننظر في أي مكان آخر! خاصة على ما يحدث في المدارس العامة، أشارك في توقيع مشروع قانون يهدف إلى حظر الحجاب في سياق النزهات المدرسية في المدرسة، لدينا طلاب سيصبحون مواطنون يجب علينا حماية المؤسسة المدرسية و “خارج الأسوار” التي هي رحلات مدرسية”.
أما رئيس الوزراء “أدوارد فيليب” فبحسب تقرير الصحيفة، فلديه رأي مغاير شدد خلاله معارضته لمشروع القرار، مضيفاً: “القانون الفرنسي يسمح لأهل التلميذ بارتداء الحجاب في الرحلات المدرسية لكن يمنع الأهالي من التبشير والدعوة الدينية، كما يسمح القانون الفرنسي لطلاب الجامعات بارتداء الحجاب”.
وأكمل المسؤول الفرنسي: “القانون لا ينص على منع الحجاب في الجامعات، لكنه يمنع ارتدائه في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية فقط، على الطالبات والمدرسات، ولا يشمل الوليات المرافقات للتلاميذ، باعتبار أنهن متطوعات يقدمن فقط دعما لوجستيا للطلاب ولا يقدمن خدمات للعموم حتى يشملهن القانون”.
وفي عام 2012 صدر قرار يمنع الوالدات المرافقات للتلاميذ من ارتداء الحجاب في الرحلات المدرسية لكن مجلس الدولة قرر في عام 2013 أن الوليات المرافقات ليسوا موظفات لدى الدولة، وبالتالي لا يخضعن لقانون منع الحجاب ليلغي بذلك المرسوم السابق.
السيناتور “لورانس روسينول” رأت من جهتها أن المجتمع الفرنسي يعاني من مشكلتين، الأولى هي تصاعد العنصرية التي تركز على الحجاب والثانية هي توسع النفوذ الديني.
أما صحيفة لوموند فقد تناولت خلال تغطيتها للقضية دعوة نحو 90 شخصية فرنسية، الرئيس “إيمانويل ماكرون” إلى إدانة الاعتداء الذي تعرضت له السيدة المحجبة في المجلس الإقليمي لـ “بورغون-فرانش-كونتي”
ونشرت الصحيفة تحت عنوان: “سيدي الرئيس قل كفى للكراهية ضد المسلمين في فرنسا”، آراء العديد من الشخصيات الموقعة على العريضة، كالممثل الكوميدي المشهور “عمر سي” والممثلة “ماريانا فويس”، والمخرج “ماثيه كاسوفيتز”، والممثلة “جيرالدين ناكاش” والمخرجة “تونيه مارشال”، وغيرهم.
وجاء في العريضة: “نحن الشخصيات من خلفيات متنوعة، ونلتزم بمبدأ العلمانية على النحو المنصوص عليه بالقانون، نطلب على وجه السرعة، من الرئيس إيمانويل ماكرون، أن يدين علانية الاعتداء اللفظي الذي تعرضت له هذه المرأة أمام ابنها”.
وأضافت العريضة “هذا المشهد، وهذه الكلمات، وهذا السلوك، من أعمال العنف والكراهية شيء لا يصدق! لقد جعل اليمين المتطرف الكراهية ضد المسلمين أداة رئيسية للدعاية، لكنه لا يحتكرها؛ إذ أن أعضاء من اليمين واليسار لا يترددون بدورهم في تشويه صورة المسلمين “، مطالبة الرئيس ماكرون أن يقول بصوت عال وبكل قوة إن النساء المسلمات محجبات كن أم لا والمسلمين بشكل عام لديهم مكانتهم الكاملة داخل المجتمع الفرنسي، وأن يرفض تشويه صورتهم والتنديد بهم فقط لأنهم مارسوا شعائرهم الدينية البسيطة. وأن يشدد على ضرورة وضع حد للتمييز الذي يتعرضون له.
صحيفة الفيغاروا بدورها نشرت مقالاً بعنوان “ارتداء الحجاب الإسلامي في فرنسا: ماذا يقول القانون حقا”.
في هذا المقال، يقول الكاتب إن القانون الفرنسي يمنع ارتداء وتقلد الرموز الدينية في الوظائف العامة ويكون المنع للموظفين الذين يحتكون بالمراجعين وليس للمراجعين أو المواطنين، مضيفاً: “ارتداء الحجاب مسموح في الأماكن العامة ما لم يشكل خطر على النظام العام”.
أما بالنسبة للانتخابات والترشح ووفقاً للمقال فلا ينص القانون على ضرورة الالتزام بالحياد، وأنه بإمكان المرأة المحجبة أن تقدم ترشحها على القائمات الانتخابية، لكن خلال ممارسة مهامها تختلف التفسيرات لهذا القانون إلى حد التناقض والتضارب.
ولفت المقال إلى المرأة المنتخبة بالمجالس البلدية بإمكانها الاحتفاظ بحجابها خلال اجتماعات المجلس، لكن البعض يرى أن عليها نزعه خلال بعض المهام التي تندرج في إطار تقديم الخدمات العامة للمراجعين مثل إبرام عقود الزواج مثلا لأنها تصبح حينها خاضعة لقانون الحجاب المتعلق بالوظيفة العمومية.
وفي جلسات نقاش بثتها قناة BFMTV استضافة خلالها نواب من اليمين ومن اليسار الفرنسي؛ تضاربت الآراء بين مؤيد لمشروع قانون حظر الحجاب للمرافقات في الرحلات المدرسية و معارض، ليبقى اللافت للنظر عدم استضافة أي أمرأة محجبة في جلسات النقاش.
ما هو موقف رئيس الجمهورية؟
في ظل الجدل وتوسيع دائرة الحوار، بقي الرئيس ماكرون صامتاً ولم يدلي بتصريحات حول الموضوع
بينما صرح الاليزيه (القصر الرئاسي الفرنسي) : أن الرئيس ليس بصدد مناقشة هذه المواضيع حالياً و أنه لا يجب وصم مكون أساسي من المجتمع الفرنسي
ويجب التركيز على ثلاثة نقاشات فقط:
مكافحة التطرف
مكافحة الشيوعية
إشكالية هيكلة الإسلام في فرنسا.
في النهاية يبقى الموضوع محل جدال ونقاش بين اليساريين واليمنيين، على اعتبار أن القانون فضفاض يحتوي على متناقضات ويترك الباب مفتوحاً للتأويلات.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.