المصدر: Nordic Monitor
وصل التوتر بين تركيا والإمارات العربية المتحدة إلى مراحل جديدة في أغسطس الجاري، حيث يصعد كلا البلدين من حدة صراع القوى الإقليمية في المنطقة، وذلك من خلال المناورة للقيام بتحركات انتقامية. وقد كانت تركيا والإمارات حليفتان في وقتٍ سابق، إلا أن أنهما أصبحتا أعداء بسبب الدعم المعلن الذي تقدمه حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الموالية لإيران، لحركة الإخوان المسلمين.
وفي خطوة انتقامية واضحة، سعت تركيا إلى استصدار نشرة حمراء من الإنتربول بحق محمد دحلان، الزعيم السابق لحركة فتح الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر، وذلك في الوقت الذي أصبحت الإمارات فيه أول دولة خليجية عربية تتوصل إلى اتفاق بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وكانت الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل قد توصلتا إلى اتفاق – بوساطة الولايات المتحدة – للعمل من أجل “التطبيع الكامل للعلاقات”.
وقد طلب مكتب المدعي العام في أنقرة من الإنتربول القبض على دحلان الذي يعيش في المنفى في الإمارات العربية المتحدة، وذلك بسبب مزاعم تفيد أنه يدير شبكة تجسس إماراتية في تركيا، حيث تم وضعه على قائمة أهم المطلوبين في البلاد، بحسب صحيفة صباح اليومية، المملوكة لعائلة الرئيس التركي. يذكر أن دحلان هو مستشار أمني لولي عهد الإمارات محمد بن زايد الذي أعلن تطبيع العلاقات مع إسرائيل الأسبوع الفائت.
وكانت الصحيفة قد أوردت أن زكي يوسف مبارك حسن وسامر شعبان اعتقلا في 19 نيسان 2019 تزامنا مع التحقيق في “شبكة دحلان” في تركيا. وبحسب صحيفة صباح، قال شاهد سري يدعى بويراز إن حسن وشعبان على اتصال بدحلان وتجسسوا على المصريين والفلسطينيين في تركيا لصالح دحلان. ويعتبر استخدام الشهود السريين من قبل الحكومة التركية هو الجانب الأكثر سوءاً في نظام العدالة الجنائية، لا سيما في القضايا السياسية، التي غالباً ما تفتقر إلى الأدلة. وبعد تسعة أيام من اعتقاله، تم العثور على حسن، الفلسطيني البالغ من العمر 56 عاماً، ميتاً في ظروف مريبة في سجن سيليفري سيئ السمعة في ضواحي اسطنبول.
أما الإمارات فقد جاء ردها من خلال الكشف عن خطتها لإجراء مناورات عسكرية جوية مشتركة مع اليونان هذا الأسبوع بمشاركة مقاتلات إف -16. وقد وصلت الطائرات الإماراتية إلى جزيرة كريت أمس بحسب التقارير. وجاءت هذه الخطوة مع استمرار التوتر بين اليونان وجارتها تركيا بشأن حقوق استخراج الطاقة البحرية.
ولطالما زعمت وسائل الإعلام التركية بالإضافة إلى المسؤولين الأتراك أن دحلان هو عميل للإمارات وإسرائيل ومصر، وأنه لعب دوراً مهماً في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، كما ادعت تلك الجهات أن لدحلان يد في الانقلاب الفاشل الذي حصل في تركيا في 15 يوليو 2016، ولكن حتى الآن لم يتم تقديم دليل واحد للعامة يثبت صحة تلك الادعاءات.
وعن مقتل حسن، أحد المعتقلين اللذين احتجزتهما تركيا في أبريل 2019 للاشتباه بالتجسس لصالح الإمارات، قال مسؤول في وزارة العدل إن حسن عُثر عليه مشنوقاً قرب باب الحمام في زنزانته في سجن سيليفري عندما جاء الحراس لتوزيع الطعام صباح الأحد في الموعد. إلا أن عائلة حسن اتهمت السلطات التركية بقتله، وقال نجله يوسف لقناة العربية إنه يتوجب إنشاء لجنة دولية للتحقيق في وفاة والده. وفي حديثه للعربية أضاف يوسف: “سافر والدي إلى تركيا لكسب لقمة العيش وبناء مستقبل لنا”، مردفاُ أن والده كان ضحية و “كبش فداء في صراع سياسي”.
كما أفادت منظمات حقوقية دولية في السنوات الأخيرة أن هناك زيادة في عدد الوفيات المشبوهة في تركيا، ومعظمها في السجون ومراكز الاحتجاز، حيث يمارس التعذيب وسوء المعاملة. وفي معظم الحالات، كانت السلطات قد أعلنت أنهم ماتوا انتحاراً دون أي تحقيق فعال ومستقل.
في 14 أغسطس الجاري أعلن الرئيس التركي أردوغان أن تركيا تفكر في إغلاق سفارتها في أبو ظبي، وأنه سيقوم بتعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة على خلفية قرارها بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وفي حديثه مع صحفيين قال أردوغان: “أعطيت أمرا لوزير الخارجية وقلت إن بإمكاننا تعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإدارة في أبو ظبي أو سحب سفيرنا لأننا نقف مع الشعب الفلسطيني”.
أما وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، وفي مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية في 31 يوليو، هدد بمحاسبة الإمارات العربية المتحدة قائلاً إن أبو ظبي تمارس تحركات تؤثر على المصالح التركية في سورية وليبيا: “لقد فعلت أبو ظبي ما فعلته في ليبيا وفعلت ما فعلته في سورية، وكل هذا مسجل، وفي الوقت والزمان المناسبين سنقوم بالرد.”
وبعد مرور أسبوعين على تصريحات أكار، اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الإمارات العربية المتحدة بخيانة القضية الفلسطينية من أجل مصالحها الخاصة.” وفي مؤتمر صحفي عقد في سويسرا في 14 أغسطس الجاري، شدد أوغلو على أن الإمارات خانت فلسطين قائلاً: «إنها دولة تضغط على بعض الدول العربية بخصوص فلسطين. نقول صراحة إنها خانت القضية الفلسطينية من أجل مصالحها”.
وفي مايو الماضي رد أوغلو على الانتقادات الموجهة للدور التركي في الصراع الليبي، وذلك بعد وقت قصير من إعلان قبرص ومصر وفرنسا واليونان والإمارات العربية المتحدة، الذي وصف النشاط العسكري التركي في شرق البحر المتوسط وليبيا بأنه سعي إلى “الفوضى الإقليمية وعدم الاستقرار”.
حيث اتهم أوغلو الإمارات بجلب الفوضى إلى الشرق الأوسط من خلال تدخلاتها في ليبيا واليمن ودعم متشددي حركة الشباب المرتبطين بالقاعدة في الصومال، حيث تحتفظ تركيا بقاعدة عسكرية وتقوم بتدريب قوات الأمن الصومالية.
وفي معرض اتهاماته لأبو ظبي قال أوغلو: “إذا كنت تسأل من الذي يزعزع استقرار هذه المنطقة ومن الذي يجلب الفوضى، فإننا نقول أبو ظبي دون أي تردد. إنها حقيقة، الإمارات هي القوة التي زعزعت الاستقرار في ليبيا ودمرت اليمن.”
وكانت الإمارات العربية المتحدة قد اظهرت عدم ارتياح للدعم التركي لقطر وجماعة الإخوان المسلمين، ثم جاءت اللحظة الحاسمة في العلاقات التركية الإماراتية في يونيو 2017، وذلك عندما قطعت الإمارات والسعودية ومصر والبحرين العلاقات الدبلوماسية مع قطر واتخذت عدداً من الإجراءات العقابية ضدها، بما في ذلك فرض حصار كامل.
وقد اتهمت تلك الدول قطر بدعم جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب العديد من الجماعات الإسلامية المتشددة الأخرى في المنطقة. ثم جاءت تركيا لمساعدة قطر، حيث نقلت البضائع التي تضررت بسبب العقوبات االمفروضة من قبل المملكة العربية السعودية، ومنذ ذلك الحين، أصبح الخطاب بين تركيا والإمارات أكث حدة، وهذه الحدة في تزايد مستمر.