هيئة التحرير
أثار القصف التركي – الإيراني المزدوج على الأراضي العراقية، عبر قصف مدفعي للمناطق الحدودية، من جهة إقليم كردستان العراق، واستهداف جوي من الطائرات التركية التي اخترقت الأجواء العراقية، ردود فعل واسعة، إذ على المستوى العربي نددت العديد من الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر بالعملية التركية التي كانت الأوسع والأشمل، فيما استدعت وزارة الخارجية العراقية، السفير التركي في بغداد مرتين متتاليتين خلال يومين، وكان آخرها في 17 حزيران/ يونيو الجاري، بعد إعلانها عن بدء عمليتين الأولى كانت «المخلب النسر» والثانية تحت عنوان «المخلب النمر» حينما بدأت تركيا هجوماً برياً في منطقة «هفتانين» القريبة من قضاءي زاخو وآميدي (العمادية)، ضد حزب العمال الكردستاني التركي، وأسفر الهجوم البري والجوي إلى فقدان ستة مواطنين في إقليم كردستان حياتهم، أحدهم في إحدى قرى ناحية سيدكان في قضاء سوران بمحافظة أربيل في 16 حزيران، والخمسة الآخرين في قرية في شيلادزي بقضاء آميدي (العمادية) التابعة لمدينة دهوك.
أكدت الخارجية عبر بيان صادر عنها، أنها استدعت السفير التركي في بغداد، فاتح يلدز للمرة الثانية، وسلمته مذكرة احتجاج شديد اللهجة، تتضمن وقف الهجمات بأقرب وقت وسحب قواتها من العراق فوراً. وشددت الخارجية العراقية في بيانها على أن «العراق يستنكر بأشدّ عبارات الاستنكار والشجب من مُعاودة القوات التركيّة يوم 17 حزيران الجاري، انتهاك حُرمة البلاد وسيادتها بقصف ومُهاجَمة أهداف داخل حُدُودنا الدوليّة، نرفض بشكل قاطع هذه الانتهاكات التي تُخالِف المواثيق والقوانين الدوليّة، ونُشدّد على ضرورة التزام الجانب التركيّ بإيقاف القصف، وسحب قواته المُعتدِية من الأراضي العراقيّة التي توغّلت فيها ومن أماكن تواجدها في معسكر بعشيقة وغيرها». ولم يختلف بيان التنديد من رئاسة برلمان كردستان العراق، عن موقف الحكومة الاتحادية، مشيرة إلى أن «ٳدامة سفك الدماء من أي جهة كانت تبعد لغة السلام، ونحن بدورنا نؤيد النضال المدني والديمقراطي والبرلماني لحل المسألة الكردية، وإنهاء الاقتتال الداخلي والحل العسكري؛ ذلك أن الأخير يزيد الطين بلة…».
بارزاني في بغداد
وسط التوتر الحاصل والانتهاكات المتواصلة من تركيا وإيران، وصل رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، إلى العاصمة بغداد، اليوم السبت، في زيارة لم يعلن عنها، وبدأ فور وصوله سلسلة اجتماعات مع كبار المسؤولين العراقيين في الحكومة الاتحادية، وبعض الأطراف السياسية، وعلى الرغم من تأكيد وسائل إعلام كردية إن الهدف من زيارته الحوار لحل المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد، مثل المادة 140 الدستورية والنفط والموازنة والمالية والبيشمركة وغيرها، والتي تركت آثاراً سلبية على الإقليم، وخاصة في المجالات الاقتصادية والمالية، وفي مقدمتها مسألة الموازنة والمستحقات المالية لكردستان. إلا أن مصادر خاصة لـ«مرصد مينا» قالت إن أهم «نقطتين سيتم تباحثهما في الزيارة، المشاركة في الحوار الأمريكي العراقي من أجل الخروج بتوافق واحد وخاصة مسألة سيطرة بعض الميلشيات الإيرانية على القرار العراقي، فيما النقطة الثانية تتعلق بمدى مصداقية ما تم تسريبه حول العملية التركية والتي قالت أنقرة على لسان مسؤول تركي رفيع المستوى إن العمليات جاءت بعد التباحث مع المسؤولين العراقيين أولاً» فيما مصادر تركية أخرى سربت معلومات من أن حكومة الرئيس، رجب طيب أردوغان، ما كانت لتطلق العملية لولا حصولها على موافقة ضمنية من حكومة كردستان العراق، التي يترأسها نيجرفان بارزاني»، في إشارة واضحة من تركيا على أن حكومتيّ الإقليم والاتحادية رغم استدعاء السفير وبيان الاستنكار كانت على علمٍ مسبق بالضربات، في حين نفى الجانب العراقي التنسيق معه بشأن العمليات العسكرية.
معلومات متضاربة
الطرفين العراقيين نفيا علمهما بالعملية التركية، والتنسيق معها، وكلا الطرفين أصدرا بيانات تنديد شديدة اللهجة، وأن حل الخلافات لا يمكن بسفك الدماء والحل العسكري، حتى وإن كان الهجوم يستهدف حزب العمال الكردستاني في المناطق الحدودية. وقال المتحدث باسم حكومة الإقليم، «جوتيار عادل» يدعون «جمهورية تركيا إلى احترام سيادة أراضينا ووطننا، كما يجب على حزب العمال الكردستاني إخلاء هذه المناطق، كي لا يكون سبباً لإثارة التوترات في المناطق الحدودية بإقليم كردستان».
هذه البيانات والتصريحات المتضاربة، مقابل الاتهام التركي، بالتنسيق المسبق مع المسؤولين العراقيين سواءً من الحكومة الاتحادية أو الإقليم، ربطته مصادر خاصة بـ«مرصد مينا» بمعلومات وتسريبات أهم لم يتحدث به جميع الأطراف بشكل رسمي، إذ أكد المصدر أن «الطرف التركي لم يتحدث عن خسائره لحين التأكد من الجهة التي أوصلت معلومات لحزب العمال الكردستاني قبل وقوع القصف بساعات».
وكشفت تلك المصادر أن «تسريب معلومات العملية الجوية لإحدى أهم نقاط التجمع لكوادر الحزب، أمكنتهم بتفريغ المكان قبل بدء القصف، ومن ثم وضع كمين محكم لقوات الكوماندوس التركي الذين كانوا يتقدمون على الأرض بالتزامن مع القصف الجو»، وفق المصدر فإن «عشرات من القوات التركية قتلت بالإضافة لأسر عدد آخر منهم، وذلك عقب عودة الطائرات إلى قواعدها». وحتى اللحظة لم يتم التأكد من مختلف المعلومات المتضاربة إلا أن زيارة نيجيرفان بارزاني قد تكون ضمن هذه المعطيات أولاً!
هل تكون العملية بداية خروج الحزب من كردستان؟
في الطرف الآخر، كشفت مصادر كردية مطلعة، عن معلومات مختلفة تماماً عن ما سبق، من أن هناك رغبة من حكومة إقليم كردستان، بإخراج مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» من شمال العراق، وذلك بالتزامن مع تواصل العملية العسكرية التركية ضد مقاتلي الحزب المنتشرين في المرتفعات الجبلية، التي تتبع لسلسلة جبال قنديل، والتي أسفرت حتى الآن عن سقوط خمسة قتلى من المدنيين على الأقل، وخوفاً من أن تتجه الأوضاع نحو أكثر خطورة مع تصاعد إمكانية وقوع رد فعل انتقامية بين الحزب والحكومة التركية، خاصة وأن أراضيها أصبحت خلال السنوات الماضية، مسرحاً لسلسلة عمليات تفجير تبناها حزب العمال الكردستاني، في سياق ما قال إنه رد على العمليات العسكرية التركية ضد المقاتلين الأكراد.
وفي السياق ذاته، اعتبر محللون سياسيون أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، يسعى لاستغلال الهجوم التركي على المنطقة لإخراج حزب العمال، وإجباره على إخلاء مواقعه، وبالتالي تثبيت حكمه لكردستان العراق، ووضع حد للمشاكل الحدودية، خاصة مع تراجع نفوذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي الأسبق، جلال طالباني.
وكانت الحقبة التاريخية قد شهدت خلال العقود الماضية، سلسلة صدامات بين الحزب الديمقراطي الحاكم في إقليم كردستان، والتابع للزعيم الكردي، مسعود بارزاني، من جهة، وبين حزب العمال الكردستاني، بزعامة عبد الله أوجلان من جهة أخرى، والتي وصلت في بعض المراحل السابقة إلى حد المواجهات المباشرة المسلحة بين الطرفين.