تشتد حالة التوتر والارتباك في ليبيا، في ظل عدم التوافق والاختلافات المستمرة بين الأطراف السياسية التي من المفترض أن تسعي لحل الأزمة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها كانون الأول/ ديسمبر المقبل، حيث اتهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة”، مجلس النواب الليبي بعرقلة عمل الحكومة بشكل مستمر ومتعمد.
الهجوم الذي شنه “الدبيبة”، على البرلمان ورئيسه، ورفضهم منح الميزانية، وكذلك عقد جلسة لمساءلته، أثارت بعض الأسئلة حول مصير الحكومة، خاصة مع تهديدات سحب الثقة منها حال عدم حضور رئيسها.
وكان رئيس البرلمان “عقيلة صالح”، قد طالب “الدبيبة” بالمثول أمام مجلس النواب المنتخب عام 2014، لاستجوابه بشأن أداء حكومته أو مواجهة تصويت بحجب الثقة، حيث سيعقد البرلمان الليبي جلسة الاستجواب يوم غد الاثنين، وسط ترجيحات بأن الدبيبة لن يتوجه إلى طبرق للمثول أمام المجلس النيابي، ما قد يكون سبباً في اتخاذ قرار بسحب الثقة منه.
يشار إلى أن رئيس مجلس النواب الليبي، “عقيلة صالح”، كان هدد الحكومة الليبية بسحب الثقة من رئيسها حال عدم حضورها جلسة المساءلة، واعتبار ذلك احتقارا وتقليلا من شأن المؤسسة التشريعية، متهما الحكومة بأنها مركزية، وأنها فشلت في توحيد المؤسسات وتمثيل كل الأقاليم”، بحسب تصريحات تلفزيونية.
تصعيد..
رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة” الذي تولى منصبه في شهر آذار الماضي التهديدات بسحب الثقة، متهما مجلس النواب بـ”إعاقة عمل الدولة” بسبب فشله في إقرار ميزانيته، وبعرقلة الانتخابات المقررة في كانون الأول المقبل، مشيرا إلى أن مشكلة الانتخابات ليست لوجيستية، بل هي تشريعية بحتة.
واعتبر “الدبيبة” في كلمة متلفزة، بثتها وسائل إعلام محلية مساء أول من أمس، أن أسباب مجلس النواب لعدم الموافقة على مقترحاته المتكررة للميزانية “غير حقيقية وواهية”، وقال إن حكومته تعرضت بشكل ممنهج للعرقلة من مختلف الأطراف، وعلى رأسها البرلمان، لافتاً إلى أنه خلال 4 أشهر، تمت عرقلة الحكومة بشكل ممنهج مقصود، كما تمت عرقلة اعتماد الميزانية من قبل البرلمان من دون أسباب واضحة”.
في السياق، أشار “الدبيبة” إلى أن البرلمان لم يعتمد أي ميزانية طيلة 7 سنوات، وأوضح أن الحكومة أجابت على كل الملاحظات التي أبداها مجلس النواب بشأن الميزانية، وعدم اعتمادها أضاع الفرصة على الحكومة للعمل.
وأضاف قائلا: “الفاشلون لا يمكن أن يكون لهم موقع في خريطة ليبيا المستقبل، ومن يحاول أن يعطل التنمية والانتخابات تحت أي حجج، ويفكر في إقامة الحروب، لا مكان له بيننا”.
رد رئيس مجلس النواب، “عقيلة صالح” لم يتأخر، إذ قال إن “الدبيبة يتحجج بأننا لم نمنحه ميزانية، بينما أتحنا له الصرف، وأنفق حتى الآن نحو 40 مليار دينار ليبي”، وتابع: “الحكومة لا تعاني من أزمة مالية، والمشكلة في عدم اعتماد الميزانية باب التنمية الذي يطلبه دبيبة بقيمة 20 ملياراً، ويتقدم دبيبة لنا كل 15 يوماً بطلب تعديل وتأجيل”.
كما توعد بأنه في حالة عدم حضور “دبيبة” لجلسة المساءلة، فإنه سيكون أول من يطالب بسحبها، لأن “عدم الحضور يعني عدم الاحترام”، على حد قوله.
وكان البرلمان قد حدد جلسة استجواب لدبيبة وحكومته يوم غداً الاثنين، استجابة لطلب نحو 30 نائباً استجواب وسحب الثقة من الحكومة، بدعوى تسجيل مخالفات إدارية ومالية بحقها.
في السياق، طالب 31 من أعضاء “ملتقى الحوار السياسي” الليبي بعثة الأمم المتحدة في رسالة بعقد جلسة طارئة للملتقى لمعالجة ما وصفوه بـ”الاختراقات الجسيمة” التي تعيق تنفيذ خريطة الطريق، والتطورات الخطيرة التي تمس وحدة البلاد واستقرارها، والتمهيد الحقيقي لإجراء الانتخابات في موعدها.
سحب الثقة
يرى أستاذ العلوم السياسية، “خليل ملهوب” أن هذه الأجواء تلقي بظلالها حتماً على المسار السياسي، وتقلل فرص اتجاه البلاد لإجراء الاستحقاق الانتخابي المرتقب قبل نهاية العام، مشيرا إلى أن رئيس الحكومة لن يحضر إلى طبرق في جلسة المساءلة، وهو ما سيدفع بمجلس النواب، حتماً، إلى سحب الثقة عن الحكومة، وتكليف رئيس وزراء آخر.
ويقول “ملهوب” إن “هناك غالبية من أعضاء مجلس النواب ليسوا راضين عن سياسات وتحركات رئيس حكومة الوحدة الوطنية، ويرون أنه خالف البرنامج الحكومي، الذي من أجله وعلى أساسه نال ثقة مجلس النواب، فضلاً عن التغييرات الكثيرة التي أُحدثت على الميزانية”.
وحول الشخصية البديلة يقول “ملهوب” إنه علم بأن “فتحي بشاغا”، وهو وزير الداخلية السابق ورئيس الحكومة المرشح في قائمة عقيلة صالح، أقرب الشخصيات المحتملة لخلافة الدبيبة، إذا ما تم السحب الثقة عن الحكومة، فهو قد وعد بالإطاحة بالتشكيلات المسلحة، ومنظومة مصرف ليبيا المركزي.
مناورة..
المحلل السياسي، “إسماعيل سندان”، من جانبه يرى أن “استجواب البرلمان هو مناورة من رئيس المجلس عقيلة صالح لعرقلة إصدار ومناقشة القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات بسبب الخلاف حول شروط الترشح لرئاسة الجمهورية”، خاصة مع التوجه إلى نظام القوائم للرئيس ونائبيه.
كما يعتبر أن “محاسبة الحكومة أمر مثير للدهشة، بسبب رفض البرلمان التصديق على الميزانية”، وتساءل “كيف يحاسب البرلمان في هذه القضية”.
ويعتقد سندان أن جلسة الاستجواب يوم غد ستكون جلسة مناقشة عادية، وستمر كغيرها من الجلسات.
يشار إلى أنه سبق وأن حضرت الحكومة الوطنية جلسة استماع أمام البرلمان في 5 من تموز/ يوليو الماضي دون التوصل إلى أي قرارات.
وفي الخامس من فبراير الماضي، انتخبت لجنة الحوار الوطني الليبية، المكونة من 75 شخصا، برعاية الأمم المتحدة، مجلس رئيسيا جديدا برئاسة محمد المنفي، وعبد الحميد دبيبة، رئيسا للحكومة، هدفهم الرئيسي هو تهيئة البلاد لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر القادم. وفي 10 مارس، منح البرلمان حكومة الدبيبة الثقة بأغلبية 132 عضوا.
العودة للمربع الأول
منذ العام 2011، ابتليت ليبيا بالفساد والاضطراب، وفي السنوات الأخيرة، انقسمت بين حكومة تدعمها الأمم المتحدة في العاصمة طرابلس، وسلطات متنافسة مقرها في طرابلس شرقي البلاد.
كان كل جانب مدعومًا من قبل الجماعات المسلحة والحكومات الأجنبية، فيما قدرت الأمم المتحدة في ديسمبر أن هناك ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل ومرتزقة أجنبي في ليبيا، بما في ذلك أتراك وسوريون وروس وسودانيون وتشاديون.
ويقول “ملهوب” إنه خلال الفترة الماضية، بدأت ليبيا تعود لفكرة التحالفات مرة أخرى، فقد تحالف الدبيبة مع محافظ البنك المركزي ورئيس ديوان المحاسبة في المنطقة الغربية، كما أنهى عقيلة صالح خلافاته مع خليفة حفتر، قائد “قوات الجيش الوطني في الشرق”.
كما يرى أن هذه التحالفات هي محاولة لشد ليبيا للوراء والعودة إلى المربع الأول، للتأثير أو تأجيل الانتخابات.