تتسارع وتيرة الأحداث في بلدة عين عيسى والمناطق المحيطة بها في ريف محافظة الرقة شمال شرقي سوريا، حيث تشهد المنطقة تطورات عسكرية متلاحقة، ما عزز من توقعات المراقبين بحدوث مواجهة روسية- تركية في المنطقة.
آخر التطورات العسكرية أكدتها وسائل إعلام مقربة من النظام السوري، التي أفادت بأن قوات النظام وبالتنسيق مع القوات الروسية و”قسد”، أنشأت ثلاث نقاط عسكرية جديدة في مدينة عين عيسى ، لمنع أي تمدد جديد للجيش التركي والفصائل المسلحة المتحالفة معه.
في الوقت ذاته، تواصل القوات التركية والجيش الوطني تدعيم القواعد العسكرية والتواجد على خطوط التماس، بالتزامن مع تكثيف المدفعية التركية قصفها لمواقع “قسد” في البلدة ومحيطها.
تحالف ثلاثي لمواجهة تركيا
في الأيام القليلة الماضية أنشأ جيش النظام السوري بالتنسيق مع الجيش الروسي و”قوات سوريا الديمقراطية”، ثلاث نقاط عسكرية جديدة في مداخل مدينة عين عيسى الشمالية والشرقية والغربية، وهذا ما اعتبرته مصادر محاولة روسية لمنع تمدّد جديد للجيش التركي والفصائل المسلحة المتحالفة معه وسعي روسي لتشكيل تحالف ثلاثي لصد أي هجوم تركي محتمل.
وتؤكد المصادر أن الكُرد لجأوا الى التحالف العسكري مع روسيا والدولة السورية، بعد حديث عن وجود نية لدى تركيا للتقدم نحو البلدة الاستراتيجية، وفي ظل تصاعد وتيرة قصف المنطقة من قبل الجيش التركي.
في السياق، يستبعد المحلل العسكري السوري “أحمد السيد أحمد” وقوع مواجهة عسكرية بين التحالف الثلاثي وتركيا لأن بلدة عين عيسى تبعد عن الحدود السورية التركية أكثر من 37 كيلومتراً، بينما نصّ الاتفاق الروسي التركي حول منطقة شرقي الفرات في تشرين الأول\ أكتوبر من العام الفائت على ابتعاد قوات “قسد” عن الحدود 32 كيلومتراً فقط.
ويرى “السيد أحمد” أن جميع المؤشرات تدل على أن روسيا تنفذ اتفاق مسبق مع تركيا يقضي بتسليم البلدة الاستراتيجية لقوات النظام بدليل أنها منحت الضوء الاخضر لتركيا لتنفيذ عملية عسكرية في المنطقة قبل موافقة “قسد” على تسليم البلدة لقوات النظام السوري.
وكان ممثل “الإدارة الذاتية” في الخليج العربي، “شفان الخابوري”، قال الأسبوع الماضي إن روسيا أعطت ضوءًا أخضر لتركيا في تصعيدها العسكري ببلدة عين عيسى.
ابتزاز روسي لقسد
يرى مراقبون أن عرض روسيا على قسد بتسليم عين عيسى للنظام يتضمن ابتزازا وتهديداً واضحين، إذ يعني رفضه انسحاب الشرطة العسكرية الروسية وقوات النظام من عين عيسى، وترك قسد وحيدة أمام القوات التركية، وقوات الجيش الوطني.
الى جانب ذلك، يشدد “السيد أحمد” على أن تحديد مصير عين عيسى مرتبط بالقرار الروسي أكثر من قرارات الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الشأن السوري، خاصة أن المدينة باتت تحت نفوذ روسيا، منذ انسحاب الجيش الأميركي منها، في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، وهذا ما دفع قسد للخضوع لشروط موسكو وتسليم البلدة لقوات النظام السوري، نتيجة غياب راعيها الاساسي أي الأميركي.
وكانت الولايات المتحدة قد أخلت في تشرين الأول\ أكتوبر 2019 قواعد ونقاط تمركز في غربي منطقة شرقي نهر الفرات عندما لمست الإصرار التركي على شنّ عملية ضدّ قوات سورية الديمقراطية “قسد” في المنطقة، لكن الجانب الأميركي حدد للجيش التركي مجال عمليته، إذ حصرها في الشريط الحدودي الممتد من مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، إلى مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، بطول 100 كيلومتر.
تعزيزات عسكرية تركية
يواصل الجيش التركي، استقدام المزيد من التعزيزات العسكرية إلى ناحية تل أبيض وخطوط التماس في ناحية عين عيسى، وقد ضمت التعزيزات مدافع ميدان وعربات مدرعة ودبابات وناقلات جنود بالإضافة إلى مجموعات من الأفراد التابعة للجيش التركي.
تزامنا مع ذلك، كشفت مصادر لمرصد “مينا” عن وصول تعزيزات للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا الى نقاطه في خطوط التماس في البلدة.
تعزيزات القوات التركية والجيش الوطني، لا يعني بحسب المعارض السوري “حسين العمر”، ضرورة حدوث مواجهة في عين عيسى، إنما محاولة تركية لوقف أي تمدد مستقبلي لقوات النظام باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرتها، ووقف أي عملية عسكرية تشنها قوات “قسد” مستقبلا، ويرى “العمر” أن الاتفاق الحالي مرحلي ولا يلبي مطالب قسد، كما لا يلبي طموحات النظام وروسيا، وأن عمليات عسكرية، ستنطلق حالما يصبح الوقت مناسباً، مشيرا الى أن هذه التعزيزات ستعيق أي عملية عسكرية تهدد مصالح أنقرة في الشمال السوري.
لماذا عين عيسى؟
تقع بلدة عين عيسى إلى الشمال من مدينة الرقة بنحو 48 كيلومتراً، في قلب منطقة شرقي الفرات، ما يمنحها موقعاً مهماً كونها تحوّلت إلى عقدة طرق تربط بين مدن وبلدات المنطقة، وتتمتع البلدة بأهمية استراتيجية مهمة لكل أطراف الصراع في منطقة شرقي نهر الفرات، حيث تربط ما بين غربي منطقة شرقي الفرات وشرقها.
وبينما يسعى الجانب التركي إلى حرمان “قسد” من هذه البلدة الاستراتيجية في سياق جهود أنقرة في تقليم أظافر هذه القوات في مجمل منطقة شرقي الفرات، يبحث النظام عن موطئ قدم له في قلب المنطقة، التي تضم أغلب الثروات في عموم البلاد من زراعية ومائية وبترولية، كما يعبر الطريق الدولي “أم 4” الآتي من حلب إلى شرقي نهر الفرات بالقرب من بلدة عيسى إلى محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية وصولاً إلى الحدود السورية العراقية، وهو ما يمنحها أهمية كبيرة في مجرى الصراع المحتدم على الشمال الشرقي من سورية.