“غابت المحاسبة فعم الفساد والابتزاز”، عبارة لخصت بها، الطالبة الجامعية السورية، “تالا” حال جامعات بلدها حالياً، لافتةً في حديثها مع مرصد مينا، إلى أن تلك الجامعات تحولت بفعل ممارسات الهيئات الإدارية والتدريسية إلى وكر فساد وانحطاط أخلاقي وتعليمي ومكان لإرضاء شهوات المدرسين فيها.
تشير “تالا” إلى أن السنوات الأخيرة، شهدت تصاعداً في حدة الفساد وأشكاله، موضحةً: “من أصغر موظف أو عامل في الجامعات إلى أعلى قمة الهرم التعليمي، جميعهم باتوا فاسدين، فالشريف منهم لم يتمكن من البقاء في تلك الأماكن الموبوءة، التي لم يعد للشرف إو الأخلاق وجوداً فيها”.
انتهاك الأعراض والابتزاز الجنسي.. فاتحة الفساد
تقول “تالا” وهي طالبة في السنة الرابعة بكلية الآداب، جامعة دمشق: “أكثر ما يطلبه مدرسو المواد خاصةً في سنوات التخرج هو المتعة الجنسية مع الطالبات، لا سيما وأن أكثرهن ينحدرن من مناطق بعيدة وفقيرة وغالباً ما يكون تخرجهن، متوقف على مادة أو اثنتين”، لافتةً إلى أن أولائك الأساتذة غالباً ما يتعمدون خفض نسب النجاح في مواد التخرج لضمان أكبر قدر من الابتزاز.
تنطلق “تالا”، التي يتوقف تخرجها على مادتين فقط، في حكمها وتقييمها للوضع داخل الجامعات، من تجربتها الخاصة، موضحةً: “بعد أن رسبت في إحدى المواد للمرة الثانية على التوالي، ذهبت لأتحدث مع الاستاذ، فاصطحبني إلى مكتب في القسم، وخلال مناقشتنا بدأ يتحرش بي بشكل تدريجي، إلى أن وصل به الحال إلى الجلوس جانبي ووضع يده على قدمي، وقال لي بأني أحتاج إلى ما هو أكثر من الدراسة”.
الموقف وصعوبته ومستقبلها، الذي بات مهدداً في تلك اللحظة، أجبر “تالا” على عدم فضح الأمر والتصرف مع الموقف بابتسامة لحين خروجها من المكتب، على حد قولها، مشيرةً إلى أنها كانت ستفقد أي أمل في التخرج لو أنها قامت بالصراخ أو بإبداء أية ردة فعل، وأنها الآن تنتظر إنصافاً إلهياً كي تتخرج.
يشار إلى أن الجامعات السورية شهدت خلال السنوات الأخيرة، عدة شكاوى من طالبات تعرضن للتحرش، كان آخرها شكوى ضد المدرس في قسم علم الاجتماع، “علي بركات”، والتي أكدت فيها مجموعة من طالباته أنه ابتزهن جنسياً مقابل نجاحهن في المقررات، التي يُدرّسها.
تعليقاً على حادثة “تالا”، يؤكد مدرس سابق في جامعة دمشق، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن حوادث التحرشات الجنسية في الجامعات السورية عموماً، ليست ظاهرة جديدة، وإنما هي ممتدة منذ عقود، إلا أنها بعد عام 2012، زادت بفعل الظروف، التي تشهدها البلاد، لافتاً إلى أن الجامعات تحكم بمنظومة فاسدة متشابكة ومترابطة ولها علاقات بجهات أمنية.
كما يعتبر المدرس السابق، أن القوانين في الجامعة وترك مستقبل الطالب للاستاذ بشكلٍ كامل، فاقم من تلك الظواهر وحالات الفساد، لافتاً إلى أن العديد من المدرسين يستغلون صغر سن الطالبات وقلة خبرتهن في الحياة لابتزازهن وقضاء حاجاتهم معهن.
الطامة الكبرى بوجهة نظر الدرس السابق، تكمن في أن تلك القوانين مكنت المدرس من التلاعب بمستقبل الطلاب، بشكل مقصود من قبل أجهزة النظام، وأن ذلك يمكن اعتباره مكافأة من النظام للمدرسين على ولائهم له وخدماتهم، لا سيما خلال سنوات الثورة، حيث ساعد عدد من المدرسين بتسليم مئات المطلوبين من الطلاب بعد أن وصلت المظاهرات إلى ساحات الجامعات.
تزوير امتحانات ومنح تباع على البسطة
حالة الفساد في الجامعات السورية لا تتوقف عند حد النجاح أو التخرج، وفقاً لما يؤكده الطالب في جامعة دمشق، “حسان.ن”، وإنما تمتد حتى إلى ما بعد التخرج، مشيراً إلى أن أكبر عمليات الفساد وأكثرها تكسباً تتم في مسألة البعثات إلى الخارج، خاصة وأن تلك البعثات تحولت إلى حلم لدى آلاف الشباب السوريين للخلاص من الوضع القائم.
فساد المنح وبحسب ما يرويه “حسان”؛ حرمه من منحة كانت مقدمة من روسيا، لمواصلة الدراسات العليا، موضحاً أن البعثة ذهبت لطالب أقل منه معدلاً، كونه على صلة بأحد موظفي المنح وتمكن بواسطته من دفع مبلغ 3500 دولار أمريكي للحصول على المنحة.
يذكر أن مصادر في وزراة التعليم التابعة للنظام في سوريا، قد أكدت أن روسيا أصدرت قراراً بحصر الموافقات والقبول للمنح بالجهات الروسية فقط، دون وجود أي دور للسلطات السورية بكامل فروعها واختصاصاتها، بسبب تصاعد حالات الفساد في تلك المنح ووصوله إلى مستويات لا يمكن السكوت عنها.
عمليات الفساد والتربح من المنح، وفقاً لما يكشفه، المدرس السابق في جامعة دمشق، يبدأ قبل الوصول إلى المنحة، من خلال بيع المعدلات في الامتحانات، مضيفاً: “في السابق كان بعض الأساتذة، يبيعون الأسئلة للطلاب، ولكن مع تطور الفساد باتوا يبيعون المعدلات، لسببين، الأول لمنع تسرب الأسئلة لطلاب لم يدفعوا ثمنها، والثاني رفع سعر المادة لمن يريد الحصول على منحة بعد الدراسة”.
يشار إلى أن وزارة التعليم العالي في حكومة النظام، قد أعلنت عن إحالة ثلاثة أستاذة أكاديميين في كلية التربية بجامعة البعث في حمص إلى التحقيق لتورطهم في قضايا فساد وتلقي رشاوي مالية لإنجاح الطلاب في مقرراتهم.
ويلفت المدرس السابق، في كلية الإعلام جامعة دمشق، إلى أن سعر المعدل حالياً وبحسب ما عرفه من بعض طلابه السابقين، وصل إلى ما يتراوح بين 500 ألف إلى مليون ليرة سورية، موضحاً أنه بعد التخرج يبدأ فساد العاملين في أقسام المنح.
يذكر أن عميد المعهد العالي لبحوث الليرز وتطبيقاته، الدكتور “يوسف سلمان”، قد أعلن في وقتٍ سابق، عن استقالته من منصبه احتجاجًا على الفساد، والضغوط الكبيرة، التي تعرض لها من أعلى المستويات الإدراية، للموافقة على إعطاء مرتبة شرف لطلاب لا يستحقونها، بحسب ما نشره على حسابه في فيسبوك.
لا يقع إلا من يأكل وحده
ضبط عمليات الفساد في الجامعات السورية، يربط المدرس السابق، بعاملين، الأول عدم تنسيق المدرس الفاسد مع الشبكة التي تدير المنظومة التعليمية، وممارسة فساده خارج سرب تلك المنظومة، أما الثاني فهو وقوع صدامات بينه وبين من هم متنفذين أكثر منه داخل القسم أو الكلية.
ويشير المدرس إلى أن الكثير من الفاسدين رحوا ضحية التنافس على المناصب داخل الجامعات، مضيفاً: “على سبيل المثال، في العام 2010، تم فصل رئيسين متتاليين لقسم الإعلام في جامعة دمشق، هما محمد العمر وعطا الله الرمحين، بسبب قضايا فساد مالي وأخلاقي، وذلك تم خلال أشهر، لكن المفارقة كانت أن كليهما عادا إلى التدرسي مجدداً في ذات القسم في العام الذي يليه وكأن شيئاً لم يكن”.
في السياق ذاته، يؤكد المدرس أن الفساد في الجامعات السوري بكافة أشكاله، الأخلاقي والمالي والإداري، لا رتبط بشخص أو اثنين، وإنما هو منظومة متكاملة، لا يمكن التخلص منها إلا بتفكيك كامل لها، مشيراً إلى أن تلك الخطوة لا يمكن اتخاذها طالما أن النظام السياسي لا يزال قائماً، والذي يعتمد على أسس الولاءات وكتابة التقارير والعمالة لأجهزة المخابرات وتزكيات الأمن، كأسسٍ لتعيين الكادر التدريسي في الجامعات