بين الفينة والأخرى، نسمع تحرك لدى بعض الأوساط الأمريكية، لاتخاذ بعض الخطوات تجاه السياسات القطرية ورأس الحربة فيها “الآلة الإعلامية” التي استهدفت الأمن القومي للعديد من الدول في العالم بشكل عام، والمنطقة العربية على وجه الخصوص، عبر تمويل الإرهاب وبث الشائعات وترويج الأكاذيب، مستخدمة في ذلك ما يمكن تسميته بـ«ترسانة الإعلامية» من كبرى المؤسسات مثل «شبكة الجزيرة» التي تأتي في المقدمة كأبرز تلك الوسائل، إلى المواقع الإلكترونية الصغيرة، والسوشيال ميديا من تحقيق أهدافها المغرضة في تبييض بعض جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسهم الإخوان المسلمين.
ولعلّ هذه كانت أحد الأسباب الرئيسة، أن تكون المطالبة بإغلاق «الجزيرة»، أحد الشروط الأساسية التي تم تقديمها من الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب، والتي سميت بالقائمة العربية (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) بسبب الدور الذي لعبته القناة باسم قطر،و كان سبباً في مقاطعتهم للدوحة، في العام 2017، أثر حصولهم على دلائل وحقائق تؤكد دعمها وتمويلها للإرهاب والعمل على زعزعة أمن واستقرار المنطقة عبر أجنحة وفروع الإخوان في المنطقة.
تصدير الفوضى وبث الأكاذيب
بدأ التحرك والضغط من واشنطن أكثر، بعد أن كشف الموقع الأمريكي «ذى ديلى بيست» في العام الماضي، عن مشروع قانون بالكونجرس الأمريكي يسمى بـ«تسجيل العملاء الأجانب» ومهمته استهداف وسائل الإعلام الأجنبية العاملة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بعد توصلهم لمصادر تلك الوسائل والشبهات التي تحوم حولها، وكان لافتاً أن قناة «الجزيرة الإنجليزية» من ضمن تلك الوسائل التي أشار لها الموقع الأمريكي، والتهمة الموجهة إليها لم تكن تختلف عن التهم التي وجه إليها الرباعي العربي في قائمتهم.
و قال الموقع الامريكي: “إنها تروّج للإرهاب من خلال دعم جماعات مصنفة إرهابية في داخل الولايات المتحدة الأمريكية”، وبمجرد الكشف عن تلك الشبهات، طالب نواب من الحزب الجمهوري فيي الكونغرس من بعض وسائل الإعلام القطرية العاملة على الأراضي الأمريكية لتقديم كل المعلومات حول طبيعة علاقاتها بالنظام القطري، ومصادر تمويلها، والتي كانت هذه بمثابة البداية في وضع الحكومة القطرية في مرمى النيران بسبب تحركاتها المشبوهة التي أثارت حفيظة الدول العربية قبل الأجنبية.
لقد تضمنت الرسالة التي بعثها ووقعها رئيس هيئة العدل «جاي آي برات»، بهذا الخصوص من أن مخاطر الاعلام القطري يهدف إلى خلق حالة من تصدير الفوضى وبث الأكاذيب، حين قال فيها إن «الصحافة المصممة للتأثير على التصورات الأمريكية لقضية سياسة داخلية أو أنشطة دولة أجنبية أو قيادتها مؤهلة لتكوّن أنشطة سياسية بموجب التعريف القانوني»، وأوضحت الرسالة، أن «قسم مكافحة التجسس في الوزارة يتابع أنشطة القناة حتى وإن كانت تعتبر نفسها (متوازنة)».
ضربة قاصمة
ما قالته واشنطن عن الدور القطري، لم يكن مختلفاً عمّا طالب به الدول العربية لوضع حدٍ للأجندات المؤامرات التي ترسمها وتخططها من خلال رعايتها للإرهاب، وإن كان الطلب الأمريكي لوقفها داخل حدودها، فإن الرباعي العربي منذ 2017 لم أكثر من ذلك وإنما في المنطقة العربية، والتي كانت سبباً بالمد الإخواني.
جاءت الضربة القاصمة للدوحة في منتصف أيول/ سبتمبر الماضي، بعد أن قررت وزارة العدل اتخاذ إجراءات ضد شبكة إخبارية رقمية مقرها الولايات المتحدة مملوكة لقناة «الجزيرة»، وكشفت الوزارة بشكل صريح «أن الشركة الإعلامية مدعومة من العائلة المالكة في قطر، بالتسجيل (كوكيل أجنبي)»، وهذا ما أكده تقرير سابق نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» من أنه يجب أن تخضع للتسجيل «كوكيل أجنبي».
اعتمدت الصحيفة في تقريرها على رسالة لوزارة العدل في أيلول/ سبتمبر الماضي، قالت فيه: إن «شبكة (الجزيرة بلس) التي تنتج بشكل أساسي مقاطع فيديو قصيرة لوسائل التواصل الاجتماعي باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية والإسبانية، تشارك في (الأنشطة السياسية) نيابة عن حكومة قطر، وبالتالي يجب أن تخضع لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب»، وكانت المفاجأة حين كشف مسؤول أمريكي مطلع على الرسالة والإجراءات التي تقوم بها الإدارة الأمريكية، أن قرار الإدارة فاجأ الدبلوماسيين القطريين الذين علموا به من خلال تقارير إخبارية.
ملايين الدولارات للتأثير على مراكز الأبحاث
أصدرت وزارة العدل الأمريكية، قرارها اعتماداً على تقارير جاءتها من جهات عدّة بعد أن اكتشفت أن قناة الفيديو التابعة لقناة «الجزيرة» تشارك بشكل واضح في أنشطة سياسية على النحو المحدد في قانون تسجيل الوكلاء الأجانب المعروف بـ”FARA”، ووجهت الوزارة اتهاماً مباشراً للقيادة القطرية حين قالت إنها تمتلك أدلة أن القناة تصرفت بتوجيهات من الدوحة، ونوهت الوزارة في قرارها أنه: «وعلى الرغم من التأكيدات على استقلالية التحرير وحرية التعبير، فإن شبكة الجزيرة الإعلامية والشركات التابعة لها تسيطر عليها وتمولها حكومة قطر».
ووفق تقرير لـ«عربي برس» فإن التخوفات الأمريكية من نشاط قطر المشبوه، لم يقتصر على قناة «الجزيرة» فقط، وإنما ذهب لأبعد من ذلك، وهذا ما كشفه تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، في بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، متناولة فيه المخططات القطرية للتأثير على الرأي العام الأمريكي، والتسلل إلى دوائر صنع القرار بشكل غير مباشر، وذلك عبر تمويل العديد من المؤسسات العلمية والبحثية، واستقطاب كبار الباحثين والأكاديميين في تلك الهيئات لتقديم صورة مغايرة للواقع عن الأوضاع السياسية والاقتصادية لإمارة قطر، ناهيك غض الطرف عن ممارساتها الداعمة للإرهاب.
ولم تكتف الصحيفة بكشف مخططاتها، وإنما كشفت أيضاً الأرقام الخيالية الضخمة من التمويل التي توظفها الدوحة خدمة لمشاريعها، مشيرةً إلى أن «تقريراً حكومياً كشف أن قطر دفعت أكثر من 760 مليون دولار من أجل التأثير على مراكز الأبحاث والأكاديميين في أمريكا»، وكان أول من أثار قضية هذه الأموال وزارة التعليم الأمريكية، وذلك في تقريرها الأخير عن المدارس والعقود الأجنبية، معترفة أن «جامعة كورنيل فشلت في البداية في إبلاغ السلطات الأمريكية عن أكثر من 1.2 مليار دولار من الأموال الأجنبية التي تلقتها في السنوات الأخيرة، بما في ذلك 760 مليون دولار تتعلق بالحرم الجامعي في قطر».
شراء المواقف والولاءات
في تعليق له على استمرار قطر بهذه السياسات قال أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام بالسعودية، الدكتور عبدالله العساف، في تصريحات أدلى بها في وقت سابق خصّ بها لـ«صوت الأمة» إن قناة «الجزيرة وغيرها استطاعت أن تنقل سمومها وتؤثر في الرأي العام الأمريكي، فهي نجحت في التغلغل بالداخل الأمريكي حتى أصبحت هي التي تقود الرأي العام الأمريكي أحيانا وتوجهه، ما استدعى انتباه الكثير من رجال الكونجرس، والتأكيد على ضرورة معرفة مَن يُمول مثل تلك الوسائل وآلية عملها، حتى تكون هناك شفافية حولها، فهي بالفعل أضرت بالأمن القومي الأمريكي».
وكشف «العساف» حسب المعلومات التي يمتلكها، والتي وصفها بالمؤكدة، أن «قناة الجزيرة الإنجليزية تدفع أحيانا ما يقارب من 50 ألف دولار لبعض من أعضاء الكونجرس وبعض من المؤثرين في أمريكا لمجرد الظهور لبضع دقائق على شاشتها»، لافتاً إلى أن «المال القطري استطاع شراء مواقفهم وولاءاتهم أو تبنى وجهة النظر القطرية وتمرير أجندات الدوحة الخفية التي تتعارض مع سياسات البيت الأبيض وبشكل كبير، لهذا دق ناقوس الخطر الذى استدعى وجوب معالجة هذا الخلل الناتج عن وجود وسائل إعلامية أجنبية تستفيد من مناخ الحرية وبالتالي تضر بالأمن القومي الأمريكي والمصالح الأمريكية مع دول العالم».
وتوقع أستاذ الإعلام السياسي، في ختام تصريحاته، أن تنضم الولايات المتحدة، لقائمة الرباعي العربي، الذي كشف خطورة أذرع قطر الإعلامية مبكراً، معرباً عن تفاؤله من نجاح هذه الخطوة إن أقدمت عليها واشنطن، والاتفاق على رأي واحد أن هذه الوسائل ليست وسائل إعلامية، وإنما هي وسائل سياسية واستخباراتية لديها أجندة سياسية تسعى لتنفيذها، على حساب الدول العربية وعبر دعم جماعات الإسلام السياسي التابعة لإخوان المسلمين، وبدعم وتعاون من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحكومة حزب «العدالة والتنمية» الإخوانية المرتبط بعلاقات واسعة مع التنظيمات الإرهابية.