حملت الأيام الماضية مؤشرات ورسائل أمريكية / ترامبية خاصة؛ بعث بها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته “دونالد ترامب” تستهدف ضرب المصالح الإيرانية خلال الأسابيع المتبقية من ولايته في ظل توجه خليفته “جو بايدن” لرسم سياسة خارجية مختلفة (جزئيًا أو كليًا) تجاه طهران..
ويبدو أن إيران التي ابتهجت بوصول بايدن للرئاسة أدركت خطورة مخططات ترامب فاتجهت لتدبيرات خاصة محتملة تسقط الذريعة عن أي هجوم أمريكي محتمل واستمرارًا لسياسة التهدئة التي التزمتها في الفترة الماضية بانتظار وصول بايدن للبيت الأبيض في نقطة راهنت عليها لاستئناف مخططاتها التخريبية السابقة وعلى رأسها برنامجها النووي وبرنامج الصواريخ البالستية.
وتصاعدت التوترات مع إيران في ظل رئاسة ترامب، ووصلت إلى ذروتها في مطلع السنة الحالية مع الضربة الجوية الأميركية التي أنهت حياة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، في محيط مطار بغداد.
وكان ترامب قد خرج بـ الولايات المتحدة من جانب واحد في 2018 من الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية، بهدف منع طهران من تطوير أسلحة نووية، وأعاد فرض عقوبات عليها، ما أدى إلى شل اقتصادها.
تهدئة إلزامية
تحمل خطط ترامب لهجمات مفاجئة قبل العشرين من الشهر الأول مطلع العام القادم؛ جدية كبيرة لطهران التي
حولتها لضغوط على أذرعها وحلفاءها في أنحاء الشرق الأوسط.. بشكل يلغي أيّ مغامرة تمهّد الطريق أمام الاستهداف الأميركي المرتقب.
بحسب مسؤولين عراقيين، وجهت القيادة الإيرانية رسالة مشددة خصوصًا إلى الميليشيات في العراق ولبنان أن تبقى في حالة تأهب شديد.. مع تجنب إثارة التوتر مع واشنطن؛ حيث قد تمنح أي توترات محتملة إدارة ترامب مبررًا للقيام بهجمات في أسابيع وجودها الأخيرة.
قلق وترقب
وكالة “أسوشييتد برس” نقلت عن أحد السياسيين العراقيين تأكيدات أن قائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني، وجّه بعض الميليشيات العراقية لإيقاف الهجمات على المصالح الأميركية في العراق والمنطقة، مطالبًا إياها أن تتحلّى بالهدوء.
وقدم الجنرال الإيراني إسماعيل قآاني، طلب طهران بخفض التوتر، خلال اجتماع مع فصائل الميليشيات العراقية المدعومة من إيران والسياسيين الشيعة في بغداد خلال الأسبوع الحالي، وفق ما نقلت الوكالة عن اثنين من كبار السياسيين العراقيين الذين حضروا الاجتماعات في بغداد.
ونصت الرسالة على طلب: “توقفوا عن إعطاء ترامب الفرصة لبدء جولة جديدة من العنف، تحلوا بالهدوء ووقف الهجمات الآن ضد الوجود الأمريكي في العراق”.
بحسب المراقبين؛ فإن طلب “قآاني” يعكس ارتفاع قلق الإيرانيين بشأن سلوك ترامب غير المتوقع.. في ظل عدم اليقين في الفترة الانتقالية الفوضوية بانتظار تولي الرئيس المنتخب جو بايدن السلطة خلال ما يقارب شهرين.
ترامب يتحفز
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنّ الرئيس “ترامب” استمزج آراء عدد من مستشاريه وكبار المسؤولين؛ حول قابلية “التحرّك” في غضون أسابيع ضدّ موقع نووي إيراني.
ورغم حماسة ترامب لتصرف عسكري سريع ضد طهران.. يبدو أن المستشارين، (من بينهم نائبه مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي) أقنعوا الرئيس ترامب “بعدم المضيّ قدمًا في شنّ ضربة عسكرية ضدّ طهران خوفًا من أن تؤدّي إلى نزاع واسع النطاق”.
وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في تصريحات لصحيفة “لو فيغارو” الفرنسية اليومية، قال إن “الولايات المتحدة ما زال لديها مزيد من العمل في الأسابيع المقبلة لتقليل قدرة إيران على تعذيب الشرق الأوسط”..
ليوضح في تصريحاته: “لقد حرصنا على أن يكون لدى إيران أقل قدر ممكن من الدولارات والموارد لبناء برنامجهم النووي”.. متابعًا وزير الخارجية الأمريكي، “سنواصل الضغط خلال الأسابيع المقبلة.. ما زال هناك عمل للحد من قدرتهم على تعذيب الشرق”.
أما موقع “أكسيوس” أن المبعوث الأمريكي الخاص بإيران إليوت أبرامز، التقى في إسرائيل برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شبات لبحث خطة العقوبات..
في حين أبلغت مصادر إسرائيلية الموقع بأن ما ووصف بمثل هذا “الطوفان” من العقوبات سيزيد الضغط على إيران، ويمنع بايدن من العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
وتسببت الهجمات المتكررة على السفارة الأميركية في بغداد في الأشهر الأخيرة بتهديد إدارة ترامب المحبطة بإغلاقها، في خطوة أثارت أزمة دبلوماسية ورسائل سياسية أرسلت عبر القنوات الخلفية وأدت إلى هدنة غير رسمية قبل أسابيع قليلة من الانتخابات.
وخلال الأيام الماضية، فرضت واشنطن عقوبات جديدة على شخصيات وكيانات إيرانية، متهمة بتزويد شركة عسكرية إيرانية بسلع حساسة، لزيادة الضغط على طهران.
ميليشيات العراق منقسمة
أثناء تواجد الجنرال قآاني في العراق؛ وبعيد ساعات من توجيهه الميليشيات والأذرع الإيرانية في بغداد بالتهدئة.. سقطت أربعة صواريخ كاتيوشا على المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد، حيث أكد مسؤولون أمنيون أن الهجوم كان يستهدف السفارة الأميركية.
وقبل يومين، أعلن قيس الخزعلي، زعيم حركة “عصائب أهل الحق” في العراق، انتهاء “هدنة الفصائل” مع واشنطن بانتهاء الانتخابات الأمريكية.
وربط أثناء حديث متلفز في القناة العراقية الرسمية، انتهاء هدنة الفصائل، و انتهاء الانتخابات الأمريكية.. منوهًا بـ “عدم تحقق الشروط التي على أساسها حصل الاتفاق”.
الخزعلي أشار إلى “وجود اختلاف في وجهات النظر بين الفصائل المسلحة إزاء قصف المنطقة الخضراء” في حين يرى هو “الاتجاه الذي لا يفضل قصف السفارة”.
ثم تناول شروطًا بتحققها يتم وقف الأعمال العسكرية.. حيث أوضح أن “وقف الأعمال العسكرية يأتي وفق شروط، أولها عدم إبقاء أي قاعدة عسكرية غير عراقية، والسيادة على الأرض والسماء، مع وجود فني بتحديد الحكومة”.
ليشير إلى أن “التهديدات التي صدرت من الجانب الأمريكي حول غلق السفارة لم تكن سوى حرب نفسية” مؤكدًا “وقوفه مع الخيارات الدبلوماسية وليس مع استهداف السفارة الأمريكية في الوقت الراهن”.
يرى المتابعون أن الهجوم على المنطقة الخضراء والمخالف لتعليمات قآاني بـ “تجنّب التصعيد”، قد يشير إلى خلاف محتمل داخل صفوف الميليشيات، أو إلى خطة متعمدة من الفصائل لتقديم رسائل مختلطة وإبقاء نواياها غامضة.
في حين تبنت ميليشيا تطلق على نفسها اسم جماعة “أصحاب الكهف” عملية استهداف السفارة الأميركية في بغداد بعد اعتقال عدد من عناصرها في مدينة الفلوجة. وهي ميليشيا يُعتقد أن لها صلات مع كتائب حزب الله في العراق، والتي سارعت بنفي أيّ دور لها في الهجوم، حيث زعمت أن الهدنة التي بدأت في أكتوبر تشرين أول.. لا تزال قائمة.
وعن طبيعة الرسائل التي حملها القيادي الإيراني للميليشيات وتوجيهات طهران لها، كشف الخزعلي عن مضمون رسالة وجّهها هو إلى قائد فيلق “القدس” في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قآاني، تتعلق بالعمليات العسكرية والوضع الداخلي العراقي.
حيث نوه الخزعلي في معرض رده عن تصنيف الفصائل المسلحة العراقية بالتبعية لطهران، بحسب سؤال طرح عليه.. ليرفض ذلك التوصيف مستشهدًا على ذلك بما اعتبره توجيه “رسالة شديدة اللهجة إلى قآاني”.
ثم أعلن الخزعلي: “أبلغت قآاني شخصيًا أننا لن نسمع منكم في المستقبل إذا تعرضتم لضغوط”.
وأضاف: “قلت له إن المخازن التي قُصفت هي تابعة لنا، وإن الشهداء الذين سقطوا هم أبناؤنا وأننا نحن من قدم الخسائر والتضحيات، وبالتالي فهذه القضية نحن معنيون بها أيضاً، وفي حال زارتكم شخصيات أو وفود عراقية تحاول الضغط عليكم، أبلغوهم بأن القضية عراقية، وليست قضية إيرانية”.
رسائل إيرانية مذبذبة
أطلق مستشار المرشد الأعلى الإيراني، حسن دهقان، تحذيرات من أن أيّ هجوم أميركي على إيران قد يقود إلى “حرب شاملة” في المنطقة..
وجاءت التحذيرات الإيرانية بعد أيام من غارات إسرائيلة على مواقع في جنوبي سورية.
إلا أن القيادي الإيراني لم يمضي في تهديداته، حين عاد ليخفف من نبرته قائلًا “نحن لا نرحّب بالحرب.. ولسنا نهدف إلى بدئها”.
ويبدو أن العراق، الذي بات أرضًا للتنافس بين الولايات المتحدة وإيران، هو الساحة المحتملة للحرب التي تلمح بها طهران.
نصر الله يؤكد التهدئة
خاطب حسن نصر الله، أمين عام حزب الله المدعوم من إيران، أتباعه وحلفاءه وطلب منهم التيقظ خلال الأسابيع المتبقية من رئاسة ترامب.
وفي تصريحات تلفزيونية قبل أيام ، قال نصر الله: “يجب أن نكون خلال الشهرين المقبلين في حالة استعداد وحذر شديدين”، حيث ناشد أتباعه الاستعداد لمواجهة أيّ خطر أو عدوان، والرد بالمثل “إذا ذهبت الحماقات الأميركية أو الإسرائيلية إلى هذا الحد”.
تحركات عملية
نشرت “القيادة المركزية الأمريكية” قاذفات “B-52” في الشرق الأوسط، في تحرك عسكري وصفته وسائل إعلام أمريكية بأنها “رسالة إلى طهران”.
ليذكر المتحدث الرسمي باسم القيادة المركزية الأمريكية، العقيد بيل أوربان، بحسب معرفات القيادة الرسمية.. استعد طاقم العمل الجوي لطائرة “B-52H” خلال وقت قصير في قاعدة “مينوت” الجوية في ولاية داكوتا الشمالية الأمريكية، ثم انطلق يوم 21 من تشرين الثاني “بمهمة طويلة” إلى الشرق الأوسط، “لردع العدوان وطمأنة شركاء وحلفاء الولايات المتحدة”.
ووفق القيادة المركزية، “تثبت المهمة المستمرة قدرة الجيش الأمريكي على نشر القوة الجوية القتالية في أي مكان في العالم في غضون وقت قصير والاندماج في عمليات القيادة المركزية للمساعدة في الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليمي”.
ثم أشارت “القيادة” إلى أن هذه المهام تساعد طاقم طائرات القصف الجوي على التعرف على المجال الجوي للمنطقة، ووظائف القيادة والتحكم، وتسمح لهم بالاندماج مع الأصول الجوية الأمريكية والشريكة في الميدان، ما يزيد من جاهزية القوة المشتركة.
لكن البيان أكد أن الولايات المتحدة لا تسعى لإحداث أي صراع، لكنها لا تزال ملتزمة بالاستجابة لأي طارئ حول العالم.
وجاءت الحركة العسكرية بعد أيام من حديث ترامب لصحيفة “نيويورك تايمز” حول إمكانية ضرب موقع نووي إيراني خلال الأسابيع المقبلة”.
في حين وصفت قناة “فوكس نيوز” الأمريكية خطوة إرسال هذه الطائرة إلى الشرق الأوسط بأنها “رسالة إلى إيران”.
قلق مبالغ به
ترى وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية أن القلق الإيراني من شن ترامب هجمات ضد أهداف إيرانية لا يستند إلى الواقع، إذ إن ترامب أمر بسحب القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان بحلول منتصف كانون الثاني المقبل، لكن القلق مصدره عدم القدرة على التنبؤ بأفعال ترامب الذي أقال وزير الدفاع، مارك إسبر، بعد يومين من الانتخابات.
في حين يعتقد مراقبون أنه من الصعب على ترامب أن ينفّذ هجوما خاطفًا على إيران، مشيرين إلى أن الصعوبة ليست في توجيه ضربات خاطفة لمواقع نووية أو عسكرية أو سيادية إيرانية، ولكن في كيفية مواجهة ردود فعل إيران التي تمتلك أذرعًا في أماكن متعدّدة في الشرق الأوسط كما في أفريقيا وأميركا اللاتينية.. كما أن عامل الوقت يضغط على ترامب ولا يساعد على مغامرة من هذا النوع.